ايام قليلة تفصلنا عن نهاية العام 2018، عام كان مليء بالاحداث الاقتصادية التي اخذت حيزا كبيرا من الاهتمام العالمي، ولعل الحرب التجارية بين ​الولايات المتحدة​ و​الصين​ كان الحدث الملك هذا العام والتي كان لها تأثير كبير على الاسواق، حيث واصل ​الاقتصاد الأمريكي​ أداءه القوي مدفوعاً بتدابير تحفيزية، ولكن المشهد كان متغايرا في الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم فكان الوضع متدهوراً من وراء الإجراءات التجارية، حيث عانت بكين في العام الجاري من تعريفات جمركية على منتجات تصدرها للولايات المتحدة بقيمة 250 مليار دولار، كما لا تزال تعاني من أزمتها الكبرى والمتمثلة في الديون، فالنمو الصيني في 2018 كان الأضعف خلال 28 عاما، والحال لم يكن افضل في ​الاسواق الناشئة​ حيث عانت من أزمات متلاحقة، مثل ​تركيا​ التي شهدت تهاوي عملتها لأدنى مستوى في تاريخها ووصول معدل ​التضخم​ لأعلى مستوى في 15 عاماً، كما انخرطت الأرجنتين في أزمة انهيار العملة ولمستوى متدني قياسي، ما دفع المركزي لزيادة معدل الفائدة عند مستوى 60%.

اما بالنسبة للقارة العجوز فعصفت بها الكثير من المشاكل وعلى الرغم من التأكيد على أن ​منطقة اليورو​ مستمرة في النمو فإن الأرقام نفت صحة ذلك، فمن ايطاليا الى ​فرنسا​ الى موضوع "البريكسيت" في ​بريطانيا​ مشاكل سياسية واقتصادية كثيرة عصفت بهذا التكتل ولا ننسى ايضا الاداء السيئ للعملات الرقمية حيث فقدت "البيتكوين" حوالي 80% من قيمتها .

كل هذه الامور وغيرها حملها موقع "الاقتصاد" الى المحلل المالي ومدير التدريب والتطوير في شركة "أمانة كابيتال " في ​دبي​ الاستاذ وليد الحلو والذي بدوره اطلعنا ايضا على توقعاته للعام 2019 للاقتصاد العالمي ولاداء ​العملات​ الرقمية وتوجهات الاسواق والمعادن و​النفط​.

العملات الرقمية:

سنة 2018 سنة سيئة على "البيتكوين" خسارة حوالي 80% من قيمته برايك ما هي أسباب هذا التراجع؟

السبب الحقيقي هو ان العملات الرقمية نجحت في ان تتوسع في الكم وليس في الكيف فالتحديات التي انتظرناها في العام 2018 ان تتحقق مثل الانتشار وسهولة الانتقاء والحماية والتشريعات كل هذه الامور لم تحدث بصورة كبيرة .

والتراجع الكارثي الذي حصل لـ"البتكوين" جاء ايضا بسبب الانقسام الذي حصل بين المطورين وخاصة الانقسام الاخير الكبير الذي قلل من ثقة الاسواق في هذا المجال.

كما كان من المتوقع ان نشهد في العام 2018 تراجعا اقتصاديا في اميركا حيث ان اجتماع ​السياسة النقدية​ الاخير لعام 2017 خفض التوقعات لكن اداء الاقتصاد فاق بصورة كبيرة هذه التوقعات مما ادى الى تراجع فرضية وقوع ازمة اقتصادية في العام 2018 وبالتالي لا داعي للتحوط مما اثر سلبا على ​الذهب​ حيث شهدت الاسعار مستويات لم تكن جيدة وايضا العملات الرقمية لم تكن لديها قابلية بان تكون واحد من الرهانات وكان هذا كان تحد كبير لهذه العملات والى الان لا اتوقع ان يكون هناك بوادر للتحسن .

وكيف تتوقع ان يكون اداء هذه العملات في العام 2019؟

بالنسبة لاداء العملات الرقمية في العام 2019 من المتوقع ان تكون سنة صعبة نظرا الى ان هذا العام تحاول الاقتصادات ان تقلل التحفيز كما شهدنا في ​الاقتصاد الاوروبي​، مع العلم ان الوقت الحالي ليس جيدا نظرا الى ان الارقام الاقتصادية الخاصة بالاقتصاد العالمي متراجعة جدا وخاصة عند الحديث عن الصين حيث يشهد مؤشر انفاق المستهلكين عند ادنى مستوياته منذ حوالي 15 سنة ، وكل هذا يشير الى وجود ضغوطات كثيرة على مستقبل الاقتصاد العالمي من ناحية النمو، كما خفض ​صندوق النقد الدولي​ توقعاته للعام القادم و​البنوك المركزية​ تحاول تقليل حجم مشترياتها بصورة كبيرة .

