عندما يشتد الخناق المالي ويرتفع العجز في ​الموازنة​ وتضيق خيارات الانقاذ ، يقفز الحديث عن اهمية مكافحة ​التهرب الضريبي​ الى الواجهةكحل سليم بدل فرض ​ضرائب​ جديدة تطلق رصاصة الرحمة على ​اقتصاد​ ينازع .

ومفاجئة ​توقيف​ رجل الاعمال الاسطورة و الناجح ​كارلوس غصن​ لاسباب تتعلق بالتهرب الضريبي،وقد كانت كالصاعقة على مجتمع الاعمال وضعت هذه المسألة على المحك.

كيف يكون التهرب الضريبي؟

يُعرّف التهرّب الضريبي بانه عملية سرّية لا يتمّ الكشف عنها، وبناء عليه ، هناك صعوبة في معرفة الرقم بالتحديد. وثمة آليتان يتمّ إعتمادهما لتقديرالخسارة الناتجة عن التهرب: الأولى تعتمد على منهجية ماكرو إقتصادية لتقدير حجم التهرّب الضريبي، والثانية تعتمد على تفنيد التهرّب الضريبي وتقدير كل شق منه.

في تقريره للفصل الثاني من العام 2018، نشر ​بنك عودة​ مجموعة من الأرقام والنسب المتعلّقة بالتهرّب الضريبي في لبنان، وخلص الى أنّ مكافحة هذه الظاهرة مقدّمة ضروريّة لإصلاح الماليّة العامّة. الرقم الاجمالي لكلفة التهرّب الضريبي، وفق التقرير، بلغ 5 مليارات دولار سنويّاً. وهو ما يوازي 10% من الناتج المحلّي. والأهم، يوازي هذا الرقم وحده تقريباً العجز السنوي في الميزانيّة العامّة.

ينتج هذا الحجم من التهرّب الضريبي من أبواب رئيسيّة عدة، أهمّها التهرّب من ضريبة الدخل، والضريبة على القيمة المضافة، ورسوم ​الجمارك​، بالإضافة إلى رسوم ​الكهرباء​ وضريبة الملكيّة. ولكن ايضا ً لا يمكن إغفال الضريبة على الاملاك البحرية والنهرية .

ويمكن ملاحظة أثر هذا التهرّب من نسبة تعبئة الموارد، التي تحتسب نسبة الإيرادات المحققة للدولة من الناتج المحلّي الإجمالي. فبينما تبلغ هذه النسبة ما يناهز 35% في الدول المتقدّمة و25% في ​الدول النامية​، لم تتجاوز هذه النسبة في لبنان 20% في العام 2017. وتنخفض هذه النسبة بشكل رئيسي بفعل عاملين: أوّلاً الانخفاض النسبي في الضغط الضريبي في لبنان، وثانياً نسبة التهرّب الضريبي العالية التي يتحدّث عنها تقرير عودة.

عضو كتلة "التنمية والتحرير" النائب علي فياض لفت الى أن لبنان مصنف من الدول ذات الدخل المنخفض في بعض الدراسات. وقال: " اعتبروا ان القدرة على الاقتصاد يجب ان تكون 34%، والحقيقة هي 14%، وهذا يعني ان لبنان يقوم بنصف جهده في جباية الضرائب".

وشدد فياض على " ان التهرب الضريبي هو من الجرائم الاقتصادية التي يعاقب عليها القانون، وتقدر خسائر الخزينة من التهرب الضريبي بـ6300 مليار ليرة، وينقسم التهرب الضريبي الى اقسام، منها التهرب من ضريبة الدخل والرسوم العقارية والقيمة المضافة، مشيرا الى أن لبنان مصنف في أدنى سلم معيار الحوكمة بين الدول التي تعتمد على معايير عديدة منها مستوى ​الفساد​، مشددا على ان التهرب الضريبي هو احد اوجه الفساد في لبنان، والحل لا يكون بفرض المزيد من الضرائب، بل بوجوب تحسين ​النظام الضريبي​. ولا بد من اتخاذ مجموعة من الاجراءات، وأبرزها الضريبة التصاعدية".

