هي سيدة ​أعمال ناجحة​ وطموحة، وناشطة اجتماعية في العمل التطوعي. لم تكتفِ فقط بدورها المهني، بل صنعت لنفسها أيضا دورا آخر لا يقل أهمية، ألا وهو الدور الاجتماعي، لتؤكد بذلك أهمية وجود المرأة ومساهمتها في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، الى جانب تنشئتها للأجيال الصاعدة.

هي مثال للمرأة المثابرة وذات الإرادة القوية، وليس بهدف تحقيق ذاتها فحسب، بل من أجل تطوير مجتمعها بكافة أطيافه، وتمكينه؛ اذ تساعد رواد الأعمال في البحث عن النتيجة الرائعة التي يستطيعون تقديمها لأنفسهم من جهة، ولمجتمعاتهم من جهة أخرى.

ومن هنا، فإن اهتماماتها العملية والتكنولوجية والاجتماعية جعلت منها امرأة ​لبنان​ية متميزة بالفعل، كما أن عملها الهادف يعطيها الدافع الدائم من أجل الإنطلاق والسير نحو النهوض بشركتها ومجتمعها، مع الحرص على تأمين مستقبل أفضل يواكب كافة التطورات الحاصلة.

"الاقتصاد" التقت مع مؤسسة شركة "Libro" سارة عبدالله، للتعرف اليها والى شركتها التي تساعد المواهب والمشاريع اللبنانية.

ما هي المراحل التي مررت بها حتى وصلت الى ما أنتِ عليه اليوم؟

حصلت في العام 2011 على إجازة في هندسة الاتصالات، وبعد التخرج توظفت على الفور في شركة "Murex"، حيث بقيت لمدة ست سنوات، سافرت خلالها الى ​أوروبا​ والشرق الأوسط من أجل الاجتماع بالزبائن.

والى جانب وظيفتي، كنت أعمل مع أكثر خمس جمعيات من أجل تمكين المرأة و​الشباب​. فلطالما أحببت مساعدة هذه الفئة من الأشخاص، ولاحظت من خلال مسيرتي، مدى النقص الذي تعاني منه، من ناحية التوجيه، ما يمنعها أحيانا من تحقيق النجاح الكامل في الحقل المهني.

ولا بد من الاشارة الى أنني لا أؤمن بـ"الواسطة"، بل بأهمية العمل الذاتي على صقل المهارات الشخصية وتطويرها؛ فـ"الواسطة"، مؤقتة والشخص "المتوسِّط" الذي يشغل منصبا معينا، لن يبقى مدى العمر، بينما المهارات التي نكتسبها بأنفسنا ستبقى معنا على الدوام.

وإيمانا مني بهذا المنطلق، بدأت بالعمل التطوعي المكثف، ما ساعدني على بناء شبكة كبيرة من حولي، واكتساب ثقة الأشخاص.

عام 2016، تم قبولي في برنامج تبادل مع وزارة الخارجية الأميركية، وسافرت حينها الى ​الولايات المتحدة​ حيث قضيت حوالي ستة أسابيع في "Silicon Valley" في ​سان فرانسيسكو​، وعملت على فكرة شركتي الخاص.

وفور عودتي الى لبنان، قدمت استقالتي من وظيفتي في "Murex"، وأطلقت "Libro".

وبالاضافة الى ذلك، أدير مع زوجي صلاح "Facebook Developpers Community" في لبنان، التي نتعاون من خلالها مع أكثر من 1600 مبرمج، لنساعدهم على تطوير مهاراتهم، وإيجاد فرص العمل، وتحقيق النجاح محليا وعالميا.

ما هي طبيعة عملكما في "Facebook Developpers Community"؟

نحن نعمل مع شركة "فيسبوك" ولكن ليس كموظفين، بل كقادة للمجتمع؛ أي أننا نتعاون بشكل تطوعي معها من أجل مساعدة المبرمجين.

