يستغرب من يقرأ مقررات قمة ​مجلس التعاون الخليجي​ المنعقدة في ​الرياض​ امس الاحد ، اذ جدد القادة الخليجيون الحاضرون الالتزام في المجال الاقتصادي بتحقيق الوحدة الاقتصادية بين دول المجلس بحلول عام 2025 على أن يتم العمل بالبرامج الزمنية التي تم إقرارها لاستكمال خطوات التكامل الاقتصادي اولا ، والتطبيق الشامل لبنود الاتفاقية الاقتصادية ثانيا، وإزالة كافة العقبات والصعوبات التي تواجه تنفيذ قرارات العمل المشترك ثالثا، وعلى وجه الخصوص تذليل العقبات في طريق استكمال متطلبات السوق الخليجية المشتركة و​الاتحاد الجمركي​، وصولا الى الوحدة المنشودة .

وجه الغرابة في أن مجلس التعاون يعيش أزمة مصيرية تهدد وجوده ، وتتمثل في حالة العداء والمقاطعة والحصار القائمة بين ثلاث من دوله وهي ​السعودية​ و​الامارات​ و​البحرين​ ، وبين العضو الرابع اي دولة قطر، في حين تقف ​الكويت​ وسلطنة عمان على الحياد . فكيف يمكن السير بالمشاريع الطموحة ل​دول الخليج​ الست في هذه الظروف.

وقد تظهرت الازمة مجددا من خلال التمثيل الهزيل لقطر في القمة عبر وزير دولة ، ما يعني فعليا المقاطعة ، وذلك ردا على ارسال الدول الثلاث المذكورة وزراء دولة الى القمة السابقة في الكويت ، وذلك تجنبا لنقاش الازمة اياها ، فالمعروف ان دولة الكويت تقود وساطة في هذا الشأن .

لم تنفع الدعوة التي وجهها الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز لامير قطر تميم بن حمد آل ثاني للحضور ، في وقت تزداد المخاوف من انسحاب الدوحة من مجلس التعاون الخليجي ، بعد انسحابها من منظمة الدول المصدرة للنفط "​أوبك​ " ، املا بالتحرر من املاءاتها .

واذا اعتمدت قطر المبدأ نفسه ، وكذلك المبررات لترك "اوبك" ، بالقول إن "المنظمة أصبحت عديمة الفائدة ولا تضيف لنا شيء، وتستخدم فقط لأغراض تضر بمصلحتنا الوطنية"، (وفقا لرئيس الوزراء القطري الأسبق حمد بن جاسم)، فإن ذلك يبدو مضاعفا في حال مجلس التعاون الخليجي، لا سيما أنه يضم بين أعضائه دول تحاصرها بشكل محكم وتناصبها العداء السياسي.

ولم تقدم قمة الرياض اي جديد بشان الازمة مع قطر ، بل اكتفت ببيان عمومي جاء فيه : "اكد قادة دول المجلس حرصهم على الحفاظ على قوة وتماسك ومنعة مجلس التعاون، ووحدة الصف بين أعضائه، لما يربط بينها من علاقات خاصة وسمات مشتركة أساسها العقيدة الإسلامية والثقافة العربية، والتاريخ العريق والمصير المشترك ووحدة الهدف التي تجمعها وتربط بين أبنائها".

وهذا ما انتقدته صراحة وزارة الخارجية القطرية التي سألت: "ما سبب عدم مناقشة القمة للأزمة الخليجية؟ وما هذا البيان الختامي الذي لم يناقش حصار قطر وسبل معالجته؟على من تضحكون كفاكم هذا التسطيح والقفز على المشكلات الحقيقية التي يعاني منها هذا المجلس".

وفي هذا الاطار نقلت وكالة بلومبيرغ عن خبراء اميركيين مطلعين قولهم ، إن القرار المُفاجئ بالانسحاب من "أوبك"، كانللتمهيدللانسحاب من مجلس التعاون الخليجي.واشاروا الى ان ما يشجع قطر على ذلك هو تجاوزها كل الآثار السلبية تقريبا التي احدثها الحصار ، فققد نجا ​الاقتصاد القطري​ بالفعل من السقوط ، وهو اليوم يشهد انتعاشا ملحوظا .

وتعتبر قطر ان دول الحصار خرقت النظام الأساسي لمجلس التعاون الخليجي ، لا بل اسقطته بالضربة القاضية ، وحاولت اخراجها من المجلس ، ولكنها فشلت .

وتتذرع الدوحة بما ورد في النظام الاساسي الذي يلخص أهداف المجلس بتحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين الدول الأعضاء في جميع الميادين وصولا إلى وحدتها، وذلك إلى جانب توثيق الروابط بين شعوبها.

كما يشير النظام الأساسي كذلك إلى أن التنظيم يهدف أيضا إلى "وضع أنظمة متماثلة" في مختلف الميادين الاقتصادية والمالية، والتجارية والجمارك والمواصلات، بالإضافة إلى الشؤون التعليمية والثقافية، والاجتماعية والصحية، والإعلامية والسياحية، والتشريعية، والإدارية.

واذا استعرضنا الاجراءات التي اتخذتها السعودية والامارات والبحرين (ومعها ​مصر​) ضد قطر بهدف عزلها ، يتبين سبب الغضب القطري ، وهذه الاجراءات هي:

- قطع فوري للعلاقات الدبلوماسية مع قطر.

- اغلاق المجالات الجوية للدول الاربع امام رحلات ​الخطوط الجوية القطرية​ واغلاق كافة المنافذ البحرية والبرية والجوية مع هذه الدولة .

