إنتهت المبادرة الأخيرة لحل عقدة تمثيل "النواب السنة المستقلين" في الحكومة المنتظرة "بالفشل"، حيث تعطلت عجلة التشكيل من جديد في الامتار الاخيرة، وسط تبادل الاتهامات بين الأطراف بالمسؤولية عن التعطيل الحكومي.

ولم تسفر الساعات الأخيرة قبل بدء الرئيس الحريري إجازته التي يمكن أن تمتد إلى العام الجديد في حال لم يطرأ أي شيء مستجد على الملف، عن أي تطور، مما يشير إلى أن الوعود بتقديم الحكومة للبنانيين في فترة الاعياد كهديّة قد تبخّرت.

وبغض النظر عن الفريق المعطّل والمعرقل للتشكيل، إلا أن السلطة السياسية تفشل مرة أخرى في إعادة ولو جزء من الثقة للبنانيين بأنها قادرة على إنتشال البلد من محنته، خاصة أن تقاسم الحصص والحقائب الوزارية وقف المصالح الشخصية بات واضحاً لا لبس فيه. وما التحركات الشعبية امس في عدّة مناطق ومدن رئيسية وعلى رأسها العاصمة بيروت، إلا إنذار بقرب الإنفجار الإجتماعي، ودليل على أن الأوضاع الإقتصادية والمعيشية لم تعد تحتمل التأجيل، ولن تصبر طويلا على عناد الطبقة السياسية والاحزاب الحاكمة.

فهل ستفيدنا حكومة مشكلة من 32 وزيراً ؟ وكيف سيحاسب المجلس النيابي حكومة تشكّل نسخة مصغّرة عن المجلس نفسه ؟ وما الخطوات التي يمكن أن تتخذها حكومة الأمر الواقع في حال تم تشكيلها لحلحلة الملفات العالقة ؟ .. أسئلة كثيرة أجاب عنها مدير معهد المشرق للشؤون الإستراتيجية والإقتصادية د. ​سامي نادر​ في هذه المقابلة مع "الإقتصاد".

كيف تفسّر محاولة إرضاء الجميع في تشكيل الحكومة العتيدة ؟ وهل تقاسم الحصص وتشكيل حكومة من 32 وزيرا هو المطلوب في المرحلة المقبلة ؟

أثبتت التجربة في لبنان سابقاً بأن تشكيل حكومات بهذا الشكل هو أمر غير صحي، وأن هذه الحكومات غير قادرة على العمل بسهولة وعلى إتخاذ القرارات المطلوبة. فكيف يمكن إتخاذ قرارات في ملفات مصيرية بظل وجود عدد كبير من الاحزاب والتيارات التي تتبنى أراء مختلفة ومصالح مختلفة وتوجهات مختلفة.

فمبدأ الأكثرية والأقلية، والسلطة الحاكمة والمعارضة، التي وضعها علم المؤسسات والقوانين الدستورية، لم تأتِ من فراغ، فهذه هي الطريقة الوحيدة التي يمكن ان تسهّل آلية إتخاذ القرارات. فجلس النواب هو من يمثّل الجميع، ومهمته المراقبة والمحاسبة، ولكن الحكومات تتشكل من الاكثرية، ويتم محاسبتها على أدائها وقراراتها في مجلس النواب، فوجود معارضة هو أمر مهم وصحّي، ولها دور كبير في تصويب مسار الحكومة وضبط أدائها.

أكد رئيس النواب نبيه برّي الأسبوع الماضي أن مجلس النواب سيعقد جلسة شهرية للمحاسبة والمراقبة .. ولكن هل يمكن لمجلس النواب محاسبة حكومة تعتبر نسخة مصغّرة عن المجلس نفسه ؟

لا شك ان هذا الامر غير منطقي، فتحويل مجلس الوزراء إلى مجلس نواب مصغّر يلغي دور مجلس النواب في المحاسبة والمراقبة، فمَن سيحاسب مَن ؟

هذه الخطوة وهذا التوجه يضرب منطق المؤسسات، وينسف ما ذكرناه سابقا حول مبدأ الاكثرية والأقلية، والسلطة والمعارضة. حكومات الوحدة الوطنية التي تضم كافة الاطراف يتم تشكيلها فقط في حالات إستثنائية، فإذا كان البلد مثلا في حالة حرب، فهو بحاجة إلى حكومة وحدة وطنية تتمثل فيها كافة الأطراف، لكي يتحمل الجميع مسؤولياته.

ولكن في وضعنا الإقتصادي والإجتماعي الراهن، نحن نحتاج إلى حكومة لديها رؤية وهدف وخطة إقتصادية واضحة، ونحتاج لمجلس وزراء يتمتع بالمهارة والخبرة في المجال الإقتصادي، لذلك الحاجة اليوم هي لحكومة تكنوقراط مصغّرة، يكون همها وهدفها الأساسي تطبيق خطة إقتصادية واضحة لإنتشال البلد من محنته، والسير به إلى برّ الامان.

لا شك ان حكومة موسعة تشمل جميع الأطراف هي امر واقع رغم التعطيل الذي طرأ في الساعات الأخيرة .. فما الخطوات التي يمكن للحكومة العتيدة إتخاذها في ظل هذه الظروف الصعبة ؟

أكرر بأن إتخاذ القرارات في حكومة تمثل كل الاطراف سيكون صعب للغاية، ولكن هناك ملف تم التركيز عليه كثيرا في مؤتمر "سيدر"، وهو ملف الكهرباء، ونحن بأمسّ الحاجة للبدء بإصلاح جدي في هذا القطاع.

في مؤتمر "سيدر" تم تخصيص مبلغ إجمالي يصل إلى 11.8 مليار دولار للبنان، سيذهب 10 مليارات منهم إلى مشاريع البنى التحتية، و3 مليارات من هذه المليارات الـ 10 مخصصة لقطاع الكهرباء. وفي البيان الختامي للمؤتمر تم التشديد على هذه النقطة، وعاد وذكّر بها السفير الفرنسي في 14 تموز الماضي. فإذا كان لدينا نيّة جديّة للإصلاح، هناك طرحان مقدمان من شركتي "سيمنس" و "جينرال إلكتريك"، كما ان الاموال ستكون مؤمنة، وبالتالي ليس هناك أي سبب لعدم البدء بهذا الملف.

والإصلاح في قطاع الكهرباء لا يوفر فقط على الدولة جزء كبير من النفقات ويقلص من العجز، بل يعيد الحياة مجددا للقطاع الخاص، ويرفع من نسبة الإستثمارات، ويفعّل من دور القطاع الخاص كقاطرة للإقتصاد الوطني.

من جهة أخرى يجب العمل تخفيض وترشيد النفقات، والبدء بالإصلاح في القطاع العام الذي يعاني من تخمة كبير جدا من الموظفين، بالإضافة أنظمة التقاعد وغيرها من النقاط الأخرى التي تخطّت كل الحدود المنطقية.