الأيام تمرّ والعداد يسجّل... وال​لبنان​ي يتمنى يوميا أن يتم حلّ العقد الطائفية المتنوعة التي تعيق تشكيل الحكومة، ويعيش على الوعود والتمنيات بالغد الأفضل والازدهار المنتظر الذي سيبدأ فور حصول هذا التشكيل.

ولكن الفسحة البيضاء بدأت تتحول شيئا فشيئا الى غيمة سوداء، اذ نشهد يوميا على أحداث تزيد من حالة التأزم القائمة، وتبعدنا أكثر فأكثر عن الاستقرار السياسي، الاقتصادي، الأمني، والاجتماعي أيضا.

وبين مجرور الرملة البيضاء، وأزمة المولدات المتواصلة، وعودة سلسلة الرتب والرواتب الى الواجهة، وإمكانية سحب أموال "سيدر" من لبنان، واستمرارية توقف ​قروض​ ​الإسكان​، يمكن أن نشعر بالضياع حول ما علينا القلق بشأنه.

هذا ناهيك عن التوترات الأمنية التي سادت مؤخرا بعد ما حصل في بلدة الجاهلية بين وزير البيئة السابق وئام وهاب و​شعبة المعلومات​، تعقيبا على انتشار ​فيديو​ الأسبوع الماضي، يتعرض فيه وهاب الى الرئيس الأسبق رفيق الحريري وعائلته، ونجله سعد، ما أثار استهجانًا عارمًا في الشارع السني.

أما على الصعيد الإقليمي، فكشفت "​رويترز​" أن قطر ​ستنسحب من "​أوبك​" في الأول من كانون الثاني 2019، من أجل التركيز جهود تنمية وتطوير صناعة ​الغاز​ الطبيعي، وعلى تنفيذ الخطط التي تم إعلانها مؤخراً لزيادة إنتاج الدولة من الغاز الطبيعي المسال من 77 إلى 110 مليون طن سنويا.

فهل سيؤثر هذا الانسحاب على ​أسعار النفط​؟ ومحليا، هل ستتمكن الأعياد من تحريك العجلة الاقتصادية رغم التوترات الأمنية على الساحة؟ وما هي تداعيات إلغاء سلسلة الرتب والرواتب؟

كان لـ"الاقتصاد" مقابلة خاصة مع أمين عام المؤتمر الدائم للفدرالية، د. ​ألفرد رياشي​، للإجابة على هذه الأسئلة وغيرها.

عاد موضوع السلسلة الى الواجهة مع الحديث عن إمكانية إلغائها. هل من الممكن القيام بهذه الخطوة؟ وكيف ستكون ردة فعل الشعب على هذا القرار في حال إقراره؟

كل شيء ممكن في لبنان، إنما يجب النظر أولا الى التداعيات الدستورية لهذه الخطوة.

ولكن عند إقرار السلسلة، لاحظنا شيئا إيجابيا؛ فبالعادة عندما تزيد المداخيل ترتفع نسبة ​التضخم​، بينما في لبنان بلغ التضخم نسبة طيفية جدا. أما المفعول الايجابي الثاني، فيكمن في أنها أسهمت في تحريك العجلة الاقتصادية.

ومن هنا، قبل القيام بخطوة الإلغاء يجب دراسة المفاعيل الايجابية، والانتباه الى تداعياتها السلبية؛ ومنها زيادة الكاهل على ​موازنة​ الدولة وبالتالي زيادة العجز. وأحد الأسباب التي أدت الى تباطؤ العجلة الاقتصادية وزيادة الضغط على ​الموازنة​، يمكن في غياب دراسة دقيقة وعلمية وواقعية حول سبل تعزيز موارد السلسلة.

ومؤخرا، شهدنا على توقف قروض الإسكان – الذي كان يعد من المحفزات الأساسية للاقتصاد اللبناني – ما أدى الى زيادة التباطؤ، في حين لم نلتمس أي بديل أو أي مبادرة من أجل تحريك عجلة القطاعات الاقتصادية الأخرى.

في ما يتعلق بموضوع الإسكان، برأيك، هل من الممكن أن تعود قروض الإسكان المدعومة مع انطلاقة العام الجديد؟

الى حد اليوم لا توجد أي بوادر حول إعادة وضع هذه القروض قيد التداول، لأننا لا نرى أي خطوات عملية على الأرض. مع العلم أن هذه الخطوة من شأنها أن تساعد على إعادة تحريك العجلة الاقتصادية.

