على الرغم من إنشغال ال​لبنان​يين في الأشهر الأخيرة بمعضلة تشكيل الحكومة وبالإنقسام السياسي الحاد الحاصل، والذي كاد أن يصل بالبلد إلى إنفلات أمني خطير .. إلا ان لبنان تلقى الشهر الماضي رسالة خطيرة من ​الفاتيكان​ بشأن ملف النازحين السوريين، وهي رسالة لا تقل خطورة ولا أهمية عن معضلة تشكيل الحكومة.

فلم تكن رسالة الامل والتسامح والشكر التي وجهها ​البابا فرنسيس​ للوفد البرلماني اللبناني في ​روما​ لاستقبال لبنان اكثر من مليون ونص لاجىء سوري يتيمة، بل تبعها رسالة أخرى أشد وقعا وأكثر وضوحا. فوزير خارجية الفاتيكان بول غالاغر، كان مباشرا وحاسما في نقله رسالة ​المجتمع الدولي​ بشأن وضع النازحين السوريين للوفد اللبناني، حيث قال بوضوح "لن اروي لكم قصص اطفال، الوضع اللبناني غير سليم، ولن تحصل عودة النازحين السوريين طالما الحل السياسي ليس متوافرا في ​سوريا​".

وأضاف "ليست لدينا اشارة ايجابية من واشنطن وصولاً الى اي دولة اخرى في العالم حيال عودة النازحين السوريين الى بلادهم قبل التوصل الى الحل السياسي الانتقالي. وهذا الحل في اعتقادي لن يحصل قريباً".

فما مدى خطورة هذه الرسالة للبنان في ظل الوضع الإقتصادي والإجتماعي المتردي الذي نعيشه ؟ وهل لبنان قادر على إتخاذ تدابير جريئة للضغط على المجتمع الدولي في هذا الملف ؟ وهل يجدي قرار ​الدولة اللبنانية​ بتسهيل العودة الطوعية نفعا في التخفيف من هذه المشكلة ؟ ... هذه الأسئلة وغيرها اجاب عنها وزير الدولة لشؤون النازحين ​معين المرعبي​ في هذه المقابلة مع "الإقتصاد".

بداية، ما مدى خطورة هذه الرسالة للبنان في ظل الوضع الإقتصادي والإجتماعي المتردي الذي نعيشه ؟

ما قاله وزير خارجية الفاتيكان بول غالاغر يقصد به ان النازح السوري الموجود في لبنان وبعض الدول الاخرى يحتاج إلى تطمينات وإلى ضمانة بأنه لن يتعرض لأي إنتهاكات أو أعمال قتل أو أي تهديد آخر يمس بحياته، وكما يعلم الجميع فإن المعارك في سوريا مازالت مستمرة، ولا يوجد الكثير من المناطق الآمنة.

ومما قاله وزير الخارجية أيضا ولم يتم التداول به كثيراً، بأن النظام الحاكم في سوريا يقوم بعملية تغيير ديموغرافي، والدليل على ذلك انه يتم رفض أعداد كبيرة من الأسماء الموجودة في اللوائح التي يرسلها لبنان إلى الدولة السورية للراغبين بالعودة الطوعية، وكأن هؤلاء ليسوا مواطنين سوريين. فما يحصل فعليا هو عملية إستبدال لبعض المكونات التي تشكّل المجتمع السوري، بنسيج آخر ومجموعات اخرى في الكثير من المناطق.

وبالتالي هناك أعدادا كبيرة من النازحين السوريين الذين أبلغوا الوزارة بأنهم تلقوا رسائل واضحة من سوريا بأنهم غير مرغوب بهم لا اليوم ولا في المستقبل. وبالتالي وفي ظل هذا الوضع الراهن، يصبح كلام وزير خارجية الفاتيكان منطقي، حيث لا يوجد إمكانية لعودة هؤلاء النازحين إلا بعد وقف الأعمال الحربية، وإيجاد حل سياسي في سوريا يستعيد من خلاله اللاجىء ملكيته ومنزله وغيرها.

