رغم كل الانتقادات والتحاليل والمواقف التي سبقت ورافقت خطة ​ماكنزي​ الشهيرة هذا العام ، فإن توصياتها لم تغفل دراسة، وبشكل معمق تحديات وامكانات قطاعات منتجة رئيسية هي ​الموارد الطبيعية​ والزراعة و​الصناعة​ و​السياحة​ واقتصاديات المعرفة و​الخدمات المالية​ والتعليم و​الرعاية الصحية​...

كما تبحث الدراسة بشكل معمّق في ​القطاعات الانتاجية​ الاكثر تأثيرا على خلق فرص العمل، ومنها في الصناعة: تركيز الجهود على اربعة قطاعات صناعية ذات اولوية: تصنيع الاغذية والمنتجات التي تعتمد على قدرات التسويق على غرار العطور ومستخدمات التجميل وغيرها...، قطاع الادوية، وانظمة البناء الحديثة(اي الابنية المسبقة الصنع)، انشاء اربع مجمّعات صناعية تتوفر فيها امكانيات التنافس على المستوى الاقليمي من ​بنى تحتية​ وخدمات ​مساندة​.

من جهته ، يعتبر ​البنك الدولي​ أنّ مشاريع "سيدر1" والإصلاحات المنصوص عليها، هي خطّة على الأمد القصير لمواجهة التحدّيات المُتزايدة.

وهذا الأمر يعني أنّ على الحكومة وضع خطّة إقتصادية يكون عمادها إعادة هيكلة الإقتصاد لصالح القطاعين الصناعي والزراعي مع مكانة خاصة للقطاع الرقمي، الذي أثبت قدرة نمو في ظل أصعب الظروف.

وفي الواقع ان الصناعة ال​لبنان​ية جاهزة لتكون الرافد الحقيقي للاقتصاد المنهار ، وهي تحتضن كل المقدرات والطاقات اللازمة ولكنها بحاجة للاهتمام اللازم وتوفير كل الحوافز المطلوبة لتمكينها من النهوض والتطور والازدهار.

ووفق دراسة اليونيدو ان كل مصنع قادر على تشغيل ما لايقل عن 11مصنعاً، وبالتالي ، وكل وظيفة في القطاع الصناعي قادرة على خلق 2.2 وظيفة في قطاعات أخرى.

الجميل

ما هي التحديات التي سيواجهها القطاع الصناعي في العام 2019 ؟

رئيس ​جمعية الصناعيين​ اللبنانيين الدكتور ​فادي الجميل​ يؤكد مجددا على امكانيات وطاقات القطاع التي لم تتم الاستفادة منها بكاملها . وهو بإمكانه ان يستعيد دوره وحجم الصادرات التي كان عليها سابقا رغم الظروف التشغيلية الصعبة التي يمر بها.

ولفت الى سلسلة اجراءات تمت في العام 2018 وسيعمل على متابعتها في العام المقبل ولاسيما منها مع المجموعة ​الاوروبي​ة ولاسيما البنك الاوروبي لإعادة الاعمار والتنمية EBRD من اجل توفير الدعم التقني والمساعدات المالية للقطاعات الصناعية. كما هناك إجراءات شملت صناعة المفروشات والالبسة الجاهزة.

ويقول الدكتور الجميل "للاقتصاد" :هناك امور كثيرة مازالت الصناعة بحاجة اليها ومنها دعم الدولة ، إعادة النظر باكلاف ​الطاقة​ ، برسوم الشحن ، بوضع حد للمنافسة غير الشرعية وبالتأكيد بتسريع تشكيل الحكومة .

القطاع الصناعي يؤكد مجدداً انه قادر . ولكنه يشكو من مشاكل لا علاقة له بها .

ورغم كل هذه التحديات لا يجب ان ننسى ان الصناعة اللبنانية تعمل اليوم في العالم ، وليس فقط في بلدان ​افريقيا​ والبلاد العربية وانما في الاميركيتين وفي ​اوروبا​. وهي مرتبطة بصناعيين جدد.

الصناعة هي الدينامو للقطاعات الاخرى . وهي تشغّل قطاعات أخرى مثل ​المصارف​، ​التأمين​، الخدمات، تجار التسويق وتجار المواد الاولية وهي حركة متكاملة.