ما هي أهداف شركة "Libro"؟

"Libro" تقدم خدماتها لجميع الأشخاص المتخصصين في مجال العلوم، التكنولوجيا، والهندسة، من أجل تطوير مهاراتهم الشخصية.

اذ كشف التقرير الصادر عن "​المنتدى الاقتصادي العالمي​" حول مستقبل الوظائف، أنه في العام 2022 سوف نخسر 75 مليون وظيفة خلال أربع سنوات، لنربح في المقابل 133 مليون وظيفة ذات صلة بالتكنولوجيات والمهارات الشخصية وكيفية التواصل مع الناس.

ومن هنا، أسعى من خلال "Libro" للتركيز على هذه المبادئ مع الخريجين والعمال والموظفين أيضا. وأقدم بنفسي الدورات التدريبية، كما نتعاون مع مدربين حققوا نجاحات كبيرة في شركاتهم الخاصة، لكي يشاركوا خبراتهم مع الأشخاص الذين يحتاجون الى التدريب والتوجيه؛ لنكون بذلك بمثابة صلة وصل بين الطرفين.

كما أساعد في توظيف ​المطورين​، لأن المشكلة الموجودة في لبنان تكمن في رغبة الشركات في مواكبة ​التطور التكنولوجي​، في ظل غياب المعرفة والثقافة الفعلية حول هذا الموضوع، ومن هنا لا تتمكن في معظم الأحيان من إيجاد الشخص المناسب للمكان المناسب. وبالتالي نعمل على توعية الشركات حول متطلباتها المحددة في مجال التكنولوجيا، ونحاول في المقابل إيجاد شخص قادر على تلبية هذه الحاجات لكي يحصل على الوظيفة، ما سيخفف من نسبة ​البطالة​، ويسهم في تحريك العجلة الاقتصادية.

هل أن خدمات "Libro" متوفرة لجميع الميزانيات؟

نعم بالطبع، فأسعار الخدمات مرتبطة بنوع التدريب وبالمدربين، أكانوا محليين أو إقليميين أو عالميين. ولكن نحاول قدر الإمكان القيام بكل ما يلزم لكي تكون أسعار خدماتنا في متناول الجميع.

والجدير ذكره هنا، أن المدربين اللبنانيين رائعين، ويستطيعون منافسة أولئك العالميين بخبراتهم ومهاراتهم.

ما هي أبرز التحديات التي تواجه "Libro"؟

أولا، المشكلة في لبنان تكمن في غياب التوعية حول أهمية التدريب، وبالاضافة الى ذلك نجد عددا كبيرا من الأشخاص الذين يسمون أنفسهم مدربين، في حين أنهم لا يتمتعون بالمهارات والمقومات الكافية.

ثانيا، الصعوبة الأكبر تتمثل في أن معظم الشباب لا يؤمنون بالمستقبل في لبنان ويعانون من غياب التحفيز. كما أن 80% منهم مقتنعون أن "الواسطة" وحدها قادرة على توظيفهم، ومهما كانت مهاراتهم عالية، لن يتمكنوا من الوصول الى أي مكان؛ مع العلم أن هناك العديد من فرص العمل المتاحة في لبنان، في حين أن نسبة البطالة بلغت 47%.

وأعتقد أنه يجب أن يشعر الشخص بالارتياح النفسي والاجتماعي لكي يتمكن من تطوير مهنته. فتغيير العقلية يحصل ببطء وهنا يكمن التحدي الأكبر. وبالتالي فإن نصيحتي هي التوجه الى الأشخاص المتخصصين لكي يعرف صاحب المشروع كيف يتطور ويتقدم الى الأمام.

ما الصفات التي ساعدتك على التقدم والنجاح في رحلتك المهنية؟

أولا، أمارس عملي بحب و​صدق​، وذلك بسبب إيماني بإمكانيات الأشخاص وقدرتهم على تحقيق النجاح؛ اذ ليس من السهل أن يكون الانسان رائد أعمال في لبنان.

