في مراحل متقطعة من العام ، تتخوف وكالات التصنيف الدولية من استمرار عبء الدين الحكومي في لبنان بالصعود الى مستويات مرتفعة حتى العام 2021، رغم ملاحظتها ان التدفق للودائع سيبقى كافياً لدعم العجز المزدوج الكبير خلال السنة المقبلة.

وتؤكد هذه المراجع الدولية على أنه لا يمكنها رفع تصنيفها الائتماني للبنان الا في حال أصبح اطار صنع السياسات في لبنان أكثر ثبوتاً وفعالية، ما يعزز ​النشاط الاقتصادي​ بشكل ملحوظ أكثر من توقعاتها الحالية ويحسّن انعدام التوازن ال​مالي​ والخارجي واستدامة المالية العامة.

عشية رحيل عام 2018 الذي يمكن اعتباره عام ​الركود الاقتصادي​ بامتياز بعد اقفال عدد كبير من المؤسسات وارتفاع نسبة ​البطالة​ اسئلة كثيرة حول قدرة الدولة على تأمين تمويل

خدمة الدين بشكل كبير؟ وحول استعداد ​القطاع الخاص​ المحلي على الإضافة الى موجوداته ؟وهل سيبقى الاعتماد على تدفقات ​الودائع​ المصرفية، بشكل خاص من غير المقيمين وأيضاً على التمويل من البنك المركزي؟

وفق المؤسسات المذكورة ، تسبب ضعف المؤسسات بعرقلة النتائج الاقتصادية واضعاف المالية العامة، كما يتبين من خلال العجز المالي الكبير ومستويات ​الدين العام​ العالية والمتنامية باستمرار.

وفي حال تيّسرت الامور وبان الفرج بتشكيل الحكومة المنتظرة منذ آيار الماضي ، هناك من يترقب انه من ضمن اولوياتها سيكون اللجوء إلى تطبيق الشق الإستثماري من مؤتمر سيدر، علما ان ​إستثمارات​ مشاريعه لن تُعطي مفعولها قبل عامين من تاريخ تنفيذها . وفي غضون ذلك، ستبقى الحكومة عاجزة عن ايجاد مصادر التمويل الكافي لسلسلة الرتب والرواتب التي فضحت صعف الحسابات وفراغ الاحتياطات في الموازنات المعدة .

ما هي ابرز المحطات المالية في العام 2019؟

وزني

يلفت الخبير المالي والاقتصادي الدكتور غازي وزني الى اننا امام سيناريوين مختلفين مطلع العام 2019:

الاول وهو مع تأليف الحكومة ، الحكومة الاصلاحية المنتجة والمنسجمة التي تتطلبها هذه المرحلة ، حيث هناك امكانية لتحسين ​الوضع الاقتصادي​ والمالي. وقريبا ثمة استحقاقات اهمها القمة الاقتصادية العربية التي ستنعقد في بيروت خلال شهر كانون الثاني المقبل ، المضي بمقررات مؤتمر سيدر ، بلورة خطة ​ماكنزي​ ، اطلاق تراخيص التنقيب عن ​النفط​ ومباشرة اعمال التنقيب... كلها تعطي صورة ايجابية للمستثمرين والمودعين . كما من شانها تحسين ​الوضع المالي​ وتخفيف ضغط المديونية رغم استمرار العجز ونمو الاقتصاد بشكل بطيء.

مع ولادة حكومة جديدةالارتياح سيخيّم على الاسواق النقدية ، والقلق سيتراجع .

وعن كابوس تمويل سلسلة الرتب والرواتب ، يذكر وزني ان هناك وعد ا بإجراء الاصلاحات اللازمة في المالية واتخاذالاجراءات الضرورية غير الشعبوية مثل رفع الدعم عن ​الكهرباء​ وزيادة التعرفة الى جانب بعض الاقتراحات الملحوظة في ​موازنة​ 2019.

