قال وزير ال​اقتصاد​  رائد خوري إن أبرز بنود البيان الختامي في القمة الاقتصادية التنموية العربية، هو بند ​الاقتصاد الرقمي​ والذي من شأنه دعم عجلة الاقتصاد، داعياً دولة ​الإمارات​ العربية المتحدة إلى تقديم اقتراحات بشأن هذا البند كونها من أبرز البلاد العربية التي نجحت في تطبيقه.

وقد أكد "اعلان بيروت "الصادر عن القمة ضرورة تبني سياسات استباقية لبناء القدرات اللازمة للاستفادة من إمكانات الاقتصاد الرقمي وتقديم الدعم للمبادرات الخاصة، مشددا على أهمية وضع رؤية عربية مشتركة في مجال الاقتصاد الرقمي، من اجل مواكبة عربية لثورة الاتصالات والمعلومات، لان الاقتصاد الرقمي صار محركاً هاماً للنمو الاقتصادي العالمي.

أهمية هذا البند كما قال الوزير خوري لا تتأتى من اهمية الاقتصاد الرقمي بشكل عام ، فهذا امر معروف ، وانما بسبب انه البند الوحيد الذي ارفق بمبادرة عملية لتنفيذه من خلال مبادرة  دولة ​الكويت​ لإنشاء صندوق للإستثمار في مجالات التكنولوجيا والاقتصاد الرقمي برأس مال وقدره مئتي مليون دولار أميركي بمشاركة ​القطاع الخاص​، ومساهمة ​دولة الكويت​ بمبلغ 50 مليون دولار، وكذلك مساهمة ​دولة قطر​ بمبلغ 50 مليون دولار من رأس مال هذا الصندوق، بما يعادل نصف حجمه.

والواقع الذي يدركه الجميع ان مقررات القمم العربية سواء كانت سياسية او اقتصادية تبقى غالبا حبرا على ورق ، او في احسن الاحوال هي اعلان نوايا لا اكثر ،لاسباب عدة أهمها غياب التمويل والبرامج التنفيذية للمقررات ، وغياب التمويل هذا سببه عدم توفر القرار السياسي لدى الدول.

أما وقد وجد تمويل الحد الادنى والقاعدة الاساسية لبناء الاقتصاد الرقمي العربي ، ينبغي الشروع فورا في العمل لادراك التأخر العربي في هذا المجال .

كانت بعض الحكومات العربية ،وعلى رأسها ​دولة الإمارات العربية المتحدة​ ومملكة ​البحرين​، قد قامت بتنفيذ مبادرات التحول الرقمي الأساسية،وتحتل الإمارات الصدارة بين دول ​الشرق الأوسط​ في تبني التحول الرقمي، لا بل ارتقت إلى المراكز الأولى في العديد من المقاييس في مؤشر التحول الرقمي. وقد أعلنت دول أخرى عن طموحات كبيرة وحققت تقدمًا كبيرًا في هذا المجال. ولكن رغم ذلك، ما زالت جهودها الرامية إلى تشجيع الابتكار والارتقاء بمعدلات الاعتماد الرقمي في القطاع العام إلى مستويات أعلى تواجه تحديات كبيرة في التنفيذ مثل افتقارها إلى هيكل الحوكمة اللازم لتحقيق التغيير المنشود.

والمعروف في هذا السياق ان المواطنين يساهمون بأنفسهم في قيادة التحول الرقمي في ​الدول العربية​ . فمن منظور الانتشار الرقمي بين الأفراد في ​العالم العربي​، نجد أن دولة الإمارات العربية المتحدة ودولة قطر و​مملكة البحرين​ تأتي في صدارة الدول على مستوى العالم، إذ تشهد معدلات استخدام للهواتف الذكية بنسبة 100%، و​وسائل التواصل​ الاجتماعي بنسبة تزيد عن 70%، وهي معدلات تتجاوز حتى مثيلاتها في ​الولايات المتحدة​ نفسها.

