بعد يومين من الاعمال والاجتماعات على هامش القمة التنموية الاقتصادية في ​بيروت​، اصدرت القمة بيانها الختامي الذي حمل عنوان "إعلان بيروت"، وتطرق لملفات ومقترحات على كافة الاصعدة الاقتصادية والاجتماعية والتنموية.

وقد تمكن ​لبنان​ من إنجاح هذه القمة – على الرغم من كل العراقيل التي رافقتها – من خلال إصرار كبير على عدم تأجيلها، ومن خلال تنظيم مثالي أثبت للجميع أن بيروت مازالت قادرة على إستضافة الأحداث الكبرى مهما علا شأنها. ومن خلال "اعلان بيروت" الذي سلط الضوء على مواضيع ومقترحات إقتصادية غاية في الأهمية، وعلى رأسها العمل للتخفيف من تفاقم أزمة اللاجئين والنازحين في الدول العربية، وتبني سياسات استباقية لبناء القدرات اللازمة من اجل الاستفادة من إمكانات الاقتصاد الرقمي، وتقديم الدعم الى المبادرات الخاصة في هذا المجال، بالإضافة إلى متابعة التقدم المحرز في إطار منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى ومتطلبات الاتحاد الجمركي العربي، واعتماد الاستراتيجية العربية للطاقة المستدامة 2030 بُغية تحقيق التطور المستدام لنظام الطاقة العربي، والتاكيد تأكيداً على أهمية أن الاستثمار في الانسان الذي يعد أقصر طريق لتحقيق النمو الاقتصادي المطلوب، بالإضافة إلى العديد من النقاط والمواضيع الإقتصادية والتنموية الأخرى.

ومن إيجابيات القمة أيضا، إعلان نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري الامير محمد بن عبد الرحمن آل ثاني ان "قطر ستقوم بشراء سندات الحكومة اللبنانية بقيمة 500 مليون دولار، وتأكيده نية قطر تدعيم الاقتصاد اللبناني، والتزامها بدعم اللبنانيين في ظل التحديات التي يواجهونها.

فما هي أهمية "إعلان بيروت"؟ وهل تبقى المقررات نقاطاً على ورق ؟ وماذا عن الخطوة القطرية تجاه لبنان؟ وهل تعيد نوعاً من الثقة للإقتصاد الوطني ؟

هذه الأسئلة وغيرها اجاب عنها الاستاذ الجامعي د. غابي بجاني في مقابلة خاصة مع "الإقتصاد".

بداية، كيف تقيّم أهمية انعقاد القمة الإقتصادية التنموية العربية في بيروت .. على الرغم من العراقيل والخلافات التي رافقتها ؟

مجرد إنعقاد القمة في بيروت هو إنجاز بحد ذاته، خاصة ان عراقيل كثيرة رافقت هذه القمة بدءاً من موضوع دعوة سوريا، وصولا إلى الموضوع الليبي وما رافقه من احداث. لذلك فإن إنعقاد القمة بموعدها وعدم تأجيلها يعد أمراً جيداً للبنان، ويدل على ان بيروت – على الرغم من الصراعات السياسية الداخلية، والإنقسامات الكبيرة على المستوى العربي – قادرة على تنظيم قمة بهذا الحجم، وبهذا التنظيم المميز.

الإيجابية الثانية للقمة، تمثلت بحضور أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، الذي اعطى دفعة معنوية كبيرة للقمة بظل غياب رؤساء وملوك الدول العربية، وتلتها إيجابية أخرى بإعلان وزير الخارجية القطري بأن بلاده ستقوم بشراء سندات الحكومة اللبنانية بقيمة 500 مليون دولار، وهذه خطوة جاءت بمكانها الفعال والصحيح وأنقذت الوضع المالي اللبناني، خاصة أن لبنان قادم على إستحقاقات مالية مهمة، وكان بحاجة ماسة لبيع سندات حكومية.

من جهة أخرى عززت هذه الخطوة الثقة بلبنان، وقد تشجع مستثمرين آخرين لشراء سندات حكومية لبنانية في الفترة القادمة. لذلك نشكر قطر على هذه الخطوة، ونعيد إحياء عبارة "شكراً قطر" التي ساهمت بإنقاذ لبنان إبان العدوان الإسرائيلي في تموز 2006، وها هي تنقذ لبنان مجددا وتقف إلى جانبه في ظل الوضع الإقتصادي الصعبة التي يمر بها.

هناك من يرى خطوة الامير تميم بالحضور، والخطوة التي تلتها بالإعلان عن شراء سندات حكومية لبنانية، أنها خطوة سياسية بإمتياز، ورسالة للدول العربية التي قاطعت قطر في الفترة الأخيرة .. ما تعليقك على هذه الأراء؟

هناك الكثير من الأحاديث والتفسيرات السياسية لهذه الخطوة، ولكن انا لا أريد الدخول في زواريب السياسة، ويجب أن ننظر إلى النصف الممتلئ من الكوب. فلا يختلف أحد على أن حضور الامير القطري للقمة كان له إيجابية كبيرة، واعطى نكهة مختلفة تماماً للقمة المنعقدة في بيروت، بعد ان إعتذر جميع القادة العرب عن حضورها لأسباب مختلفة.