ويشير الجميل الى ان دراسة ماكنزي التي تم الاطلاع على عناوينها في ​المجلس الاقتصادي​ تلحظ التركيز على القطاعات المنتجة ومنها الصناعة وتقديم الدعم اللازم لها .

ويتابع الجميل : هناك 840 مؤسسة صناعية اليوم تلتزم الصمود بدون اي لفتة حتى من الدولة فكيف سيكون الوضع لو تمت المساعدة باكلاف الشحن وفتح الحدود امام الصادرات ، تخفيف كلفة الطاقة ، التصدي للإغراق في الاسواق وغير ذلك...الوقت يمر ونحن بانتظار الدعم المطلوب.

العام 2018 كان صعباً في معظم القطاعات الصناعية . وفي الشهرين الاخيرين، حقق بعض الصناعات كالكيمياويات ارتفاعاً في الصادرات بعد فتح الاسواق امامها ، الا ان هذا الأمر لا ينطبق على الصناعات الأخرى خصوصا ً صناعة ​المواد الغذائية​ التي يعتمد عليها في حجم الصادرات.

ويقول الجميل: نحن كصناعيين لانحب النعي و​الشكوى​ ، ولكننا نريد التركيز على قدراتنا. واذا كان ​الوضع الاقتصادي​ قد سجل تراجعاً فهذا لا يعني انه لا توجد خربطات .

لا ننسى ابدا ان قيمة الموجودات في لبنان هي 240 مليار دولار. وهو يمتلك طاقات محلية واغترابية . ولكن في المقابل ، حجم الاقتصاد هو 52 مليار دولار اي ان حصة الفرد لا تتعدى ال 10الآف دولار . وهو رقم متدن قياساً على ما هو عليه حتى في البلدان غير النفطية المحيطة.

وعن اتفاقية التيسير العربية التي لا تأتي دائما ً لصالح الصناعة اللبنانية يلفت الجميل الى ان هذا الموضوع بعهدة وزارة الاقتصاد التي تراقب انسياب السلع . ويقول : تأملنا خيراً مؤخرا بعد إعادة فتح معبر النصيب ولكن فوجئنا بتدبير زيادة ​الرسوم الجمركية​.

اين المعاملة بالمثل

في مطلق الاحوال، الصناعة اللبنانية التي تنشد خطة اقتصادية اجتماعية إصلاحية متكاملة تصبو الى تطبيق المعاملة بالمثل.

فتفعيل الصناعة في السوق الداخلية أمر ملّح عبر منع الاغراق الذي يقدر بــ 2 مليار دولار وذلك بواسطة قرارات جريئة قد تخلق فرص عمل تناهز 128 الف. وعليه فان المردود سيرفع الناتج الوطني الى 53 مليار وهذا يعني ايضا تخفيض ​الدين العام​ بالنسبة الى الناتج.

لطالما طالبت جمعية الصناعيين اللبنانين انطلاقا من عدة منابر بإجراء مفاوضات جدية مع الشركاء التجاريين الاساسيين الذين يتم ال​استيراد​ منهم بمليارات الدولارات مقابل التصدير اليهم بعشرات الملايين، لاعطاء المنتجات الوطنية الأفضلية لزيادة حجم الصادرات الى اسواقهم.

كما دعت الى إجراء مفاوضات مع الدول الصديقة التي ترتبط بلبنان باتفاقيات تجارية وكذلك علاقات تجارية قوية، لجهة تنفيذ كل مقتضيات هذه الاتفاقيات وعدم الاستنسابية التي تحرم الصناعة الكثير من الميزات التجارية التي تتضمنها هذه الاتفاقيات.

وهذ لا يعفي الدولة من القيام بمهامها فورا وإقفال كل المصانع غير الشرعية التي انشأها النازحون السوريون في كل المناطق اللبنانية.

يضاف الى هذه الاجراءات مطالبة المنظمات الدولية وكل الجهات التي توفر الامدادات للنازحين السوريين إعطاء الاولوية في مشترياتها للمنتجات اللبنانية، بدلا من استيراد معظم هذه السلع من الخارج.