خفضت مؤسسة ال​تصنيف​ الإئتماني "​موديز​" تصنيف لبنان من " B-" مع رؤية سلبية إلى " Caa1" مع رؤية "مستقرة" بسبب ما وصفته بـ"استمرار تشكيل الحكومة الذي سيزيد الضغوط على ​السيولة​ في لبنان".

وقالت الوكالة أن سبب التخفيض هو "إزدياد مخاطر السيولة والاستقرار ال​مالي​، نتيجة غياب الحل الجدّي لخفض العجز في ​الموازنة​ وخلق فائض مرتفع في الميزان الاولي في سياق تقلّص ​التحويلات​ وتراجع نمو ​الودائع​ المصرفية بشكل ملحوظ".

وبعد يومين من تقرير الوكالة، أكد وزير المالية في حكومة تصريف الأعمال ​علي حسن خليل​، بعد لقائه ورئيس لجنة المال النيابية النائب إبراهيم كنعان، رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​، ""إننا اتفقنا على سير الأمور بالطريقة الصحيحة التي تضمن انتظام الدفع، خصوصاً في ما يتعلق بالرواتب و​الأجور​ والسندات، في الإطار الدستوري حتى لا يكون هناك أي إشكال مستقبلاً".

ولمعرفة المزيد حول تداعيات تقرير "موديز" وعدد من المواضيع الأخرى كان لـ"الإقتصضاد" هذا اللقاء مع كبير ​الاقتصاد​يين ورئيس قسم الأبحاث لدى "​بنك عودة​" د. ​مروان بركات:

ما هي تداعيات تقرير "موديز" على لبنان وقدرته على سداد ديونه في المرحلة المقبلة، في الوقت الذي يؤكد فيه الوزير خليل على انتظام الدفع؟

إن تقرير "موديز" يشكّل إنذاراً للدولة اللبنانية على إلحاحية تحسين وضع المالية العامة الذي يعاني من نسبة دين عام تبلغ 150% من ​الناتج المحلي​ الإجمالي ونسبة عجز مالي عام تبلغ 10% من الناتج المحلي الإجمالي، وهي نسب مرتفعة وفق المعايير العالمية. في هذا السياق، نحن نعتقد أن هناك إمكانية لهبوط آمن على صعيد المالية العامة إذا اعتمدت الدولة إصلاحات مبنيّة على التقشف في ​الإنفاق العام​ وتعزيز الإيرادات العامة، لاسيما عن طريق تعزيز الجباية، إضافةً إلى إصلاح قطاع ​الكهرباء​ الذي يشكّل ما نسبته 30% من العجز الإجمالي في المالية العامة، وتطبيق مقرّرات مؤتمر سيدر. يجدر الذكر أن تعزيز نسب تعبئة الموارد يجب أن يأتي عن طريق مكافحة التهرب الضريبي والذي نقدّر حجمه بحوالي 4.8 مليار دولار أي ما يوازي 10% من الناتج المحلي الإجمالي، وبالتالي فإن سد ربع فجوة التهرب الضريبي من شأنه أن يضمن ما لا يقلّ عن نصف الجهد الإصلاحي الذي التزم به لبنان في مؤتمر سيدر (خفض العجز المالي العام بنسبة 5% من الناتج المحلي الإجمالي). وعليه، إن موضوع المالية العامة الواهنة ما زال قابلاً للاحتواء عن طريق الإصلاحات المنشودة، على صعيد النفقات والإيرادات، عوضاً عن اللجوء إلى إجراءات جذرية تترك انعكاساً سلبياً على الاقتصاد والأسواق على المدى الطويل.

هل يضمن تشكيل الحكومة احتواء تداعيات هذا التقرير؟

لا شك بأن وتيرة التجاذبات السياسية المحلية التي اشتدت وطأتها في الآونة الأخيرة في ظل استمرار الفراغ الحكومي وتغلغل شلل السلطة التنفيذية إلى صميم الأطر الاجتماعية والمعيشية في البلاد قد أرخى بثقله وبشكل متزايد على الاقتصاد الوطني وفاقم الاختلالات الماكرو اقتصادية المحدقة بشكل عام. من هنا يجدر على السلطة السياسية تقديم كل التنازلات الملحّة والضرورية وتخفيض منسوب التباينات وتعزيز القواسم المشتركة في ما بينهم والإسراع في تشكيل حكومة فعالة من أجل صون الصمود الاقتصادي والمالي والنقدي للبلاد في المدى المنظور، وتحقيق تقدم جدّي وصارم على مسار ال​اصلاح​ات الاقتصادية إلى المالية والإدارية منها، والتي من شأنها أن تؤدي إلى احتواء المخاطر الناجمة عن التلبّد السائد في مناخ الثقة بشكل عام.