والخطوة الأهم كما ذكرت سابقا هو الدعم الإقتصادي القطري الذي تمثل بقرار شراء سندات الحكومة اللبنانية بقيمة 500 مليون دولار. لذلك انا اعتقد أن القمة كانت مفيدة للبنان على الرغم من كل التحديات والصعوبات التي رافقتها.

ألا تعتقد ان لبنان كان أمام فرصة كبيرة للإستفادة بشكل أكبر من هذه القمة لو هيأ الظروف السياسية المناسبة عبر تشكيل حكومة جديدة ؟

بدون ادنى شك. فلو كانت الاطراف السياسية اللبنانية متكاتفة فيما بينها قبيل هذه القمة، ولو تم وضع أجندة إقتصادية واضحة وتشكيل حكومة جديدة، لكان لبنان إستفاد كثيرا من هذه القمة، ولرأينا تنافسا عربيا إيجابياً لصالح الوضع اللبناني، حيث كان بإمكاننا تلقي جرعة أوكسيجين كبيرة تكفينا لأكثر من 5 سنوات.

من أبرز مقررات "إعلان بيروت" كان البند المتعلق بأزمة اللاجئين والنازحين في الدول العربية، والذي تم تناوله بشكل عام وليس بشكل خاص .. فهل ترى أي بوادر لمساهمة فعلية في مساعدة لبنان بموضوع النازحين ؟

هذا الملف تم تناوله بشكل عام لأنه يعد من التحديات الكبيرة التي يواجها العالم العربي اليوم، ولكن لا شك ان الجميع على دراية بأن الجزء الاكبر من اللاجئين والنازحين اليوم هم من سوريا، ومجرد وضع هذا البند للنقاش، فهذا يعني أن هناك نية للعمل من أجل التخفيف من معاناة النازحين، والبدء بحلحلة قضيتهم.

وبحسب ما نرى اليوم، فإن حل الأزمة السورية يتجه رويدا رويدا نحو النضوج، وبالتالي قد نرى قريبا عودة لجزء كبير من النازحين، خاصة ان العدد الاكبر منهم يتمنى العودة لوطنه، وعيش حياة طبيعية وكريمة.

طوينا صفحة القمة الإقتصادية والتنموية، وعدنا اليوم إلى واقعنا الصعب والفراغ الحكومي المؤسف .. في حال إستمرار هذا الفراغ إلى أين يتجه لبنان إقتصادياً ؟

سمعنا اليوم ان هناك بوادر لحلحلة هذا الملف، وقد يتم تشكيل حكومة في غضون أسبوع أو أسبوعين، ونتمنى أن يكون هذا الكلام صحيحاً.

فلا يمكن للوضع أن يستمر بظل غياب سلطة تنفيذية فاعلة، خاصة ان هناك عدد كبير من القرارات التي يجب ان تتخذ، وهناك نزف هائل يتكبده إقتصادنا الوطني، ومن غير المعقول الإستمرار بالإعتماد على الدعم والمبادرات من الدول الصديقة، فالمساهمة القطرية ستساعدنا بدون شك، ولكن عدم تحمّل المسؤولية من قبلنا والإستمرار في خلافاتنا السياسية، سيؤدي لإستمرار النزيف ولعواقب خطيرة في المستقبل.

في سياق منفصل .. أحدث التعميم الأخير لمصرف لبنان المتعلق بالتحاويل من الخارج بلبلة في السوق المحلي، هل ترى مبررا لهذا التعميم في الوقت الراهن ؟

نحن نعيش في ظل نظام إقتصادي حر، واللبنانيين إعتادوا على تلقي التحويلات الخارجية من أقرابائهم بالعملات الأجنبية وبدون أي مشاكل. وهناك الكثير منهم مرتبطين بمدفوعات للبنوك بالعملات الاجنبية وبالتالي هم بحاجة لهذه الاموال. فعلى سبيل المثال يقوم معظم اللبنانيين بتقسيط سياراتهم أو منازلهم عن طريق المصارف بالدولار الأميركي وليس بالليرة اللبنانية، وبالتالي لن يقبل المصرف الحصول على الدفعات بالليرة اللبنانية.

وهذا الامر سيخلق طلب رديف على الدولار وعلى العملات الصعبة في السوق، في حين أن محلات الصرافة لن تتمكن من تغطية هذا الطلب.

كنت أتمنى أن لا يتم إصدار هذا التعميم في الوقت الراهن، ولكن للضرورة احكام. ونأمل إعادة النظر به أو تعديله قريباً.