بعد اكثر من 7 أشهر على تكليف الرئيس ​سعد الحريري​ لتشكيل حكومة جديدة بعد الإنتخابات النيابية، يدخل ​لبنان​ إلى عام 2019 بدون حكومة على الرغم من كل التحديات التي تنتظره في العام الجديد، حيث واجهت جهود التشكيل عقبات جديدة في الأسابيع الأخيرة بعد أن بدت الأزمة على وشك الحل. وتتصارع الأحزاب المتنافسة على عدد الحقائب الوزارية التي سيحوزها كل فصيل في الحكومة وعلى توزيع الحقائب الرئيسية.

وفي خضم هذه المشاكل، دعا عدد كبير من الخبراء الإقتصاديين والنواب، وعلى رأسهم النائب ​نعمة افرام​ والبطريرك بشارة بطرس الراعي، إلى تشكيل حكومة مصغّرة من الإختصاصيين، معتبرا أنه "ليس من الضروري أن تكون الحكومة صورة طبق الأصل عن المجلس النيابي، ونظراً لمخاطر المرحلة، يجب تشكيل حكومة إختصاصيين مُصَغّرة هدفها ترسيخ الثقة لدى اللبنانيين والمجتمع الدولي، خاصة لناحية الشفافيّة في إدارة أموال مؤتمر "سيدر".

ولكن هل فعلا تشكيل حكومة من الإختصاصيين أو حكومة تكنوقراط هو الحل ؟ وفي حال تم تشكيل هكذا حكومة هل ستتمكن من العمل دون ضغوطات من الاحزاب السياسية المسيطرة على السلطة ؟ وهل ستحصل على الثقة في المجلس النيابي ؟ وكيف بإمكانها إتخاذ القرارات المصيرية في الملفات الحساسة دون ان تصطدم بأحزاب السلطة ؟

في هذا السياق، إعتبر عميد كلية ادارة الاعمال في الجامعة الأنطونية البروفسور ​جورج نعمة​ في حديث لـ"الإقتصاد" أن "هناك صعوبة كبيرة لتشكيل حكومة تكنوقراط في لبنان، فالأحزاب الحاكمة والسلطة السياسية تسعى إلى تقاسم الحصص، وتفتعل كباشات سياسية لتكبير حجم الحكومة والحصول على الحصة المطلوبة، وبالتالي لا أعتقد أن هناك إمكانية لتشكيل حكومة تكنوقراط. وحتى لو إعتبرنا أن هذه الحكومة تشكّلت لسبب ما، فلن تتمكن من العمل ولا إتخاذ القرارات، فالحكومة مهمتها ليست فقط الملفات الإقتصادية والإجتماعية، بل هناك العديد من الملفات السياسية الأساسية أيضا، وكل هذه الاطراف المختلفة تحتاج إلى ضمانات في العديد من الملفات، وإلا فلن تسمح بإتخاذ أي قرار ولن تسهّل أي إجراء. ففي عام 2005 رأينا الصعوبات التي واجهتها حكومة الرئيس ميقاتي، والتي أطلقوا عليها لقب حكومة تكنوقراط – وهي فعليا ليست حكومة تكنوقراط – حيث لم تتمكن هذه الحكومة من إنجاز أي شيء".

وأضاف البروفسور نعمة "لا شك ان الإنقاذ اليوم لن يحصل إلا من خلال إختصاصيين ملمّين بالشأن الإقتصادي، وان يكونوا من خارج المشهد السياسي التقليدي الذي يعتمد على المحاصصة والصفقات وغيرها .. ولكن هذا الامر من الصعب جدا ان يتحقق في بلد مثل لبنان" .