كما ان الاقتصاد الاوروبي هو عند مستويات نمو جدا ضعيفة لم ينجح في تحقيق اهداف التضخم عند مستويات 2% واوقف هذا الشهر ايضا برنامج التحفيز وكان الحديث عن اعادة استثمار فقط 2.6 ترليون يورو خلال هذه الفترة وهذا يدفعنا الى القول الى ان هذا العام سيكون هناك نوع من انواع التباطؤ الاقتصادي واقلهم سيكون في الولايات المتحدة واكثره سيكون في الاقتصاديات الناشئة .

الاقتصاد العالمي:

- ما هي ابرز الأحداث الاقتصادية العالمية والعربية والتي اثرت على الأسواق برايك ؟ وعلى اسعار المعادن؟

من اكثر الامور الاقتصادية اهمية في العام 2018 كانت الحرب التجارية التي كان لها دور كبير في الضغط على الاسواق وان تعزز من المخاوف الموجودة وان تنقز الذهب من التدوال عند مستويات منخفضة التي من الممكن كانت ان تصل الى ما دون الـ 1000 دولار، وذلك بسبب سياسة الحمائية الذي اعتمدها ترامب ، وعلى الرغم من اتفاق الهدنة بين واشنطن والصين الا انه وحتى الان لا يوجد خطوات واضحة في هذا الاطار ، ومن المتوقع ان تكون هناك اجتماعات في بداية العام القادم ولكن الهدنة لا تعني نهاية الحرب التجارية بصورة كبيرة انما الحرب موجودة ولا نعرف متى ستنتهي، وهذه الازمة اثرت على ​الاسواق العالمية​ في العام 2018.

كما شهدنا هذا العام تراجعات في الاسواق الناشئة والمخاطر التي رايناها سواء في ​البرازيل​ او تركيا او الصين مع اختلاف الاسباب والحجم ما بين هذه الاقتصاديات لكن يمكننا القول ان ​الفيدرالي​ الاميركي وضع برنامج للتحفيز النقدي هذا البرنامج مع فوائد جدا منخفضة جعل من الدولار عند مستويات متدنية فاصبح متاحا وبتكلفة زهيدة.

ومن المتوقع ان يخفض الفيدرالي في العام 2019 من حجم السندات والسيولة بحدود الترليون دولار اميركي .

- وحول أسعار النفط هل سنشهد المزيد من التراجع في العام 2019؟

النفط هو مراة الاقتصاد وهذه المراة هي الطلب العالمي التي تعني بدورها الصين وكلما كانت الارقام الاقتصادية متراجعة في الصين يمكننا القول ان الطلب العالمي على ​البترول​ منخفض .

وامر ايجابي جدا الذي حصل في اتفاق خفض الانتاج 1.2 مليون برميل واعتقد ان هذا الاجراء هو الذي حافظ على تماسك اسعار البترول عند هذه المستويات، وانا لا اتوقع ان يزيد الطلب بشكل كبير خلال الفترة القادمة ولكن الفكرة ان استقرار الاسعار عند المستويات الحالية اي عند حوال ال 50 دولار بالنسبة لخام غرب تكساس هي مستويات جيدة وحتى الان هي التي منعت النفط من الانخفاض .

ولكن لو كان الخفض اكبر حوالي 1.5 مليون برميل كان هذا الامر سيكون وقعه افضل على الاقتصاد الاميريكي مع تراجع الطلب العالمي، حيث يشكل البترول الصخري اكبر خطر على النفط لان انتاجه في الولايات المتحدة كبير جدا وبدأ بعملية التصدير بسبب الفائض في الانتاج لتتحول واشنطن بذلك الى اكبر منتج .

والولايات المتحدة لم تكن لها تاثير في هذا المجال نظرا الى ان كانت تستهلك النفط المنتج وتستورد كميات قليلة ولكن الان اصبحت تصدر كميات قليلة بالاضافة الى نشاط البترول الصخري الذي بات يشكل 10% من انتاج البترول وايضا هذا من المخاطر الذي سنراها في العام 2019 نظرا الى ان واشنطن ليست عضوا في منظمة "اوبك " ولا تتفاوض مع المنتجين وهذا من شأن اي يجعل البترول الاميركي مصدر خطر خصوصا انه من الممكن ان يلجأ الى بيع كميات مضاعفة من البترول لتغطية عجز ​الموازنة​ في العام القادم حيث من المتوقع ان تقترض حوالي 1 ترليون دولار خلال هذا العام وهذا سبب الخلاف مع الفيدرالي الاميركي.

