صدمات عنيفة تتلاقها الصحف الورقية في العالم كانت كفيلة بزلزلة عقود طويلة من تربع هذه الوسيلة على عرش الوسائل الاعلامية، فالتقنيات الحديثة بكافة وسائلها وطرقها في التواصل، ودخولها إلى ميدان العمل الصحفي، بدأت بسحب البساط من تحت أقدام الصحافة الورقية، ولعل الواضح انقسام الراي الام بين مؤيد لأهمية صمود وتواجد الصحافة الورقية، وبين متطلع إلى طي تلك الصفحة ونسيانها، والبدء بعصر صحفي جديد، يعتمد الوسيلة ​التقنية​ والرقمية، ويسارع إلى التواجد الدائم، فيحتدم الصراع بين الصحافة الورقية والإلكترونية، وهو صراع بقاء بالنسبة للصحيفة الورقية، التي تجاهد للحفاظ على معدل قراء يتراجع باستمرار.

وعلى الرغم من تباين الاراء الى انه لا يخفى على احد الصعوبات التمويلية التي تمر بها الصحف الورقية في العالم والتي تسعى الى ايجاد حلول تجنبها الاقفال او الاكتفاء بالظهور في الوافع الافتراضي، فشهدنا هذه الصحف تتجه للاحتجاب عن الصدور يوم من كل أسبوع مع مطلع العام الجديد كما هو الحال في ​الكويت​ او تقليص عدد صفحاتها اليومية بهدف تقليل الكلفة التي ظلت ترهق كاهل المؤسسات الصحافية الخاصة او اغلاق ابوابها كما هو الحال في ​لبنان​ .

المشاكل المالية وضعف ​الاعلانات​ تغلق صحفا عالميا ولبنان يشهد على اغلاق ثالث صحيفة عريقة في اقل من عامين

تتفق الاراء على ان الاقبال على الصحف الورقية تراجع بشكل كبير في الاونة الاخيرة عما كان عليه الحال في الماضي القريب، بالاضافة الى ندرة ​الإعلانات​ التي كانت تغطي في الماضي معظم ميزانية هذه الصحف، فتربعت الاسباب المالية على عرش مسببات ضعف الصحافة الورقية ولكن لا ننسى تغير العادات وتبدل ميول القراء والابتعاد عن القراءة بالصورة التقليدية واللجوء الى وسائل التقنية الحديثة الكفيلة بالوصول الى الاخبار والمعلومات بشكل سريع وسهل بغض النظر عن مدى صدقية هذه المعلومات وصحتها، فلجأت بعض الصحف العالمية الى إلغاء نسخها الورقية بالكامل والصدور إلكترونياً، كصحيفة "​الإندبندنت​ " البريطانية على سبيل المثال، أو إغلاق أبوابها تماماً، كما حدث لمجلة "ويكلي ستاندارد" الأميركية.

اما في ​الدول العربية​ فوضع الصحافة الورقية ليست افضل حالا فلبنان شهد على اغلاق ثلاث صحف ورقية عريقة حافظت على صدور منتظم منذ عقود عدة بلا توقف رغم قسوة مجريات الحرب الأهلية فتوقفت "السفير" و "الأنوار" وتبعتهما هذا الشهر صحيفة "المستقبل" ولعل باقي الصحف مع الاسف تتجه الى المصير نفسه .

كما لبنان كذلك الدول العربية فصحف ​الاردن​ تواجه ايضا ازمات مالية وسيطرة المواقع الالكترونية على الساحة الاخبارية كذلك الامر في ​مصر​ و​العراق​ .

ولعل الصورة باتت متشابهة في جميع الدول العربية وواقع الصحف الورقية بات مقلقا بالفعل ويتطلب تدخلا سريعا من الجهات الفاعلة لتنظيم عمل الصحافة الالكترونية ودعم الصحف الورقية اذا ما كان هناك توجه فعلي للمحافظة على التاريخ العريق لهذا النوع من الوسائل الاعلامية، والتي وعلى الرغم من كل ذلك لا يزال الكثيرون يجدون صعوبة في التأقلم مع فكرة وجود التقنيات الحديثة كبديل للورقية على اعتبار انه جيل تفتّحَ على رائحة ورق الجرائد وتلونت أصابعه بحبر الكلمات فوق صفحاتها.

وفي استطلاع للراي اجراه موقع " الاقتصاد" حول عادات القراءة عند اللبنانين والتوجه للحصول على الاخبار والمعلومات اظهر ان فئة ​الشباب​ اكثر ميولا للوسائل التكنولوجية في الحصول على الخبر وان جزءا من هذه الفئة يحصلون على المعلومات والاخبار من مواقع التواصل الاجتماعي من دون التأكد من مدى صحة هذه المعلومات والاخبار والمصدر الذي يقف وراء هذه المعلومة وفي اغلب الاحيان لا تكن اكثر من شائعة، ومن هنا تاتي خطورة هذه الوسائل التي تعمد في الكثير من الاحيان على نشر ​الشائعات​ وتشويه بعض الحقائق ونشر معلومات مغلوطة وخاصة لفئة الشباب و​المراهقين​ الذين باتوا مصدرا لتلقي الاخبار وتصديقها من دون البحث عن مدى جد​​​​​​​​​​​​​​يتها وصدقيتها .

​​​​​​​

كما عبر بعض المواطنين اللبنانين عن حزنهم لاغلاق الصحف الورقية ابوابها الواحدة تلوى الاخرى مؤكدين على انهم يفضلون قراءة كل المواد الصحافية من الصحيفة الورقية، ويشعرون بأن هناك رابطاً عاطفياً بينهم وبينها، وأنه لا يستمتعون إلا إذا أحسوا بملمس ورقها، وتقليب صفحاتها، بينما الصحيفة الإلكترونية على حد تعبير هؤلاء ليس لها لون ولا طعم ولا رائحة ولا تتخذ شكلاً يظل متشبثاً بالذاكرة فترة طويلة.

كما اكدت هذه الشريحة لـ"الاقتصاد" على ان الصحافة الورقية في طريقها لان تصبح من الماضي مرجعين الاسباب الى الضائقة المالية التي يمر بها الاقتصاد ككل وليس فقط وسائل الاعلام، بالاضافة الى تخاذل الدولة عن تنظيم هذا القطاع ودعم الصحافة والاصدارات الورقية ولا ننسى التوجه العام للجيل الصاعد والشباب بالابتعاد عن القراءة التقليدية واللجوء الى الوسائل السريعة والحديثة في الحصول على المعلومات، كما تراجعت ايرادات الاعلانات فالشركات والجهات المعلنة باتت تعمد الى وضع اعلاناتها في المواقع الالكترونية لانها تعتبرها اكثر استقطابا وجدوى في الوصول الى المستهلك من الوسائل التقليدية .

كما اظهر الاستطلاع ان الفئات الاكثر شبابا والفئات العمرية الصغيرة تبتعد اكثر فاكثر عن القراءة وتتجه الى الوسائل الحديثة كما ان عادة القراءة باتت من التقاليد القديمة المتجهة الى الزوال وهنا تكمن مسؤولية الاهل والمدارس في اعادة غرس عادة القراءة في الاولاد والطلاب وجعلها عادة يومية، فاصبحنا امة لا تقرأ بل مجرد متلق بغض النظر عن المصدر.