هو عصامي ومغامر ذات إرادة صلبة، فقد هاجر من بلده الأم بإمكانيات متواضعة وظروف صعبة، بحثا عن الأمان ولقمة العيش. هو إنسان طيب ومتواضع، تعرفه عائلته وقريته والجالية ال​لبنان​ية في ​كندا​ أيضا، بأفضاله وسخائه اللامحدود. هو مثابر وطموح، فبعد سنوات من العمل الجدي والشاق، أثمرت جهوده الكبيرة، ونجح في اجتياز أكبر العقبات.

بدأ من الصفر، أو حتى "من تحت الصفر" اذا صحّ القول، اذ لم يرث رأس المال أو العلم والفكر، ولم يعتمد على الشهادات الجامعية، بل اكتسب المعرفة بجديته واجتهاده وتجاربه الحياتية، فطوّر نفسه بنفسه وأثبت ذاته، ليبرهن أن النجاح أقوى من أن يغلب عليه الظلام.

حياته لم تكن عبارة عن رخاء وغنى واستجمام، فقد عانى الأمرّين من أجل تحقيق النجاح الذي وصل اليه اليوم، واعترضت طريقه الصعوبات بأشكال مختلفة، فكافح بكل قوة وصلابة وتحدى أقسى العوامل، ليثبت أنه من الرجال الذين صنعوا من الظروف انطلاقة، ومن الإرادة نجاح، ومن الإصرار إنجاز.

ألبير هيكل هو ببساطة رجل أعمال لبناني مغترب ترفع له القبعة، وشخص نفتخر بوجوده بيننا!

حول هذه التجربة الشيقة والشاقة، حاوره موقع "الاقتصاد" في السطور التالية:

من هو ألبير هيكل؟ وما هي المراحل التي مررت بها حتى وصلت الى ما أنت عليه اليوم؟

اسمي ألبير هيكل، من مواليد بلدة مجدليا – عاليه. استشهد والدي خلال الحرب، وكان شقيقي البكر المعيل الوحيد للعائلة. فعملت لفترة قصيرة في لبنان، وحاولت بناء مستقبلي وحياتي، لكن مصاريفي الخاصة ومصاريف العائلة كانت أكبر بكثير من مدخولي.

ومن هنا، تهجرت خلال حرب الجبل، فهاجرت، لكن رحيلي من بلدي الأم لم يكن في الحسبان، اذ ركبت في السفينة، وسافرت الى ​قبرص​ وفي جيبي 100 دولار فقط، حصلت عليها من صديقي العزيز جوزيف عبيد.

وعلى متن السفينة، التقيت بخالي، ولدى وصولنا مكثت معه ليومين، في غرفة استأجرها في فندق. واكتشفت في ذلك الوقت، أنني أعاني من مشكلة كبيرة في اللغتين، الفرنسية والانكليزية؛ فطلبت من عائلتي في لبنان أن ترسل لي كتابا لتعلم بعض الكلمات الأساسية. وخلال فترة العمل، تعرفت الى المواطنين القبارصة، ومع الوقت تعلمت بعض الكلمات الانكليزية، وخلال حوالي 50 يوما، ارتحت من مشاكل اللغة.

وفي قبرص، صرفت الأموال على الطعام، وبعد ثلاثة أيام، وجدت مبلغ 20 دولارا متبقيا في جبيي فقط. ولهذا السبب، أردت العمل لتأمين لقمة العيش. وذات يوم، خلال التنزه على المارينا، وجدت ورشة قيد الإنشاء، فسألت عما اذا كانوا بحاجة الى موظفين. ومن هنا، بدأت بالعمل في البناء بدوام كامل، ولساعات إضافية أيضا.

فجنيت بعض المال، واستأجرت شقة متواضعة مع عدد من الشبان اللبنانيين الآخرين، عشت حوالي 11 شهرا في قبرص، قدمت خلالها طلبات للهجرة الى عدد من السفارات، حتى نصحني خالي أن بالتوجه الى السفارة الكندية.

وبعد تقديم الطلب، وخلال فترة الانتظار، عملت مع أصحاب كاراجات وورشات حدادة وميكانيك للسيارات، حيث اكتسبت خبرة واسعة؛ وكنت اللبناني الوحيد بين العمال القبارصة.

ومن ثم، اتصلت بشقيقي غابي، الذي كان يبلغ من العمر حينها 17 سنة فقط، وطلبت منه ملاقاتي الى قبرص من أجل السفر معا الى كندا، فجاء وقدم طلب الهجرة أيضا. وبعد 55 يوما، حصلت على تأشيرة الهجرة الى كندا، لكنني لم أكن أمتلك حينها سعر تذكرة السفر، فعملت وجمعت بعض الأموال، وتوجهت الى المقاطعة الفرنسية في كندا مع شقيقي وابن خالتي.