وفي سؤالنا عن جدوى تشكيل حكومة تمثّل كل الاطراف في المجلس النيابي، وعن إمكانية محاسبتها ومساءلتها في حال كانت مصغّر عن هذا المجلس، قال نعمة "من إتفاق الطائف وحتى اليوم، مرّ على لبنان 17 حكومة و 17 بيان وزاري، ولم يتم سحب الثقة من اي حكومة، لان كل هذه الحكومات كانت تعكس صورة مصغّرة عن أعضاء المجلس، فمبدأ فصل السلطتين التنفيذية والتشريعية أمر غير متوفر في لبنان، والسلطة التشريعية هي من تستلم السلطة التنفيذية من خلال حكومة مصغّرة تمثل كافة الأطراف السياسيين الموجودين في المجلس. لذلك اعتقد اننا نعاني من مشكلة نظام، وتداعيات هذه المشكلة كبيرة جدا على الوضعين الإقتصادي والإجتماعي، مما يؤدي إلى غياب كلي لشبكة الأمان الإجتماعية التي تعتبر حق لكل مواطن، وللأسف شبكة الامان هذه غير متوفرة للمواطن اللبناني لا من خلال بنى تحتية جيدة، ولا من خلال خدمات عامة بالحد الادنى".

وإعتبر أن "السنوات الماضية كلها كانت عبارة عن تجارب فاشلة جداً، مما ادى لوصولنا إلى ما نحن عليه اليوم مع مخاطر عالية وغير مسبوقة، فنحن وصلنا إلى عجز موازنة تخطى الـ 10000 مليار ليرة، وهذا رقم خطير جدا لم نقترب منه سابقاً، أضافة إلى عجز ميزان مدفوعات يتخطى الـ 4 مليارات دولار. لذلك نحن اليوم أمام أزمة مالية، وبدأنا ندخل إلى ازمة نقدية أيضا. وإن لم نقم بتشكيل حكومة إنقاذية لتدارك الأمور، فنحن نسير نحو مخاطر عالية جدا في العام 2019".

وعن إمكانية تدارك الأمور في حال تشكيل حكومة في مطلع العام الجديد، أكد نعمة ان "هناك صعوبة كبيرة بحصول أي إصلاح جدي على المستوى الإداري والمالي، فتقاسم الحصص لن يوصلنا أبدا إلى إصلاح حقيقي. ولكن تشكيل حكومة قادر على إراحة الأسواق على المدى القصير، إلا أن حكومة مكسورة على اكثر من 10000 مليار ليرة في عام 2018، لن يكون لديها أي قدرة إلى إتخاذ إجراءات إنقاذية، فهي لا تمتلك أي إعتمادات للقيام بخطط او لتنفيذ مشاريع محددة. وما تستطيع فعله فقط هو المبادرة بتنفيذ مشاريع سيدر".

ولفت نعمة إلى انه "على الرغم من ربط قروض ومنح سيدر بإصلاحات، إلا أن الامور قد تسير كما سارت عليه في ​باريس​ 1 و 2، حيث أن الدول المانحة تعلّمت من السابق، وفرضت على ​القطاع العام​ اللبناني شراكة مع القطاع الخاص في كافة مشاريع سيدر، مما يثبت عدم ثقتهم بالقطاع العام اللبناني. وبالتالي نأمل أن تسير هذه المشاريع بالطريقة المخطط لها ... فنحن بعيدون جدا عن الإصلاح في ظل المحاصصة السياسية وفساد السلطة، والمطلوب اليوم ليس تحقيق المستحيلات، بل إنقاذ ما تبقى من هذا البلد. وهذا الإنقاذ لن يحصل إلا من خلال تشكيل حكومة بأسرع وقت ممكن، وحصر الخلافات داخل ​مجلس الوزراء​، والمضي قدما بإطلاق مشاريع سيدر من أجل إدخال عمولات أجنبية إلى البلد، مما سيريح القطاع المصرفي في سياسته النقدية، وسيعيد السيولة إلى السوق. فاليوم مع نهاية العام 2018 هناك فوائد عالية جدا، ساهمت بإفراغ السيولة من السوق، و​الدولار الأميركي​ لم يعد متوفرا كما السابق، والقروض بمعظمها اصبحت بالدولار وبفؤائد مرتفعة جدا، والحركة الإقتصادية والتجارية شبه معدومة في أخر عشرة أيام من العام، والتي تعتبر الدافع الأساسي لاول شهرين من العام القادم .. لذلك نحن في وضع دقيق ذو مخاطر عالية جدا، وتدارك الأمور يتطلب الكثير من الخطوات الجريئة، وهو أمر مستبعد للأسف .. ولكن يجب العمل بالحد الادنى على الأقل لكي نتفادى الهاوية على المدى القصير".