ساعات قليلة تفصلنا عن بداية السنة الجديدة، وها نحن اليوم نودع العام 2018، بتجاربه الفاشلة ووعوده الفارغة.

سنة كاملة مرّت علينا بحلوها ومرّها، بأفراحها وأحزانها، بخيباتها وآمالها،... وقد اختبرنا خلالها مختلف أنواع المشاعر، التي جاءت بغالبيتها سلبية؛ من الهدوء الى الانزعاج والغضب، مرورا بالخيبة والقلق واليأس والملل، ووصولا الى الخوف والعجز والإرتباك.

لكن الجو العام الذي كان سائدا طوال 365 يوما، يغلب عليه التوتر نتيجة ما يحصل على الساحة السياسية، الاقتصادية، والاجتماعية. فقد مرت البلاد بظروف صعبة وقاسية أثرت على مختلف المؤشرات، لتؤكد التقارير تراجع الاقتصاد الى مستويات مأساوية.

واليوم، تنتهي السنة دون حكومة ودون تحقيق العديد من المطالب. ولكن رغم التشاؤم المسيطر على الأجواء، سنستقبل العام الجديد 2019 بفرح وأمل، لأن الشعب اللبناني الجبار لن يتخلى أبدا عن صموده، والدليل أن الاضرابات ستبدأ منذ الأسبوع الأول، اذ انتشرت عبر مواقع التواصل الإجتماعي و"واتساب" دعوة الى إضراب عام يوم الجمعة في 4 كانون الثاني 2019، موجهة الى جميع اللبنانيين، من رجال أعمال، أصحاب مصارف، موظفين وأصحاب المهن الحرة.

ومن هنا، سينتهي العام كما بدأ منذ 365 يوما، مع أمنيات اللبنانيين بالتحسن ورغبتهم في تحقيق التغيير المنتظر الذي من شأنه أن يفرج عن أزماتهم. وكل آمالهم معلقة على ما تحمله السنة الجديدة من خير وبركة وانفراجات. كما أنهم يعولون على هذه الصفحة البيضاء، وما يمكن أن تحمله من مخارج للأزمات، علّها تكون أفضل من سابقاتها، وتغير واقعنا إلى الأفضل. فنحن نطمح للوصول الى غد يحمل الاستقرار والطمأنينة والبحبوحة والخيرات على الأصعدة كامة؛ وهنا تكمن المهمة الصعبة التي تنتظر البلاد خلال العام المقبل.

كان لـ"الاقتصاد" مقابلة خاصة مع ​الخبير الاقتصادي​ ومدير الأبحاث في "​بنك البحر المتوسط​"، د. ​​مازن سويد​، لتقييم حركة العجلة الاقتصادية خلال العام 2018، والتطلع نحو آفاق جديدة في العام المقبل:

- كيف تقيم الأوضاع الاقتصادية العامة في لبنان خلال العام 2018؟

في لبنان، يتلخص الوضع الاقتصادي بكلمة واحدة: "صامد". فقد تمكن الاقتصاد اللبناني من الصمود على الرغم من العديد من التحديات الضخمة التي تواجهه.

وهنا أعني بالصمود الوضع النقدي من ناحية استقرار سعر الصرف، وحركة المصارف بشكل أساسي.

ولكن الحالة الاقتصادية المتبقية سيئة للغاية، من ناحية الاستثمار، النمو، وفرص العمل، في حين أن الاستقرار النقدي لا يزال صامدا وحده.

وبالتالي، لكي لا يدفع هذا الاستقرار وحده ثمن الأوضاع القائمة، من خلال الفوائد المرتفعة التي نشهد عليها، يجب على الطبقة السياسية أن تسرع في تشكيل الحكومة، وتبدأ بالقيام بالاصلاحات لكي تتمكن من الاستفادة من أموال مؤتمر "سيدر" قبل أن نخسرها. وإلا سيكون العام 2019 أصعب بأشواط من العام 2018.

كيف كان أداء القطاع المصرفي بشكل خاص خلال هذه الفترة؟

القطاع المصرفي يدفع اليوم ثمن التلكؤ السياسي، والتخلف عن القيام بالاصلاحات، وذلك من خلال تدهور الثقة وبالتالي الاستعداد لرفع معدلات الفوائد. ومن هنا، عندما ترتفع الفوائد يغيب النمو بسبب نقص التسليف.

فالمصارف لن تتمكن من النمو والتطور، وتكبير حجم أصولها، بسبب غياب التسليف للقطاع الخاص.

هل هناك قلق كبير في العام المقبل على الأوضاع النقدية والمالية؟

لا قلق على الأوضاع النقدية، في حين أن القلق موجود وبكثرة على الأوضاع المالية، لأنه من الواضح أن أرقام 2018 من ناحية الانفاق، تفوق ما تم الموافقة عليه في الموازنة.

ماذا ينتظرنا في العام 2019 اذا بقي الوضع على ما هو عليه اليوم؟

ينتظرنا المزيد من الارتفاع بالفوائد، والمزيد من التقلص الاقتصادي، والمزيد من ارتفاع نسب البطالة والفقر.

وبرأيي، سنشهد على المزيد من الاحتجاجات الشعبية التي بدأت بالعودة الى الساحة مع نهاية العام 2018.

برأيك، ما هي أولويات العام الجديد؟ هل تقتصر على تشكيل الحكومة؟ وهل هناك أمور أساسية أخرى يجب التركيز عليها والاهتمام بها؟

تأليف الحكومة وحده لا يكفي، كما لا يمكن تأليف أي حكومة، بل يجب تشكيل حكومة إنقاذ اقتصادي بكل ما في الكلمة من معنى، وحكومة تقوم بإصلاحات "سيدر".

كيف تقيم العجلة الاقتصادية والاستهلاكية خلال فترة الأعياد؟ هل شهدنا على أي تحسن في الحركة؟

الحركة لم تتحسن على الاطلاق، وكل المؤشرات تدل على أن الـ2018 هي إحدى أسوأ الأعوام التي مرت على لبنان خلال السنوات العشر الماضية، على الأقل! ومن هنا، من المتوقع أن لا تتخطى نسبة النمو الـ1% و1.5%.

ما هو القطاع الأكثر تضررا خلال هذا العام؟

قطاع العقارات شهد على تراجع ملحوظ، لكن هذا الأمر لم يحصل للمرة الأولى في العام 2018، بل إن التراجع هو سيد الموقف خلال السنوات القليلة الماضية.

ولكن مجال البيع بالتجزئة تأذى وتضرر حتما، كما عانى من الكثير من الخسائر هذا العام، بسبب تراجع القدرة الشرائية للمواطنين؛ وهنا تكمن خطورة الأوضاع!

فالعقار يعد في خانة الاستثمار، ولكن حتى في ما يتعلق بالاستهلاك، نرى أن الناس "بلشوا يحسّوا بالسخن"، وتمنّعوا عن الشراء.