قضية تمويل ​سلسلة الرتب والرواتب​ عود الى البدء. هل الرجوع عن هذه الخطيئة كما يسميها البعض والتي اسمها السلسلة هو الفضيلة ؟ هل هي القشة التي قسمت ظهر البعير؟

هل تمويل السلسلة هو سبب العجز في الدولة ؟ هل هي التي امتصت آخر قرش من احتياطي الموازنة الفارغ ؟هل الغائها هو المدخل الى خفض العجز وضبط المالية العامة؟

وهل وهل ...؟

مجدداً السلسلة محور سجال حاد قد يسفر عن النزول الى الشارع الذي يستقبل كل اطياف العمال والموظفين واصحاب المطالب ، وعن اعتصام يشل دوائر القطاع العام واداراته بما فيه المصالح المستقلة والجامعة ال​لبنان​ية.

من الطبيعي ان لا تكون المشكلة في احقية اصحاب السلسلة بها وقد طال انتظارها منذ سنوات الى ان تم إقرارها في 2017. ولكن كلفتها تجاوزت التوقعات والدراسات الاولية التي رافقتها باشواط كبيرة لتمويلها.

في البداية، التقديرات لكلفتها الحقيقية رست على 1200 مليار ليرة، لكن فعليا الكلفة تجاوزت مع الوقت الـ1900 مليار ليرة لبنانية. والسلة الضرائبية الكاملة التي سبقت وواكبت إقرارها لم تتمكن من تأمين التمويل ما ادى إلى عجز خطير.

و​المؤشرات الاقتصادية​ تلفت الى انها انتجت التضخم الاقتصادي بدل من زيادة الاستهلاك، كما كان مرجواً. وبالتالي، اضطرت الدولة الى الاستدانة للتمويل مع تصريح لوزير المال في حكومة تصريف الأعمال ​علي حسن خليل​ قال فيه:" إن حساب الاحتياط رقم 37 في مصرف لبنان خال من الأموال". وكان بمثابة قنبلة تبّشر بحال إفلاس الدولة.

من جهته، يقول حاكم مصرف لبنان رياض ​سلامة​ :" عجز المالية العامة الذي ارتفع بعد اقرار سلسلة الرتب والرواتب يجب ان تمّوله الدولة، لكن تمويله بات اكثر تكلفة وخصوصا ان الفوائد عالميا ارتفعت، وواكبتها معدلات الفوائد في لبنان ولكن بمستوى اعلى، بمعنى ان الحاجات الموجودة لتمويل الدولة باتت اكبر بكثير. فالاموال تتوجه الى الخارج لاننا نستورد بما قيمته 19 مليار دولار ولا نصدر الا بملياري دولار فقط. وبالتالي، فان معظم الاموال الموجودة او تلك التي تتحقق من الاقتصاد اللبناني تخرج من لبنان لتمويل متطلبات الاستيراد".

واضاف سلامة: "هذه الوقائع تتطلب ان تكون هناك حركة اصلاحية تسهم في تصغير حجم القطاع العام الذي بات عبئا كبيرا على الاقتصاد، وتخلق ثقة من خلال هذه الاصلاحات لجذب الاستثمارات. وفق الارقام، خلال السنوات الاربع اصبح العجز المتراكم للدولة يناهز الـ20 مليار دولار. اي الدولة اضطرت الى ان تنفق اكثر من ايراداتها بهذا المبلغ. وفي المقابل، لم يزد الناتج المحلي الا بقيمة 4 مليارات دولار فقط. بمعنى اخر اننا ضخينا مبلغ 20 مليار دولار في الاقتصاد ولم يعط نتيجة في الناتج المحلي لكي يتعدى الـ4 مليارات دولار. اي اننا لم نستطع ان نسجل العجز الذي يمكن ان يخلق استثمارات وفرص عمل بل هو في معظمه عجز يصب في الهدر".

هل وقف السلسلة وارد كما يُشاع ؟

نحاس

الوزير السابق النائب ​نقولا نحاس​ يعتبر انه غير وارد على الاطلاق وقف العمل بالسلسلة . وبالتالي صدرت سلسلة الرتب والرواتب بقانون اي ان الغاء العمل بها يتوجب صدور قانون بهذا الشأن.

ويقول نحاس "للاقتصاد ": هناك بعض الاخطاء في موضوع الدرجات التي اعطيت على اساسها السلسلة وهي تتعلق بالاساتذة الثانويين. وكان الاتجاه لدى تجمعات المدارس من اجل المطالبة بإعادة النظر بها.