من جهة أخرى، لا يمكن تحميل النازحين السوريين في لبنان المسؤولية عما آلت إليه الامور إقتصادياً وإجتماعياً في البلد، فالحرب التي حصلت في سوريا والعراق هي التي أدت إلى قطع الطريق البري أمام الصادرات اللبنانية لكافة ​الدول العربية​ ولسنوات، مما إنعكس سلباً على قطاعات الزراعة والصناعة، فهل سيصبح الوضع الإقتصادي والإجتماعي أفضل في حال عاد النازحون غداً إلى سوريا ؟

ويجب ان يعلم الجميع بأن أكثر من 2 مليار دولار سنويا تدخل إلى لبنان بسبب النازحين، مما يخلق أكثر من 30 ألف وظيفة للبنانيين في الجمعيات والشركات وغيرها، ولكن للأسف التركيز من البعض هو على الخطاب العنصري فقط، وتحميل النازح مسؤولية الأوضاع الإقتصادية التي وصلت إليها البلاد، وفي نفس الوقت نتغاضى عن ​الفساد​ والسرقة والهدر الذي يحصل في كافة مؤسسات الدولة.

وأقول هذا الكلام اليوم ليس للتخفيف من مشكلة هذا الملف، فنحن مع عودة النازحين بأسرع وقت إلى سوريا، ولكن بشروط آمنة تضمن لهم سلامتهم، كما اننا لن نقبل بأي شكل من أشكال التوطين. ولكن أكرر بأن الكلام عن أن النازحين هم سبب الأزمة الإقتصادية هو غير صحيح، فالاعمال الحربية التي أغلقت الطرق البرية امام صادراتنا هي السبب الرئيسي في تدهور الامور، والمعلومات التي يتم الترويج لها في هذا الملف مضللة وغير واقعية.

ويجب ان لا ننسى بأن هناك مكوّن لبناني ساهم في تهجير هؤلاء النازحين إلى لبنان، وهو يحتل اليوم منازلهم وقراهم على المناطق الحدودية، فكيف يُطلب من النازحين العودة إلى تلك المناطق في ظل هذا الإحتلال الحاصل لقراهم واملاكهم؟ لذلك أطلب منهم الإنسحاب من هذه المناطق وخاصة القريبة من الحدود اللبنانية، لان هذه الخطوة ستسهل عودة أعداد كبيرة من النازحين إلى قراهم ومناطقهم.

هل لبنان قادر على إتخاذ تدابير جريئة للضغط على المجتمع الدولي في هذا الملف ؟

الحل الأفضل امامنا كما ذكرت هو الضغط على من ساهم في تهجير هؤلاء الناس من مناطقهم وقراهم، للإنسحاب من المناطق التي يحتلها والسماح للنازحين بالعودة إلى أراضيهم، فهذه أسهل طريقة للمساهمة في التخفيف من أعداد النازحين الموجودين.

من جهة أخرى هناك غياب شبه كلي للدبلوماسية اللبنانية في هذا الملف من اجل الضغط لإقرار حق العودة للنازحين إلى بلادهم وفرضه في مجلس الامن، فوزير خارجيتنا جال العالم في فترة الإنتخابات من أجل الحصول على اصوات إضافية في المعركة الإنتخابية، في حين انه غائب عن هذا الملف الذي يحتاج إلى جهود دبلوماسية وخارجية غير عادية وبشكل كثيف وكثيف جداً.

ما هي الحلول الممكنة والسريعة برأيك التي يمكن أن تساهم في التخفيف من المعاناة التي يسببها هذا النزوح للطرفين ؟

أعتقد ان المشاريع التي تم طرحها من خلال مؤتمر "سيدر" قادرة وبشكل كبير على إنتشال لبنان من كبوته الإقتصادية والإجتماعية، وبالتالي الحد من تأثير النزوح. فمشاريع البنى التحتية المطروحة قادر على خلق الكثير من فرص العمل، وجذب الكثير من الإستثمارات، والحد من الهدر الحاصل بسبب زحمة السير اليومية. فلبنان يخسر سنوياً اكثر من مليار دولار بسبب زحمة السير فقط.

ولكن هذه المشاريع لن تنطلق قبل تشكيل حكومة جديدة، وفي هذه المرحلة نحن لا نحتاج لأي حكومة، بل نحتاج لحكومة تكنوقراط يكون همها الاول الملفات الإقتصادية والإجتماعية. ولكن للأسف ما نراه من طروحات اليوم لتشكيل حكومة من 32 و 36 وزير، يثبت إستمرار المحاصصة وإقتسام ما تبقى من هذا البلد ومن هذه الدولة.