- على الصعيد الاوروبي:

برايك وبناء على المستجات هل ستتم عملية البريكيست ؟ وكيف ستتأثر بريطانيا والاتحاد الأوروبي من هذا الانفصال ؟

البريكست كانت من الملفات الشائكة جدا خلال العام 2018 خصوصا ​المفاوضات​ الكثيرة وحل ازمة ​ايرلندا​ الشمالية وخصوصا الاتفاق النهائي الذي تم بين تيريزا ماي و ​الاتحاد الاوروبي​ والذي يعتبر افضل اتفاق تمكنت ماي من الوصول اليه ولكن للاسف لم يلاقي قبولا حتى الان فعمدت الاخيرة الى ارجاء التصويت الذي كان من المتوقع ان تفشل به الى 14 كانون الثاني المقبل لغاية حصولها على ضمانات سياسية وقانونية بخصوص فترة خروج بلادها من الاتحاد الاوروبي او يكون "الباك ستوب " وهناك سناريوهات كثيرة في هذا الموضوع ابرزهم ان لا يتوصل الاقتصاد البريطاني الى اتفاق وهذا الامر مرجح كثيرا وسيعد كارثة من الممكن ان تتعرض لها بريطانيا .

واتوقع ان لا تكون المفاوضات سهلة كما هناك طرح وهو اجراء استفتاء اخر على خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي ولكن سيكون له تاثير سلبي نظرا الى ان يتطلب وقتا مما يعني تخطي الوقت المقرر وهو 30 ايار وبرأي ان كل هذه السناريوهات كارثية على بريطانيا ولكن السناريو الافضل لبريطانيا هو الموافقة على اتفاق ماي على الرغم من انه ليس افضل اتفاق لكن من شأنه ان يحافظ على الاستقرار بصورة كبيرة والتي تحاول ان تحشد له ماي هذه الفترة .

- على ضوء المشاكل الذي يعاني منها الاتحاد الأوروبي من اليونان الى بريطانيا وصولا الى ​إيطاليا​ برايك هل بدأت مرحلة انهيار الاتحاد الأوروبي وكيف ترى مستقبل هذا الاتحاد ؟

من الصعب الحديث عن انهيار ولكن يمكننا القول ان الاتحاد الاوروبي تجربة لم تنجح بصورة كبيرة في دعم الاقتصاديات فعند الحديث عن النمو من العام 2000 لغاية اليوم بلغ متوسط النمو 0 في ايطاليا واعلى نمو شهدته ​المانيا​ بمتوسط 1.5% وهذه ارقام ضعيفة جدا .

فالاتحاد الاوروبي قوي من الداخل لكنه لديه تحديات كثيرة منها التيرات اليسارية والانفصالية مثل حزب الخمس نجوم في ايطاليا واحزاب اخرى موجودة ، ويمكننا القول ان هذه الصورة الموجودة من التراجع والضغط الاقتصادي والسياسي تزيد من قوة الاتحاد الاوروبي ونضجه.

وفي الفترة القادمة سنشهد الانتخابات الخاصة بالاتحاد الاوروبي والمقررة في ايار القادم والتي تعتبر مهمة جدا لانها ستزيد من تمثيل التيارات اليسارية وغالبا ما سيزيد من النزاعات في ​البرلمان الاوروبي​ وخصوصا في الجانب الايطالي ، وفرنسا التي تواجه ضغوطا اقتصادية بعد الاضطرابات التي عرفت بـ"السترات الصفراء"التي اجبرت ماكرون على زيادة العجز في الموازنة الى 3.4% وهذا من اكبر الارقام التي وصلت اليها ​باريس​ الذي يعترها الايطاليين الفتى المدلل للاتحاد الاوروبي.

ورفض الاتحاد الاوروبي الموازنة الخاصة بايطاليا التي سجلت عجز 2.4% وكان من المتوقع ان يتم فرض عقوبات على ايطاليا ولكن ما حدث في فرنسا من شأنه ان يخفف الضغط على ​روما​ التي تواجه مشكلة تراجع الاقتصاد وقطاع بنكي هش مكشوف على البنوك التركية ولكن هناك ثقة من الشعب بالثلاثي الذي يقود البلاد .