تواصلنا مع خالي فور وصولنا، وساعدنا على إيجاد مكان لننام فيه لبضعة أيام، اذ كنت أمتلك في تلك المرحلة 150 دولارا فقط، ولم أكن مجهزا حينها، من ناحية الملابس، للعيش في كندا في ظل البرد القارس.

فبدأنا بالبحث عن فرص للعمل، وعانينا من بعض المشاكل بسبب افتقادنا للخبرة في سوق العمل الكندي، بالاضافة الى مشكلة اللغات. فوصلنا الى الحضيض، وصرفنا كل أموالنا على الأساسيات الحياتية.

بعد فترة، بدأنا بالعمل في معمل بعيد ساعة ونصف عن مكان سكننا في ​مونتريال​، وعانينا من مشاكل كبيرة في التنقل، ولكن تقبلنا الوضع بسبب عدم وجود بديل. ومن الراتب الأول، اشترينا أحذية ومعاطف مناسبة لطقس كندا.

ومع الوقت، أصبحت رواتبنا مقبولة نسبيا، فأسهمنا في توظيف حوالي 11 شاب لبناني، وفتحنا منزلنا لمدة سنة ونصف أمام كل القادمين من لبنان.

بعدها، بدأنا بالتردد الى الكنيسة، حيث تعرفت الى شخص لبناني يمتلك كاراج متخصص بحدادة ​السيارات​. فعملت معه لمدة أسبوع قبل حصول بعض المشاكل. ولكن شريكه ساعدني على إيجاد عمل ثان في كاراج آخر، حيث عملت 17 ساعة في اليوم لمدة سنتين، براتب وصل الى حوالي 700 دولار أسبوعيا.

فحصلنا على منزل جديد، وبدأ شقيقي بالعمل في مجال بيع الثياب والملابس الداخلية. وذات يوم، أخبرنا صديق لنا عن سوق متجول سيتم افتتاحه، فقررنا شراء الملابس بقيمة 5000 دولار، وبيعها فيه؛ اذ كنت أساعد شقيقي خلال عطلات نهاية الأسبوع دون أي مقابل، ومن هنا "فتح الخير".

فافتتحت متجرا جديدا، يضم قسما للملابس الداخلية، وآخر للقطنيات، ووظفت حينها زوجتي الحالية ألين، للاهتمام بالبيع، وكنا نبيع أسبوعيا بضائع بحوالي 7000 دولار تقريبا.

وبالتالي جمعت بين عملي في الكاراج والمتجر، وفي العام 1992، افتتحت كاراج خاص مع شريك برتغالي الجنسية. وعانينا من مشاكل كثيرة بسبب تهديدات المافيات، وانزعاج المنافسين من خدمات القطر (towing) التي نقدمها، لكنني لم أستسلم لهم.

وخلال السنة الأولى من العمل، وصل مجموع مبيعات خدماتنا الى 1.1 مليون دولار، لكنني لم أحصل سوى على 50 ألف دولار تقريبا، لأن شريكي كان يسرقني بالتعاون مع السكرتيرة.

وبعد سنتين من العمل، دفعت له 150 ألف دولار، واشتريت منه الكاراج، وبدأت المسيرة بمفردي. وحصلت حينها على دروس في مجال تقييم الأضرار وتقديرها. ولكن للأسف، تراجعت حركة العمل، أولا لعدم قدرتي على التواصل مع الزبائن البرتغاليين بسبب عائق اللغة، وثانيا بسبب عدم ضعف مهاراتي الإدارية. ومن هنا، ارتفعت ​الديون​ وتراجعت الأرباح، فقمت بإعادة بيع المشروع لشريكي القديم.

في العام 1994، سافرت الى لبنان مع زوجتي ألين، التي كانت في تلك المرحلة صديقة، واستثمرت 100 ألف دولار مع أحد ​المطورين​ العقاريين، لكنه أعلن بعد فترة إفلاسه وخسرت المبلغ ​المستثمر​.

وبالتالي عدنا الى "المصارعة" فور عودتنا الى مونتريال، دون أن نعلم ما هي الخطوة التالية. فقررنا العمل معا، وبحثنا عن كاراجات متاحة، ووجدنا واحدا يملكه رجل ايطالي؛ وهو كاراجنا الحالي "Carrosserie Saint Michel". فانطلقنا دون أي رأسمال، ودفعت حينها 35 ألف دولار ثمن العمل والأدوات الأساسية. ولكن للأسف عانيت من المشكلة ذاتها، اذ أن غالبية الزبائن من الجنسية الايطالية، وواجهت صعوبة في التواصل معهم ما دفعهم الى التوقف عن التعامل معنا.

ولهذا السبب، قررت وضعت إعلان في جريدة مونتريال عن عروضات خاصة بدهان السيارات، وبأسعار خيالية. ولاقت الإعلان اهتمام واسعا من الناس، واستقبلت عددا كبيرا من الزبائن يوميا، وعمدت الى تقديم خدمات بجودة عالية نوعية ممتازة. وكنت حينها الموظف الوحيد في الكاراج، بالاضافة طبعا الى زوجتي التي بقيت الى جانبي على الدوام. وبعد ذلك، "الله فتحها بوجنا"، فاشتريت عربة القطر الأول (towing)، ومن ثم الثانية، والثالثة، وهكذا دواليك.

