النجاح رغبة يسعى إليها كل شخص على قيد الحياة. والإنجاز هو أمنية كل كائن موجود على سطح هذه الأرض. لكن مقياس النجاح متعدد الأشكال والمفاهيم، فالبعض يظن أنه يكمن في جمع الأموال والثروات، أو تحقيق الشهرة، أو نيل أعلى الشهادات، أو الوصول الى أهم المناصب. في حين أن آخرين يرون النجاح في الرضا عن ما يقومون به، وتأثيراته على المجتمع والأفراد.

والناشطة الاجتماعية شيرين قباني تؤمن بأن المقياس الحقيقي للنجاح يكمن في ما يقدمه المرء من خير لنفسه ولمجتمعه وللإنسانية أيضا. وقد نالت مبادرتها الاجتماعية "تياب ​العيد​"، التقدير في ​الإمارات​ بسبب مساهماتها وخدماتها الخيرية. فباتت اليوم مثالا يحتذى به في العمل التطوعي.

كان لـ"الاقتصاد" مقابلة خاصة مع قباني للتعرف أكثر الى هذه المبادرة، والى التحضيرات التي تقوم بها قبل حلول فترة عيدي الميلاد ورأس السنة:

من هي شيرين قباني؟ وكيف قررت إطلاق مشروع "تياب العيد"؟         

أنا أعمل بالأساس في مجال الصحافة، ومنذ حوالي سنة ونصف، قررت إطلاق هذه المبادرة، خلال ​شهر رمضان​. اذ وجدت حينها أن خزانتي تحتوي على عدد كبير من ال​ملابس​ التي لا أستفيد منها ولا أرتديها، فتواصلت مع أشخاص يريدون أيضا التبرع بقطع من ملابسهم، وبدأت بتجميعها بنفسي.

فانطلقت من منزلي الخاص، وعمدت الى توسيع المبادرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وبشكل خاص "​فيسبوك​"، حتى باتت تشمل المناطق ال​لبنان​ية كافة. وبعد أن لاقت الفكرة إقبالا واسعا من عدد كبير من الناس، بات منزلي مزدحما بالأكياس والصنادق. ومن هنا، قررت افتتاح متجر، يختبر فيه الأشخاص تجربة التسوق المجاني.

ووجدت التمويل لهذه الفكرة على الفور، من خلال جمعية "وفا"، التي تبرعت أيضا بالأموال من أجل إرسال الملابس الى المصبغة قبل توزيعها على الناس.

فانطلق المتجر بـ5000 قطعة، وخلال يومين تم توزيعها بالكامل، وأصبح خاليا، لكنني رفضت إغلاقه، بل قررت أن يكون موجودا يوميا، وليس فقط خلال شهر رمضان، حتى بات يساعد في الوقت الحاضر، أكثر من 10 آلاف عائلة.

والجدير ذكره أنني أقيم تحديات في المتجر، حول أعداد القطع المجمعة والأعداد الموزعة. وخلال عيد المولد النبوي وزعت 5000 قطعة بدلا من 1447. وحاليا، أي قبل حلول ​عيد الميلاد​، يكمن التحدي في الحصول على 2018 قطعة احتفالا بمرور 2018 سنة على ذكرى ولادة سيدنا عيسى. وقد تمكنا الى حد اليوم من تجميع 8000 قطعة.

هل يتزايد عدد الأشخاص الذين يقصدون المتجر، بسبب الوضع المعيشي الصعب والجمود الاقتصادي الحاصل في البلاد؟

يساعد المتجر يوميا بين 30 و40 عائلة على الأقل، وكل شخص يحصل على القطع بحسب حالته الاجتماعية واحتياجاتها.

هل تجدين إقبالا من الناس على التبرع بملابسهم؟

الناس من جميع المناطق اللبنانية يحبذون فكرة قيامي بنوع من إعادة التدوير، فهم يقدمون الملابس المستعملة وأنا بدوري أعيدها جديدة.

ولا بد من الاشارة الى أن "تياب العيد" تستقطب اهتمام أشخاص من ​دبي​، ​السعودية​، قطر، السويد، ​الولايات المتحدة​، وغيرها من البلدان. وحتى أن بعض الأشخاص يقدمون ​التبرعات​ المادية لحالات إنسانية نهتم بها. وبالتالي توسعت المبادرة لتشمل عددا كبيرا من المتبرعين.

ما هي العوامل التي أتاحت لـ"تياب العيد" الانتشار بشكل كبير بين الناس؟

أولا، لدى افتتاح المتجر كان الشعار "افتح خزانتك"، وقد شارك بهذه المبادرة رئيس الحكومة ​سعد الحريري​، وفتح خزانته ليقدم لنا ملابس للمتجر؛ ما أعطانا دفعة الى الأمام.