- اغلاق الحدود البرية السعودية مع قطر، ومنع العبور في الأراضي والأجواء والمياه الإقليمية السعودية. كما قررت الامارات والبحرين ومصر اغلاق كافة المنافذ البحرية والجوية أمام الحركة القادمة والمغادرة إلى قطر.

- منع رعايا ​الدول الخليجية​ الثلاث من التوجه الى قطر.

- الطلب من رعايا قطر، المقيمون والزائرون في الدول الخليجية الثلاث، مغادرة اراضيها في مهلة 14 يوما.

وكل هذه الاجراءات تخالف النظام الاساسي والاتفاقيات الموقعة بين الدول الست (السعودية والبحرين والامارات والكويت وسلطنة عمان وقطر) ، التي يتألف منها المجلس.

انفراط عقد المجلس

ثمة احتمال جدي لخروج قطر من مجلس التعاون الخليجي لاسباب سياسية بحتة ، تتعلق برغبة الدوحة بالتحرر من نفوذ السعودية . وما يشجع على ذلك ان وجود المجلس كان له ثقل سياسي إقليمي إيجابي، أما من الناحية الاقتصادية فوجوده وعدمه سواء، فلا مزايا نسبية أو تنافسية لأية دولة منه على أخرى.

من الناحية الاقتصادية البحت المجلس لا يقدم شيئًا، فحجم التجارة البينية محدود جدًا، ومعظم الاستثمارات الخليجية في الخارج، وكل ما يقدمه اقتصاديًّا هو التشاور في المجال النفطي، وكذلك إمدادات الغاز، وقد انسحبت قطر من اوبك تحديدا لانها لا تعول على النفط الا قليلا ، وتريد الاحتفاظ لنفسها بقرار التحكم بالغاز .

كما ان حصار قطرأحدث شرخًا، ليس فقط في المشروعات الاقتصادية الخليجية، وكذلك وحدة المجلس نفسه خاصة مع رفض دولتين هما الكويت وسلطنة عمان المشاركة في الحصار اقتصاديًّا ودبلوماسيًّا.

ومن شأن انسحاب قطر ان يؤدي الى انهيار المشروعات الاقتصادية الخليجية المستقبلية مثل العملة الموحدة، والبنك المركزي، والاتحاد الجمركي، وغيرها، على الرغم من بقاء مشروعات اقتصادية حيوية ما تزال مستمرة ولم تتأثر بالتطورات الأخيرة مثل خط دولفين الذي تزود قطر من خلاله 30 في المائة من احتياجات ​الإمارات​ من الغاز، وكذا الحال بالنسبة لسلطنة عمان.

وكذلك هناك الاتفاق على فرض ضرائب على المواطنين لدعم زيادة الإيرادات العامة، وعلاج عجز الإيرادات النفطية، ومن بين هذه الضرائب القيمة المُضافة والضرائب الانتقائية، والتي اتخذت دول الخليج قرارًا جماعيًّا بفرضها، حتى وإن كانت بعض الدول ليست بحاجة لمثل هذه الضرائب، إلا أنها تطبق الخطوة كنوع من التضامن الجماعي بين دول المجلس، وفِي حال إخلال دولة بتطبيق ما تم الاتفاق عليه فإنه قد يسبب حرجًا للدول التي تفرض ضرائب وترفع رسومًا على مواطنيها.

هل يؤدي انسحاب قطر الى انفراط عقد مجلس العاون الخليجي ؟

يؤكد الخبراء ان هذا الانسحاب ، بالاضافة الى اسباب سياسية واقتصادية اخرى ، يمكن ان يؤدي الى انتفاء مهمة ودور المجلس وبالتالي انفراطه .

فمن المؤكد ان الانسحاب سيقضيعلى مشاريع العملة الخليجية الموحدة، والبنك المركزي الخليجي، والاتحاد الجمركي، وإبرام اتفاقيات خليجية جماعية مع كل من الشركاء الرئيسيين، مثل أميركا وأوروبا وغيرها.

أما السبب الاهم لاحتمال انفراط عقد المجلس فهو ان اقتصادات دوله تتغير ، فقد تبين لهذه الدول ان معوقات النمو الاقتصادي عندها، هي في اعتمادها على المنتج الواحد وهو النفط أو الغاز الطبيعي، لكن الرؤية السعودية للمستقبل استطاعت أن تدرك هذا، وبدأت تتشكل في ظل معطيات مختلفة، أما الإمارات فاعتمادها الأساسي على الخدمات، وهو ما خفف من أثر تعرضها للصدمات البترولية في الاعوام الماضية ، وقطر اعتمدت على صناعات الغاز، وتنويع الاقتصاد هو التحدي الأول لهذه الدول، وبناء عليه ، لم يعد وجود مجلس التعاون رافعة جماعية لزيادة النمو ، اذا ان كل دولة تتصرف وفقا لمصالحها الوطنية .

الفكرة اليوم لا تكمن في بقاء المجلس من عدمه، ولكن الأمر برمته يكمن في تقديم نموذج للاقتصاد المفتوح الحر الذي يسمح بالتعدد، ويقبل الآخر كمستثمر وكسائح وكشريك تجاري، وهي أمور مهمة جدًّا، وقد ادركت قطر والإمارات ذلك بشكل جيد ، وهو ما يجعل الدولتين مرشحتين للعب دور قياديللخليج ، الى جانب السعودية ، خلال مرحلة مهمة للتحول من اقتصاد المنتج الواحد إلى الاقتصاد المتنوع الكبير.