غبريل

اما رئيس قسم الابحاث في "بنك بيبلوس" نسيب غبريل فيعتبران ان الآلية التي تم اعتمادها في الاساس لإقرار السلسلة كانت خاطئة سيما وانه كان من المفترض ان يسبقها سلسلة اجراءات اصلاحية واهمها إعادة النظر بنظام التقاعد بما يجعله مفيداً للمتقاعد وليس للاجيال القادمة، تحديد عدد الموظفين والعمال. كما انه لم يسبق إقرارها وقف التوظيف الذي استمر.

ويقول غبريل "للاقتصاد " : لقد اختلفت كلفة هذه السلسلة عن التقديرات التي وضعت في العام 2012. ووفق وزير المال انه بين 2014و2017 تم إدخال 26 الف موظف الى القطاع العام .

و ثمة من يلفت الى إدخال 4500 موظف على نطاق البلديات.

اذا التكلفة الحقيقية للسلسلة لم تعتمد على اي دراسة اكتوارية ما حتم وقوعنا اليوم في مشكلة تأمين مصادر التمويل. لاشك انه تم اتخاذ القرار لاسباب انتخابية، وليس اجتماعية او مالية. لهذا لمسنا ظهور التداعيات مباشرة. وكل الضرائب التي أقرت اسفرت عن نتائج سلبية طالت الاقتصاد الذي اعتراه الجمود وباتت كل مداخيل الدولة في تراجع مستمر.

وذكر غبريل ان بنود إقرار السلسلة توجب تنفيذ الآتي:

1- وقف التوظيف في القطاع العام.

2- بدء المسح لعدد الموظفين والاجراء في القطاع العام.

3- المباشرة بتقييم اداء الموظفين والعمال حيث من المفترض ان يتم توزيع الفائض وفقاً للحاجات الفعلية.

4- توصيف الوظيفة في القطاع العام ،علما ان نسبة 85% من الموظفين هم بدون توصيف.

ويرى غبريل وجوب تعديل القانون ووضع الاجراءات المناسبة لكبح تداعيات نظام التقاعد المعمول به والذي هو السبب الرئيسي لارتفاع كلفتها.

ويشير في هذا السياق ، الى انه في معرض الحديث عن النفقات في موازنة 2017 تبين ان المخصصات التي سددت لمرفق الكهرباء هي مليار 300 مليون دولار ولتمويل السلسلة كانت مليار و600 مليون دولار.

من هنا، كان من الضروري وضع دراسة علمية على المدى المتوسط والطويل ليكون اعطاء السلسلة على مستوى الآمال.

بالامس القريب، قال نائب رئيس البنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط فريد بلحاج : "إذا بقيت الأمور كما هي، ولم يتمّ تحريكُ الإصلاحات، من الواضح أنّ أمراً ما سيحصل، لا أستطيع أن أحدّد وقتاً لحصوله، أسابيع أو أشهر، ولكنني أرى أنّ هذا الأمر السيّء سيحصل. الواقع أنّ كل المؤسسات الرسمية لا تعمل بشكل جيد، باستثناء مصرف لبنان. والمفارقة أنّ كل المؤسسات واللبنانيين يتطلّعون الى مصرف لبنان للمساعدة على صمود البلد. ونحن في الحقيقة لطالما راهنّا على مصرف لبنان، وعلى حاكمه رياض سلامة وهو رجل استثنائي، يقود المركب في ظروف صعبة جداً. إننا نرفع القبعة لقدرات هذا الرجل، لكن لا يمكن تحميلُه كل شيء، والاتّكال أنّ البلد يستطيع أن يستمرّ هكذا".

السلسلة اصبحت واقعاً ليس من السهل إبطالها. كما انه لا يجوز الاعتماد على اعبائها لتبرير الهروب من معركة تصحيح الاجور ورفع الحد الادنى في القطاع الخاص التي يتمسك بها الاتحاد العمالي . وللإفلات من دوامة مفاعيل هذه السلسلة لا بد من تسريع تشكيل الحكومة وإطلاق مشاريع سيدر- 1-، دون اغفال اهمية سد ابواب التهرّب الضريبي الذي ما يزال باب الهدر الأول بالنسبة الى خزينة الدوّلة، والذي بمحاربته تستطيع الدولة سدّ عجزها وإستخدام الأموال المُستحقّة في الإستثمارات المحركة للنمو ولفتح آفاق جديدة في فرص العمل.