وقررنا، ألين وأنا، أن نجمع الأموال في جرة للزعتر - كانت قد أرسلتها لي والدتي من لبنان – لكي نتزوج. وفي العام 1995، تزوجنا في لبنان، بعد أن وصل المبلغ الى 47 ألف دولار.

ومع تقدمي في العمل، والتزامي مع حوالي نصف منطقة مونتريال، وقفت عصابات الطرقات بوجهي، وعمدوا الى حرق عربات القطر والكاراج، ووقعت مشاكل كبيرة بيننا، حتى خيروني بين الحياة والموت، وعرضوا علي شراء شركة "SMGR" المتخصصة بخدمات القطر، والتي تتعاون من خلال عقود عدة، مع بلدية مونتريال؛ ومن هنا حميت ظهري وشعرت بارتياح كبير، وأصبحت شركتي الأكثر نشاطا في مونتريال بسبب طريقتي في العمل والخدمات الممتازة التي نقدمها.

فتوسع عدد الموظفين والعربات، وانتقلت للاستثمار في سيارات للأجرة. وفي العام 2001، دخلت الى مجال العقارات، من خلال شراء الأبنية والشقق وتأجيرها. وكلما شعرت أن هناك بعض السيولة النقدية في جيبي، كنت أستثمرها بشراء خدمة أو مشروع ما، بهدف توسيع نطاق الأعمال.

ومن ثم، اشتريت عقارا في منطقة فال دو بريز (Val Des Brises) في لافال، مصنفة ضمن المناطق المخصصة للقصور، وحققت حلمي ببناء قصر والعيش فيه مع عائلتي.

هل شعرت يوما بالتقصير تجاه العائلة والوقت الخاص بسبب انشغالك بالعمل؟

لم أقصّر أبدا تجاه عائلتي، لكنني للأسف لم يتسنَّ لي قضاء وقت طويل معهم، كما لم أتمكن من الاستمتاع بطفولة أولادي وشعرت أنهم كبروا بسرعة.

ومن هنا، أحاول اليوم قدر الإمكان تنظيم النشاطات معهم، مثل الصيد، والتزلج، والكاراتيه، وركوب الخيل، والسفر عطلات عائلية كل فترة؛ فأولادي هم أصدقائي.

ما هي الصفات التي أسهمت في تقدمك المهني؟

أولا، يجب القيام بكل خطوة من صميم ​القلب​؛ فعلى سبيل المثل، اذا من المفترض بي أن أتواجد في العمل عند السابعة صباحا، سأكون عند السادسة والنصف.

ثانيا، وقت العمل للعمل، ووقت الراحة في المنزل.

ثالثا، يجب أن يكون الانسان منظما على الدوام، وعليه التحضير مسبقا للأمور، لكي يكون جاهزا للأحداث المستقبلية.

هل من الممكن أن تعود ذات يوم للاستقرار في لبنان والعمل بشكل دائم؟

أنا أحب لبنان كثيرا، وخلال زيارتي الأخيرة، لاحظت أنه من الممكن أن أحقق النتيجة ذاتها التي حققتها في كندا، اذا وضعت الجهد والتعب نفسهما في السوق اللبناني، وذلك بغض النظر عن الأوضاع الصعبة التي تسيطر على البلاد. ولكن ليس في المجال ذاته، بل في كل ما له علاقة بالمأكولات والمشروبات والتكنولوجيا.

فمعظم رجال الأعمال الناجحين يقولون أنه ليس من المفترض أن يقدم المستثمر الأفكار التي باتت منتشرة بين الناس، بل عليه العمل على التميز.

ما هي نصيحة رجل الأعمال اللبناني المغترب ألبير هيكل الى جيل ​الشباب​، وخاصة أولئك الذين فقدوا الأمل؟

لقد مررت بظروف صعبة قبل الوصول الى ما أنه عليه اليوم، وعملت في زراعة الخضراوات، وغسل الصحون، ومحطات ​البنزين​، وجرف الثلوج من أمام المنازل،... من أجل الحصول على مدخول.

وبالتالي فإن الشخص الذي يفقد الأمل، هو شخص كسول، لأن الطموح لن يقع أبدا، أينما وجد، وفي أي بلد في العالم.

نصيحتي الأساسية هي أن يدّخر الانسان نسبة تترواح ما بين 25% و35% من مدخوله، وعندما يصبح المبلغ كبيرا، لا يجب أن يجمّد هذه الأموال بل عليه استثمارها؛ فالاستثمار المتواصل أساسي في مسيرة أي شخص ناجح.

وفي النهاية لا بد من القول أنني أشكر الرب يوميا على كل نعمه.