من هنا ، يجب على القوى السياسية اتخاذ القرارات الصائبة لضبط العجز في المالية العامة . وثمة معلومات تفيد انه لمعالجة اوضاع الكهرباء هناك اتجاه جدي لتطبيق الخطة الاصلاحية ورفع التعرفة، واستعمال ​الغاز الطبيعي​ المسيل خصوصاً ان خطة ماكنزي لحظت خفض الدعم الى 600مليون دولار .

ويقول وزني " للاقتصاد " : لا يمكن اللجوء الى اي اجراءات ضريبية جديدة ، ولا بالتالي فرض اي رسوم على ​البنزين​ . اذا ً الإجراء الوحيد الفعال يقضي بخفض الدعم عن الكهرباء،

الى جانب تحسين الجباية ومكافحة الهدر و​الفساد​ حتى مع وجود حكومة جديدة ا وبدونها .

والسيناريو الثاني مع تعثّر تشكيل الحكومة العجز سيستمر، و​الانفاق​ سيتم وفق القاعدة الاثني عشرية . والدين العام سيتنامى بسرعة ، والاقتصاد سيكون الأسواء . وبدون حكومة لا مكان لاي استقرار نقدي ومالي ، كما ان سائر القطاعات الاقتصادية ستنهار .

القروض الاسكانية

وعن مصير القروض الاسكانية يوضح وزني ان الفوائد في ارتفاع مستمر ، وبغياب الحكومة سيكون المنحى خطيراً وسيؤثر على معدلات الفوائد . كما ان المخاطر الائتمانية ستزيد على الدولة . وبعد 5 اشهر ، وكالات التصنيف الدولية ستخفّض تصنيفها للبنان.

ولإعطاء القروض السكنية وغيرها ،​مصرف لبنان​ و​المصارف​ بحاجة الى ضخ اجواء سياسية ايجابية ، مطمئنة على الصعيد المالي والنقدي .

وثمة معلومات ان مصرف لبنان عنده رزمة جاهزة للقروض السكنية لعام 2019، ولكن بالتأكيد إطلاقها بانتظار الضوء الاخضر الايجابي الملائم .

ويقول وزني : اي انفراج سياسي من شأنه ضبط معدلات الفوائد . من المعلوم ان مصرف لبنان وجه تعميماً تستفيد بموجبه المصارف من تخفيض في الإحتياطي الإلزامي المودع لدى مصرف لبنان (الذي يمثل نسبة معينة من إلتزاماتها الناجمة عن الودائع والأموال المستقرضة يتم إيداعها لدى مصرف لبنان)، مقابل القروض الاسكانية دون الحاجة الى موافقة افرادية مسبقة على التخفيض مقابل كل قرض، طالما كان من ضمن السقف الإجمالي الموافق عليه سابقا.

باختصار، من الضروري تسريع تشكيل حكومة انقاذية تعيد الاستقرار السياسي والاقتصادي والنقدي .

وحول موضوع الاستحقاقات المالية للعام 2019 المتوجبة على الدولة ، يذكر وزني انها تناهز المليارين و650 مليون دولار . واول دفعة هي بحدود 500 مليون دولار واستحقاقها في نيسان ، والقسم الباقي في مراحل لاحقة من العام .

ويطمئن الى ان مصرف لبنان عنده الامكانيات اللازمة لتأمينها ، ولكن لوحده لا يستطيع الاستمرار في مواجهة الدفاع عن الاستقرار النقدي وتأمين حاجات الدولة .

للاسف امكانيات " المركزي " بدأت تستنفد من اجل تأمين الحماية لليرة والحفاظ على سعر صرفها . لذلك ، من الواجب ايجاد حكومة متجانسة جدية .

على مر تشكيل الحكومات السابقة، خرقت الانسجام في ما بين وزرائها الحسابات السياسية والحزبية التي طردت التكنوقراطيين والاخصائيين لتمكين الكيدية من فرض المشاريع او حتى إفشال بعضها . ورغم هذه التجارب سيبقى الامل في ان يدرك اهل السلطة اهمية الالتفاف حول ما هو خير لبنان بعيداً عن اي تعقيدات تدّمر اقتصاداً يستفيد منه الجميع ويؤمن صمود البلد.