أقرت الحكومة اللبنانية في شهر آذار الماضي ​موازنة​ البلاد للعام 2018. وفي ذلك الوقت بارك رئيس الوزراء ​سعد الحريري​ للبنانيين هذه الخطوة. وقال في أعقاب جلسة الحكومة، إن "​الموازنة​ تتضمن إصلاحات وحوافز لكل القطاعات، وتحقيق وفر في الوزارات". إذاً، هي موازنة كان من المفترض أن تحقق وفراً وأن تقدّم حوافز للقطاعات، ولكن ما الذي حصل؟ ​الإنفاق​ الاستثماري لا يتجاوز 8% مقابل 92% انفاق جاري في الرواتب و​الأجور​ وخدمة الدين وعجز ​الكهرباء​ وعجز قياسي جديد في ميزان المدفوعات، إذ بلغت قيمته الحقيقية المتراكمة في الشهور التسعة الأولى من هذا العام نحو 4.8 مليار دولار، بالمقارنة مع 189.9 مليون دولار في الفترة نفسها من عام 2017، وفقاً للبيانات التفصيلية المنشورة على موقع "​مصرف لبنان​".

وبدوره، أشار ​وزير المالية​ ​علي حسن خليل​، بعد لقائه حاكم "مصرف لبنان" رياض سلامه في بداية الأسبوع الحالي، الى أننا "بحاجة لتغيير عقليتنا في ما يتعلق بإدارة الوضعين ال​اقتصاد​ي والمالي وهو أمر ممكن. ويجب ان نضع انفسنا على سكة الاصلاح. وللأسف نصطدم بعدم قدرتنا على تشكيل حكومة". إلا أن القوى السياسية وبالرغم من كافة التحذيرات والمؤشرات الخطيرة تصرّ على عرقلة موضوع تشكيل الحكومة، ناهيك طبعاً عن عرقلة ملفات العمل ما بعد التشكيل، في إشارة الى أقصى درجات الإستهتار بتأمين حياة كريمة لمواطن يدافع عنهم ويقدم الولاء والطاعة في كافة أموره الحياتية.

وللحديث حول هذه المواضيع كان لـ"الإقتصاد" هذا اللقاء مع الخبير الإقتصادي د. كامل وزنة:

تحدّث وزير المالية عن توظيف أكثر من 5000 موظف جديد سنة 2018، أي في العام الذي كان من المفترض أن تحقق فيه الموازنة وفراً، بالإضافة الى الحديث عن توسيع الحكومة لـ32 وزير لحل "المعادلة الحكومية". هل ترى أن هكذا خطوات تشير الى وجود نية بالإصلاح في هذه الدولة؟

الإقتصاد دائماً في مكان والسياسة في مكان آخر، لذلك عندما يضغط أهل السياسة على الإقتصاد، وإن ربحوا سيخسر الأخير. من هذا المنطلق، عندما استخدم أهل السياسة التوظيف في مرحلة الإنتخابات النيابية لكسب عدد أكبر من الأصوات فإن الإتفاق على تخفيض المديونية الى نسبة 5% من حجم الناتج القومي لم يتحقق، بل ارتفعت المديونية إلى ما فوق 11%. وبتعبير آخر، تكلفة تمويل الدولة اليوم زادت بحوالي 3-5%، الأمر الذي له عدة ترتيبات إقتصادية، على الأقل لإعادة تمويل الدين المستحق في العام 2019، الذي قد يكلّف خزينة الدولة بين 750 – 1000 مليون دولار إضافية، أي من 5 مليار و600 مليون الى 7 مليار دولار تقريباً.

المطلوب من هذه الماكينة السياسية اليوم تغيير هذا النمط المخيّب لآمال اللبنانيين و​الإقتصاد اللبناني​ وكأنها لا تدرك حجم المخاطر، مع العلم أن كافة الأفرقاء يشيرون إلى حجم الكارثة التي ستحل بنا في حال لم نستكمل بناء الدولة.

إذا كان الحل يكمن بتوسيع الحكومة الى 32 وزير فليكن. نتمنّى ان ترفع النية الصادقة من نسبة التوقعات والثقة بالإستثمار من جديد لتكون عاملاً إيجابياً يؤدي لخفض الفوائد التي بلغت نسباً مرتفعة.

مع الإشارة إلى ان التمويل الذي تم الإتفاق عليه بين حاكم مصرف لبنان ووزير المالية أقل بكثير مما تدفعه ​المصارف​ لإيداع أموال بالليرة اللبنانية لمدة ثلاث وخمس سنوات.

- برأيك هل يكفي المواطن بأن يسمع تصريحات تطمئنه للاستقرار النقدي في البلد ووضع الليرة؟

على السياسييين اللبنانيين اليوم الإتجاه للعمل على أرض الواقع، وصلنا الى مرحلة تستدعي عملية جراحية إلا أن "الجراح في إجازة وغير مبالي". التصريحات الصحفية لتأخير حدوث المشكلة لم تعد نافعة. لنتعالى عن الصغائر ونناقش بطريقة أكثر عقلانية وانفتاحاً لنتمكن من انتشال ما تبقى من هذا الإقتصاد.

- في سياقٍ آخر، أعلن وزير الخارجية ال​إيران​ي ​محمد جواد ظريف​ التوصل إلى اتفاق نهائي بشأن ​آلية​ الدفع الخاصة المُعدّة من قِبل ​الاتحاد الأوروبي​ ضد ​​العقوبات​ الأميركية​ المفروضة على إيران، إلى اي مدى برأيك ستضعف هذه الآلية تأثير العقوبات؟

تأثير العقوبات ضعُف منذ إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن الإعفاءات لثمانية دول، و ما تبقى هو التأثير الناتج عن الإستثمارات المباشرة من الشركات الأجنبية التي انسحبت من إيران.

وعلى صعيد ​أسعار النفط​، أجدد تأكيدي على أن الأسعار الى هبوط وخاصّة مع إصرار ترامب على إبقائها منخفضة لمصلحة اقتصاد بلاده.

والجدير بالذكر ايضاً أن ​الأسواق الأميركية​ بدأت في المرحلة الحالية عملية التصحيح المرتقبة منذ العام 2009. وهذه العملية لا يريد ترامب تحملها في الوقت الذي ستبدأ فيه الإنتخابات الرئاسية الأولية في بداية العام القادم.