مرّت ذكرى الإستقلال هذا العام باهتة وجافة في ظل التوترات السياسية والإحتجاجات في شوارع ​بيروت​ بسبب تأخير تشكيل الحكومة وإتجاهنا نحو المجهول. فبلدنا الذي تخطى عتبة الـ 75 من العمر، لا ينعم فعليا بإستقلالٍ حقيقي في ظل دين عام ضخم يتحكّم بمسيرته، وفساد ينخر بمؤسساته وينتشر في إداراته.

فبعد 75 عاماً على الإستقلال مازلنا غير قادرين على تأسيس بلدٍ مستقرٍ من الناحية السياسية، وقويٍ من الناحية الإقتصادية، فلا رؤيةٌ واضحة ولا هدفٍ منشود، ولا إرادة حقيقية على إنتشال البلد من محنته التي توشك ان تؤدي إلى إنفجارٍ إجتماعي كبير لن يسلم منه أحد.

ومع إقتراب العام 2018 من لفظ أنفاسه الأخيرة، مازالت معضلة الحكومة عالقة، وسط ترقّب معجونٍ بالقلق مما ستؤول إليه الأمور في المرحلة المقبلة.

فماذا إن لم تتشكل الحكومة قبل نهاية العام ؟ وماذا ينتظر ​لبنان​ من إقتصاديا في العام 2019 ؟ ماذا عن موسم الاعياد المقبل ؟ وهل نحن مقبلون فعلاً على إنهيارٍ إقتصادي ؟

هذه الأسئلة وغيرها اجاب عنها الخبير الإقتصادي د. لويس حبيقة في هذه المقابلة مع "الإقتصاد".

بداية، مع مرور 75 سنة على إستقلالنا، كيف تصف تجربتنا الإقتصادية على مدى السنوات الفائتة ؟

تجربة لبنان منذ الإستقلال وحتى اليوم لم تعطِ النتائج المنتظرة منها بدون شك خاصة من الناحية الإقتصادية، وبالتالي أعتقد اننا بحاجة ملحة لإعادة النظر بالصيغة التي بني على اساسها لبنان منذ البداية، وإجراء التعديلات اللازمة للحصول على نتيجة مختلفة.

فالصيغة المتبعة أثبتت على مدى السنوات الماضية أنها غير قادرة على جمع الناس بمختلف طوائفهم ومذاهبهم وتوجهاتهم، والكل أصبح على قناعة بان البلد لن يتمكن من الإستمرار بنفس الصيغة القديمة. وللأسف فإن التحديات والمشاكل التي نواجهها اليوم اكبر بكثير من الحلول المطروحة من قبل السياسيين.

لا شك ان إعادة النظر بالصيغة ككل ليس بالامر السهل، ويحتاج إلى شجاعة كبير من جميع الإطراف، فنحن نحتاج إلى إعادة صياغة لطريقة التعامل بين الطوائف في لبنان، فالمشكلة ليست بصلاحيات رئيس جمهورية او رئيس مجلس النواب أو غيرها، فنحن نعاني من خلاف فعلي حول مستقبل البلد وهويته. لذلك يجب ان نوقف سياسة التكاذب المتبعة بين السياسيين ووضع يدنا على الجرح الرئيسي، والتحلي بالإرادة الفعلية للتغيير.

وسط حالة الترقب والقلق الموجودة اليوم .. ماذا إن لم تتشكل الحكومة قبل نهاية العام ؟

يجب ان نتفق بأن ليس هناك مهرب من تشكيل الحكومة، وإن لم نصل إلى حل قبل السنة الجديدة يجب ان تستمر الجهود للوصول إلى حل وإنجاز هذا الإستحقاق. ففي النهاية لا يمكن للبلد ان يسير بدون حكومة.

والمشكلة برايي اليوم ان الطبقة السياسية الحاكمة ليست على مستوى المرحلة التي نمر بها، فالبلد يحكمه سياسيون عاديون في مرحلة ليست بعاديّة. ولكن لا يمكن تغيير الوضع القائم الان بما أننا اعدنا إنتخاب هذه الطبقة السياسية مؤخرا من خلال الإنتخابات. والمطلوب من هذه الطبقة الحاكمة أن تجلس على طاولة واحدة وان تدرس الحلول المطروحة وان تبدأ بتطبيقها، كما يجب تغيير العقلية الموجودة والإيمان بالخبرات ووضع الأشخاص المناسبين في الأماكن المناسبة، مع العلم انني مقتنع شخصيا بان هذه الخطوات لن تحل المشكلة باكملها، خاصة ان خلافاتنا في لبنان تتعلق بالامور الأساسية والبنيوية، فنحن لا نملك كتاب تاريخ موحّد حتّى. والمشكلة أن الأطراف التي تشكل المجتمع اللبناني تتبع سياسة التكاذب فيما بينها، أضف إلى ذلك ان العملية الديمقراطية الموجودة لا تحل المشكلة بل تزيد من تعقيدها، حيث لا يوجد ثقافة تقبّل الخسارة.

ولحسن حظنا اليوم أن هذا الخلاف الموجود لم ينتقل إلى الشارع، لذلك يجب علينا إستغلال الامر ووقف "التكاذب" المتبع في التعامل بين الأطراف، والتحلي بالشجاعة لطرح المشكلة كما هي، والعمل على إيجاد صيغة جديدة أفضل من الصيغة المتبعة حاليا.

ما هي أبرز التحديات التي تنتظر لبنان إقتصاديا في العام 2019 ؟

هناك العديد من التحديات التي تواجه لبنان من الناحية الإقتصادية، والتي باتت معروفة للجميع. فالخطوة الأولى هي حل الخلاف السياسي القائم وتشكيل الحكومة، وبعد ذلك يجب البدء جدياً بمحاربة ​الفساد​ والفاسدين، ووقف مزاريب الهدر. ثم علينا العمل على حل مشاكل البنى التحتية من كهرباء وماء وطرقات وغيرها ... فلا يمكن بناء إقتصاد قوي بدون كهرباء وبدون طرقات ومطار ومرافىء جيّد متطورة.

عند القيام بهذه الخطوات، سنعود إلى السكة الصحيحة، وستبدأ كافة القطاعات بالتحسن مع الوقت.

هل نحن مقبلون فعلاً على إنهيارٍ إقتصادي ؟

كلمة الإنهيار الإقتصادي هي كلمة كبيرة جداً، ولبنان بعيد كل البعد عن الإنهيار.

فالإنهيار الإقتصادي يتمثّل بما يحدث اليوم بـ"​فنزويلا​" مثلا، حيث بدات تنتشر المجاعة والامراض، وهناك نقص حاد في الغذاء والطبابة وغيرها، وتضخم خيالي في الأسعار، وإنهيار كبير للعملة المحلية وغيرها من الأمور الاخرى.

لبنان بعيد كل البعد عن هذه الحالة اليوم، ولكن هذا لا يعني ان إقتصادنا بخير، فإقتصادنا متعثّر إذا صحّ التعبير، ويحتاج إلى إصلاحات وخطوات كثيرة. ولكن بنفس الوقت لا يجب بث الرعب في نفوس اللبنانيين وتخويفهم، ومن يطلق هذه الشعارات والتوقعات هدفه خلق البلبلة، وهو غير مطّلع فعليا على الأوضاع.