ثانيا، رئيس بلدية بيروت تبرع لنا بمخزن.​​​​​​​

ثالثا، الإعلام أولى أهمية واسعة للمشروع، بالاضافة طبعا الى وسائل التواصل الاجتماعي.

رابعا، نحن نلتزم بالخصوصية ولا نظهر وجوه الأشخاص الذين يقصدوننا؛ ومن هنا بات الناس يثقون بنا أكثر.

خامسا، لدينا ​موظفة​ واحدة فقط في المتجر، مع 22 متطوعة.

أخبرينا أكثر عن ​جائزة​ "أهل العزم" التي حصلت عليها "تياب العيد" في الإمارات؟.

تواصل معي أشخاص من الإمارات لاحظوا أن المبادرة التي أطلقتها مهمة للغاية، لكنها تعاني من نقص في التمويل؛ وذلك بعد أن توقف الموارد المالية بشكل مفاجئ، ونشرت مقطعا على "فيسبوك" عبرت فيه عن حرقتي وغصتي، وشددت على رغبتي في استكمال العمل وعدم إغلاق أبواب المتجر.

ومن هنا، عرضوا علي تقديم المساعدة المادية للمتجر، بالاضافة الى تكريمي بسبب المبادرة التي قمت بها.

​​​​​​​

وعندما توجهت الى دبي، تفاجأت بكمية الملابس التي كانت موجودة، وبالأشخاص الذين تعرفوا الى المتجر، وبالمحبة التي غمروني بها.

وبعد ذلك، شاركت في مسابقة "أفضل مشروع إنساني لعام 2018"، "DHL"، وربحت عن لبنان و​الدول العربية​. واليوم أنا مرشحة لنيل الجائزة العالمية، والتي من شأنها تأمين التمويل للمتجر لمدة سنتين.

وقد وضعت كل آمالي على هذه المسابقة، لأن لا أحد ينظر الينا والى معاناتنا في لبنان، في حين أنهم يقصدوننا قبل الانتخابات من أجل المساومة، لكنني أرفض رفضا قاطعا أن يصبح المتجر "مسيّسا"، لأنه يهتم بالجميع، وهو صوت الناس.

مع العلم أن إيجار المتجر وراتب الموظفة يصل في السنة كلها الى 12 ألف دولار فقط، وبالتالي فإن هذا المبلغ ليس كبيرا.

والحرقة الأكبر تكمن في حصول على المساعدة من الخارج، وافتقادي لها في بلدي الأم.

على الصعيد الشخصي، ما هي الصفات التي ساعدتك على النجاح في العمل التطوعي والانساني؟

أولا، أحب الناس وأحب الاهتمام بقضاياهم، كما أسعى شخصيا لإيصال القطع اليهم.

ثانيا، على الشخص العامل في مجال المبادرات الانسانية، أن يكون صبورا وقادر على المتابعة، لأنه سيصادف العديد من المواقف المحزنة. فالحالات تتزايد يوميا، في حين أن الامكانيات المتاحة قليلة جدا بالمقارنة مع الطلبات الموجودة.

ثالثا، يجب أن يتحلى الشخص بالإنسانية، اذ لن يتمكن من تقديم المساعدة إن لم تكن نابعة من داخل قلبه.

رابعا، يجب أن يحصل على فريق عمل فاعل، لأن اليد وحدها لا تجيد التصفيق. ففي البداية، كنت أعمل بمفدري، واكتشفت بالفعل أنه من المستحيل أن يستمر الانسان بهذه الطريقة، بل هو بحاجة الى فريق يسانده.

خامسا، لست شخصا ماديا ولا أتعامل أبدا بالأموال، بل أعتبر أن دخول المال الى المتجر سوف يفقده مصداقيته.

​​​​​​​

الى جانب التمويل، ما هي التحديات الأخرى التي تواجه مبادرتك؟

أواجه بعض الانتقادات السلبية التي تهينني شخصيا بكرامتي. وأعتقد أن سبب ذلك يعود الى قدرتي خلال فترة وجيزة، على الوقوف أمام جمعيات تقوم لسنوات بالعمل ذاته، لكنها لم تنجح في الوصول الى قلوب العالم مثل مبادرة "تياب العيد".

ما هي النصيحة التي تودين إيصالها الى الناس من خلال تجربة "تياب العيد" التي خضتها؟

لا شيء مستحيل! فقد بدأت من الصفر، وحصلت بشكل مفاجئ على التمويل لافتتاح متجري الخاص. وبالتالي تمكنت من تحقيق النجاح خلال فترة قصيرة، بسبب إصراري على تحقيق هذه الغاية.

فكلما تحاربت كما زادت قوتي. فكلما واجهت الانتقادات، كلما زادت رغبتي في تقديم الجديد والأفضل.