في الأيام الماضية، سمعنا عن تهديدات حول إمكانية خسارة لبنان لأموال "سيدر" في حال عدم تشكيل الحكومة قريبا. ما تعليقك على هذا الأمر؟ وما هي التأثيرات المترتبة على هذا التدبير؟

مفاعيل أموال "سيدر" المعنوية أكثر من العملية، فقد تم إقرار حوالي 11 مليار دولار، وسيحصل لبنان من هذا المبلغ، على 6 مليار، في حين أن الـ5 مليار المتبقية لها علاقة بتنفيذ إصلاحات في ما يتعلق بموضوع ​مكافحة الفساد​؛ وهذا الأمر شبه مستحيل على المدى المنظور، في بلد مثل لبنان. وبالتالي لا نأمل على حدوث مفاعيل سحرية من جراء هذه الأموال.

كما أن الثقة الدولية في لبنان ضعيفة للغاية، وبالتالي فإن خسارة الأموال لن يؤثر كثيرا. وفي المقابل، من الممكن تنظيم مؤتمر ثان في حال تشكيل حكومة قادرة على الحصول على ثقة ​المجتمع الدولي​ الذي لا يثق بأي حكومة في لبنان وخاصة في ظل التجاذبات الحاصلة.

ولكن لا بد من الاشارة الى أن تشكيل الحكومة سيكون بمثابة إبرة "مورفين" أي أنها ستسهم في تنفيس الأجواء الى حد ما، ولكن لفترة معينة، قبل العودة الى المشاكل.

برأيك، هل ستنعش فترة الأعياد القادمة الأسواق اللبنانية في ظل الوضع المعيشي الصعب الذي يعيشه المواطن؟

الوضع دقيق جدا هذه السنة، بسبب التخوف والحذر من جهة، وغياب ​السيولة​ النقدية من جهة أخرى. فغالبية الأشخاص جمدوا أموالهم في ​المصارف​ بسبب الفوائد المرتفعة، وبالتالي لا يسعون للقيام بالمزيد من الاستثمار، ما يؤدي الى غياب السيولة العالية.

ولكن لا شك في أن أي عيد من الأعياد الأساسية سيسهم في تحريك العجلة الاقتصادية، وتبديل حالة الجمود القائمة. ولعل المؤسسات ستتمكن من تحصيل أرباح معينة ستساعدها على الصمود أكثر.

أقام سفير ​الإمارات​ في لبنان حمد سعيد الشامسي، حفل استقبال في الرملة البيضاء، لمناسبة العيد الوطني 47 لبلاده، تم خلاله افتتاح شارع الشيخ ​زايد​ بن سلطان آل نهيان. هل يعتبر هذا الأمر مؤشر ايجابي حول عودة العلاقات مع الإمارات؟

الامارات​ تحاول أن تحصل على تداخل أكبر في الشأن اللبناني، وقد شهدنا على هذا الأمر في السنوات العشر الماضية من قطر والإمارات.

ولكن لا نعلم الى أي مدى يمكن ترجمة افتتاح شارع على الصعيد الاقتصادي. وكنا نفضل لو تم الاستثمار في مشروع أساسي قادر على تحسين أوضاع ​الكهرباء​، البنى التحتية على سبيل المثال.

تعقيبا على انسحاب قطر من منظمة "أوبك"، ما هي تداعيات هذه الخطوة على الدوحة و"أوبك" وأسعار النفط العالمية؟

لا أعتقد أن التداعيات ستكون كبيرة لأن قطر ليست بالأساس دولة نفطية، أي أنها ليست من الدول الأساسية الكبرى، بل تأتي بعد الهند، في بالمرتبة الـ24، وبالتالي ليست دولة نفطية ومؤثرة من هذه الناحية، وتأثيرات هذه الخطوة لن تكون ملحوظة.

أما نسبتها من ​إنتاج النفط​ فلا تتخطى الـ6% من إنتاج ​السعودية​؛ أي أن السعودية تنتج حوالي 10 مليون برميل يوميا، بينما نتنج قطر حوالي 645 ألف برميل يوميا.

كما أن قطر تركز اليوم بشكل أكبر على موضوع الغاز، وتحاول رفع منسوبها من الغاز من 77 إلى 110 مليون طن سنويا.