وفق بعض المعطيات المسجلة ، فإن 30 % من إقتصاد لبنان هو إقتصاد مواز، يقوم على تأسيس أفراد صناعات وتجارة من دون رخصة، ولا يسجلونها في وزارة المال ولا يسجلون موظفيهم في الوزارة وفي الضمان الإجتماعي، وتالياً، لا يصرحون عن دخلهم وأرباحهم، ولا يدفعون أي نوع من الضريبة، ما يعني أن هناك قدرة على التهّرب الضريبي.

التهرب في الداخل وفي الخارج

مصرف لبنان​ ​رياض سلامة​ يقول : " اليوم، لبنان معترف به كدولة متعاونة في مجال مكافحة ​تبييض الأموال​ و​تمويل الإرهاب​. كما أن منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي (OECD) اعترفت بأن لبنان لديه القوانين والآليات اللازمة لمكافحة التهرب الضريبي.

باستثناء حالات التهرب الضريبي التي لا تعني المقيمين في لبنان، بل المقيمين خارج لبنان الذين يملكون حسابا في لبنان، وباستثناء العمليات المشبوهة، تخضع العمليات للسرية المصرفية. وهذا الأمر أساسي، لأن ​السرية المصرفية​ لعبت وستلعب دوما دورا هاما في تطوير القطاعين المصرفي والمالي في لبنان. "

طبارة

رئيس مجلس الاعمال اللبناني للمغتربين ،عضو مجلس امناءالمنظمة العربية لمكافحة الفساد ورئيس "يو تي سي " العالمي للمحاسبين القانونيين الدكتور اسامة طبارة ابدى عدم قناعته

بالارقام المنقولة عن كلفة هذا التهرب واصفاً بانه تخبيص و هي تقديرات وهمية .

وقال لـ"الاقتصاد" قبل التفكير باي قانون جديد لمكافحة التهرب الضريبي فليطبق القانون الحالي ، وتحدد الثغرات الموجودة فيه. وهذه المهمة مناطة بالمسؤولين في وزارة المال الذين من واجبهم السهر على كيفية تطبيق القانون. واي كلام آخر هو بمثابة زر الرماد في العيون.

والتقارير التي تلحظ بعض ثغرات التطبيق يرفعها هؤلاء الى اللائحة التنفيذية المفترض ان تكون مستندة الى ​آلية​ مهنية بعيداً عن اي تقديرات.

الا انه لتفعيل عمل هؤلاء من المفترض زيادة عددهم وإخضاعهم لدورات تدريبية . ويصار الى رفع اللوائح التنفيذية الى الجهاز الحكومي علماً ان هناك الكثير من العناصر المعرقلة ومنها انتشار الفساد ، والتدخلات السياسية. هذا القانون اي قانون مكافحة التهرب الضريبي موجود منذ اوائل الستينات.

واكد طبارة ان التهرب الضريبي هو تحايل على القانون و​مخالفة​ للقوانين بعد التعدي على حقوق عائدة لافراد.

ارتفاع الضرائب يضرب التحصيل

الا انه في غضون ذلك ، وفي ظل عدم تعديل القوانين الضريبية وإصلاح الإدارة الضريبية، يبقى الاحتمال الكبير أن ارتفاع المعدلات الضريبية سيسفر عن ارتفاع معدل التهرب الضريبي خصوصا في لبنان حيث سيشكل هذا الارتفاع عبئاً على المواطنين الذين يفتقدون للخدمات الاجتماعية الأساسية.

والسؤال البديهي هو : في مقابل الإيرادات الضريبية المحصلة من المواطنين والغرامات التي تفرضها عليهم الدولة في حال عدم التزامهم بواجباتهم الضريبة، ما هي الحوافز التي تقدمها لهم الدولة في المقابل؟

هل ساهمت المعدلات الضريبية الحالية بتحفيز الاستثمار وتشجيع الشركات على تنفيذ المشاريع في لبنان؟

ألاجابات معروفة وهي انعدام اي خدمات هي حق مكتسب للمواطن ، وهروب ​استثمارات​ او كبح أخرى .