يعرض مؤشر ​ماكنزي​ للتحول الرقمي في الشرق الأوسط في تقرير خاص مستوى التحول الرقمي والأثر الناتج عنه في تسع دول بمنطقة الشرق الأوسط وهي: البحرين، و​مصر​، و​الأردن​، والكويت، و​لبنان​، و​سلطنة عمان​، وقطر، والمملكة العربية ​السعودية​، ودولة الإمارات العربية المتحدة.

ويلحظ المؤشر اولا التباين بين دولة وأخرى ، وثانيا انه رغم التطلعات والمبادرات  الحكومية الطموحة تجاه التحول الرقمي، فإن 6% فقط من شعوب منطقة الشرق الأوسط ما زالت تنعم بتطبيق أنظمة الحكومة الذكية الرقمية، وهذا بدوره يؤكد على المكانة المتأخرة التي تحتلها المنطقة بالمقارنة مع الدول المتقدمة في مجال التحول الرقمي في قطاع الأعمال ، بدءًا من انخفاض قيمة رأس المال المغامر المتاح لتمويل ​الشركات الناشئة​ وانتهاءً بحجم القوى العاملة في الوظائف والصناعات الرقمية.

المؤتمر الأول للاقتصاد الرقمي العربي الذي أقيم في ​أبوظبي​ نهاية العام الماضي أضاء بشكل مميز على هذه المسألة ، وقد بينت مداولات المؤتمر اهمية الاقتصاد الرقمي الذي يمكن أن يسهم بأكثر من 3 تريليونات دولار في ​نمو الناتج المحلي​ العربي، ومن هنا ضرورة تبني رؤية الاقتصاد الرقمي العربي لفرص نمو الناتج المحلي للدول العربية تتماهى طرديا مع النمو السكاني في المنطقة العربية، ومع أهداف تحسين الحالة الاقتصادية والاجتماعية للشعوب العربية.

كما كشفت المداولات أن المساهمة الرقمية في اقتصادات الدول العربية حاليا لا تتعدى 4% مقارنة بـ 22٪ عالميا.

وأوصى المؤتمر بإيجاد قوانين وتشريعات منظمة للاقتصاد الرقمي وسياسات تنظم التقدم التكنولوجي والتحول الرقمي لضمان شمول جميع الدول العربية، وصياغة السياسات المرنة المتعلقة بمقومات الاقتصاد الرقمي العربي من البنى التحتية التكنولوجية، والسياسات والتشريعات المرتبطة، والحوكمة، والمهارات الرقمية والتمويل و​رؤوس الأموال​ البينية والعالمية.

ودعا المؤتمر إلى ترسيخ نجاح العمل العربي المشترك في بناء اقتصاد رقمي منافس عالميا عن طريق التكامل بين الدول العربية وتضافر جهود الحكومات العربية في سبيل تحقيق هذا الهدف، فإن التقييم المستمر والبناء لعملية إعادة بناء المؤسسات العامة وأنظمتها القانونية مستمر للارتقاء بأدوار جميع الدول العربية في كافة مجالات عمل الاقتصاد الرقمي.

لذلك ، ينبغي تسريع جهود التحول الرقمي في الشرق الأوسط، ومن اجل ذلك قدمت ماكنزي عشر توصيات ملموسة في أربعة مجالات رئيسية وهي: الحكومة، وشركات القطاع الخاص، والتمويل، والمواهب البشرية. فالمستقبل الرقمي في الشرق الأوسط يستلزم تضافر جهود جميع الأطراف المعنية من قادة حكوميين وكيانات فردية وقطاع خاص ومجتمع مدني.

والخلاصة ، فان قمة بيروت ، عالجت موضوع الاقتصاد الرقمي الهام جدا  من خلال اطلاق مبادرة عملية عربية ، قدمتها الكويت كما اسلفنا ، تؤمن مشاركة الحكومات في هذا الجهد لتتكامل معها لاحقا جهود القطاع الخاص وسائر مكونات مجتمع الاعمال ... فهل يمضي العرب على طريق الحداثة ؟