أعلن الوزير خليل انه تم اليوم في بعبدا الاتفاق على الاصلاحات المطلوبة قبل البدء بمناقشة الموازنة، وأنه تم الاتفاق على اقرار اصلاح مالي جديد، هل هذه التصريحات تتساوى في تأثيرها على ارتياح الأسواق بالمستوى نفسه كالتصريحات السلبية؟

لا شك بأن أي جهود متعلّقة بالإصلاح المالي من شأنها أن ترسل إشارات إيجابية إلى مجتمع الاستثمار و​المستثمرين المؤسساتيين​، كما وأن من شأن أي مبادرات إصلاحية عملية أن تعكس ارتياحاً في ​الأسواق المالية​ بشكل عام عقب تحسّن النشاط السوقي خلال الأيام القليلة الماضية. على سبيل المثال، إن مبادرة قطر بشراء 500 مليون دولار من سندات اليوروبوندز اللبنانية قد عزّزت عامل الثقة في سوق اليوروبوندز التي تحسّنت أسعارها بنقطة مئوية ونصف نهار الإثنين الفائت عقب إعلان الخطوة، إضافةً إلى أنها تنعكس إيجاباً على الموجودات الخارجية للقطاع المالي اللبنانية وبالتالي على ميزان المدفوعات. ونحن نأمل أن تُستتبع هذه الخطوة التي قامت بها ​دولة قطر​ مشكورةً بمبادرات مماثلة من قبل دول أخرى قادرة على تقديم الدعم للبنان، أبرزها المملكة العربية ​السعودية​ التي أعلنت مؤخراً عبر وزير ماليتها عن استعدادها لبذل كل ما في وسعها لدعم ​الاقتصاد اللبناني​. يجدر الذكر أن تصريح وزير المال السعودي قد ترك أثراً إيجابياً على الأسواق المالية خلال اليومين الماضيين بحيث سجلت أسعار اليوروبوندز اللبنانية ارتفاعات وصلت إلى خمس نقاط مئوية وتراجع هامش مقايضة المخاطر الائتمانية من فئة خمس سنوات إلى 795 نقطة أساس بعد أن كان قد تجاوز 900 نقطة أساس نهار الجمعة الفائت.

ما هي توقعاتك للأوضاع النقدية والمالية في المرحلة المقبلة؟

في حين أننا لا نرى زعزعة للاستقرار النقدي في لبنان في المدى القريب في ضوء المكانة النسبية التي تتمتع بها عناصر الحماية المالية والنقدية لاسيما في ظل الاحتياطيات الأجنبية المرتفعة (بنسبة 77% من ​الكتلة النقدية​ بالليرة) والسيولة المصرفية المتوافرة (بنسبة 40% من الودائع بالعملات الأجنبية)، إلا أن التحدي الأكبر يكمن في الحدّ من الاختلالات القائمة في أوضاع المالية العامة والتي تمثل عنصر الهشاشة الأبرز في الاقتصاد اللبناني. عليه، وفي حين أن المخارج لا تزال متوفرة وهي تتطلّب خيارات اقتصادية صارمة من قبل واضعي السياسات، إلا أن ليس بمقدور لبنان تأخير الإصلاحات التي طال انتظارها. من هنا، فإن إحراز تقدّم ملموس على هذه المستويات كما أن تنفيذ تعهدات مؤتمر "سيدر" بشأن تمويل ​الانفاق​ للبنى التحتية من شأنه أن يمهّد إلى نقل لبنان من حقبة المخاوف الماكرو اقتصادية إلى حقبة الاحتواء التدريجي للمخاطر والتهديدات كشرط أساسي لعملية تحقيق النهوض الاقتصادي المنشود.