ثانيا، سنوات العمل التطوعي ساعدتني على تكوين الشبكة التي يحتاج اليها صاحب الفكرة أو المشروع من أجل الانطلاق؛ ومن هنا يمكن التأكيد أن النشاط الاجتماعي التطوعي يفيد الشخص في الحاضر والمستقبل أيضا، لأنه يكسبه عامل الثقة.

ثالثا، الدعم الذي أتلقاه، اذ أعتبر نفسي محظوظة بزوجي صلاح، لأننا نعمل معا في المجال ذاته، وبالتالي ندعم بعضنا بعضا من أجل التقدم الى الأمام.

هل تنجحين في تحقيق التوازن بين الحياة الخاصة والعمل بسبب التعاون الحاصل مع زوجك؟

الانسان قادر حتما على تنظيم أوقاته، وأنا شخصيا أخصص في مفكرتي فسحة للزيارات العائلية والمشاريع الاجتماعية والخاصة؛ فعندما نحدد الوقت الخاص، سنتمكن في المقابل من تنظيم وقت العمل، ولكن اذا ملأنا مفكرتنا بأوقات العمل وتركنا فترات الفراغ للأمور الشخصية، لن نتمكن أبدا من تخصيص الوقت للمواضيع الخاصة.

فإذا غرق الانسان بالعمل وهمومه، ونسي حياته الشخصية سيخسر السعادة.

ما هي طموحاتك المستقبلية؟

لكي يتحسن وضع لبنان يجب أن يعمل الانسان على ثلاثة محاور:

أولا، تحقيق الاستقلالية الاقتصادية للشباب، وصقل مهاراتهم.

ثانيا، تحسين الثقافة الاجتماعية والعقليات.

ثالثا، الاهتمام بالسياسة من خلال المطالبة بقوانين قادرة على مساعدة الشباب.

رابعا، العمل التطوعي مهم للغاية للشباب، ويعزز الاحساس بالانسانية؛ وهذا ما نحن بحاجة اليه في لبنان.

ومن هنا، سأشعر بالسعادة العارمة اذا التمست أي تغيير ايجابي في عقلية الشباب.

ما هي نصيحة سارة عبدالله الى المرأة؟

أنصح المرأة أن تخرج من الحدود الموضوعة أمامها، اذ يحاول المجتمع في معظم الأحيان أن يدفعها الى الاختيار بين عائلتها وعملها، بحجة أنها غير قادرة على التنسيق بين الاثنين.

وهذا المبدأ خاطئ للغاية، لأنها قادرة حتما على تحقيق التوازن، اذا كانت مرتبطة بالشخص المناسب والداعم، الذي يريد أن يساعدها، لا أن يحد من طاقاتها وقدراتها.

ومن هنا يجب أن تختار المرأة بعناية، لأن مسؤولية العائلة تقع على الطرفين في العلاقة، أي الرجل والمرأة؛ وبالتالي فإن تقاسم هذه المسؤوليات سيساعدها على النجاح.

هل التمست أي تقدم في وضع المرأة في لبنان خلال السنوات الأخيرة الماضية؟

المرأة تطالب بحقوقها بشكل ملحوظ، وبالتالي نشهد على نوع من التحسن. لكن مصطلح "النسوية" (feminism) جميل وايجابي، في حين أن "التحيز الجنسي" (sexism) سيء وسلبي.

ولكن الرجال، و​النساء​ أيضا، لا يعرفون في معظم الأحيان ما الفرق بينهما.

وبالتالي تجدر الاشارة الى أن القوة الفعلية تكمن في أن تكون المرأة واثقة بنفسها، وتتحمل المسؤولية، وتستقل وتتشارك مع الآخر. وبهذه الطريقة ستتمكن من إقناع الرجل بتقبل قوتها واستقلاليتها.

فاذا استخدمت استقلاليتها بشكل خاطئ، سيحاربها الرجل دائما، بينما اذا استثمرت القوة بطريقة صحية ومفيدة، سيتقبل الرجل هذا الأمر، وسيقدم تشجيعه الكامل.