"مكانك رواح"! بهاتين الكلمتين تتلخص الأزمة الحكومية في لبنان، اذ مرت أشهر على الفراغ، ولا زلنا الى حد اليوم نعيش في دوامة سياسية، تنقلنا من عقدة الى أخرى، وتفرض علينا حالة من الترقب والقلق.

فالمصالح الحزبية والمذهبية والطائفية، وحتى الشخصية، تتحكم بنا وبمصيرنا. وفي المقابل، تستمر حدة الظواهر الاجتماعية بالتفاقم مع مرور الأيام، لترتفع نسب البطالة والفقر، وتتراجع الاستثمارات المحلية والخارجية، وتتأزم حالة الزراعات والصناعات المحلية،...

فللأسف لا أحد يبالي بالتحذيرات التي تدق ناقوس الخطر حول الأوضاع الاقتصادية والمالية في البلاد. كما أن المسؤولين لا يبالون بالتعطيل وتداعياته على حساب الوضع الاقتصادي بكافة مؤشراته وقطاعاته. والتدهور الحاصل لا ينال اهتمام المعنيين الذين يتلهون بالصراعات وبتقاسم الحصص.

من جهة أخرى، تأمّل اللبنانيون بالخير بعد إعادة فتح ​معبر نصيب​ في الشهر الماضي، واعتبروا هذه الخطوة بمثابة فتحة أمل وتفاؤل من شأنها تنشيط حركة التصدير، والتخفيف عن كاهل الصناعيين والزراعيين كلفة النقل المرتفعة والبديلة؛ لكن النتيحة لم تأتِ للأسف على قدر التوقعات.

وفي سياق آخر، تم رفع الغطاء عن الجهات الملوثة لنهر الليطاني، ما أدى الى إغلاق عدد لا بأس به من المصانع المخالفة، بشكل مؤقت.

وبالتالي فإن جميع هموم ومشاكل البلد، ملقاة على كاهل هذا الاقتصاد الذي يعاني بالأساس من تراجع ملحوظ، ويعيش فترات صعبة في محاولة منه للتصدي لـ"الرصاصات" المختلفة الموجهة اليه يوميا.

وكان لـ"الاقتصاد" مقابلة خاصة مع نائب رئيس جمعية الصناعيين زياد بكداش، الذي تطرق الى المواضيع المشار إليها أعلاه:

ما هو مصير التحركات التي وعدت بها الهيئات الاقتصادية في حال عدم تشكيل الحكومة؟

في الاجتماع الأخير للهيئات الاقتصادية شهدنا على نوع من "الاشمئزاز" من قبل الأعضاء، بسبب عدم مبالاة بعض الأفرقاء السياسيين بالوضع الاستثنائي الذي يمر به لبنان.

مع العلم أن وزير المالية علي حسن خليل كان واضحا في الجلسة الأخيرة لمجلس النواب، حين أشار الى أن الوضع بات خطرا للغاية ولم يعد يحتمل التأجيل، وحتى أن الأموال الاحتياطية لم تعد موجودة.

وقد لفتت الهيئات في وقت سابق الى إمكانية تنظيم تحركات وإضرابات بسبب عدم تشكيل الحكومة، إلا أنه الى حد اليوم لا يوجد أي قرار نهائي بهذا الخصوص. لكننا نشعر دائما بالتفاؤل، ومن هنا نتمنى أن نشهد على حلول أو حتى بوادر حلول في موضوع التشكيل.

فالجميع يعي تماما أن قرار الهيئات الاقتصادية وخاصة الصناعيين بالاضراب ليوم واحد أو يومين حتى، ليس سهلا أبدا، لأن المصانع والشركات ستتكبد خسائر كبيرة، كما أن الإغلاق سيضر بمصالحنا، وخاصة أن هناك مصانع لديها التزامات مع الزبائن، وأخرى لا تستطيع إطفاء آلاتها التي تعمل على مدى 24 ساعة.

وبالتالي لا يوجد أي حديث عن التصعيد، ولكن اذا استمر الوضع على ما هو عليه، فنحن نسير حتما على هذه الخطى، لأن نهاية النفق الحالي سوداء، والوضع لم يعد يحتمل التأجيل.

ولكن نحن متفائلون، ولدينا ثقة برئيس الحكومة المكلف ورئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب، وبقدرتهم على إيجاد الحلّ.

ما هي الأولويات التي يجب أن تهتم بها الحكومة فور تشكيلها؟

أولا، موضوع "سيدر"، فصحيح أنه لا يحمل إفادة مباشرة للاقتصاد، ولكن نتائجه غير المباشرة كثيرة ومفيدة؛ اذ أن البنى التحتية تشكل عاملا مهما للاقتصاد الوطني، وتسهم في دعم جميع القطاعات.

ثانيا، نحن كصناعيين طالبنا في الماضي ونطالب اليوم بإعادة دراسة الاتفاقيات التجارية بين لبنان والدول، لأن للأسف، نجد أن العديد من الاتفاقيات لم تكن لمصلحة لبنان، والفرص غير متساوية. والأهم من ذلك، أن لبنان هو الوحيد الذي يطبق هذه الاتفاقيات في حين أن الأطراف الأخرى تتوانى عن التطبيق. والمثال على ذلك سوريا والعراق والمغرب والجزائر والدول الأوروبية حيث لا يسمح للبناني تصدير الأدوية ومنتجات الألبان والأجبان، مع العلم أن هناك شركات فرنسية شريكة ببعض المصانع في لبنان.

ولهذا السبب لا نطلب الإلغاء بل التعديل أو الاجتماع مع هذه البلدان من أجل الوصول الى نتيجة عادلة وترضي الأطراف كافة.

ثالثا، موضوع الكهرباء، لأن هناك مصانع عدة لديها طاقة عالية ومكثفة، وتدفع فواتير مرتفعة. وكنا قد طلبنا بعض الدعم إسوة بالبلدان العربية التي وقعنا معها اتفاقيات تجارية.

رابعا، من المطلوب التصديق على خطة "ماكينزي" في مجلس النواب، وإرسالها الى مجلس الوزراء من أجل البدء بتطبيقها.

الى أي مدى سوف يؤثر الإقفال المؤقت لبعض المصانع المحاذية لنهر الليطاني على القطاع الصناعي اللبناني؟

معظم المصانع التي لا تلتزم بالمعايير المطلوبة منها، لا تمتلك رخصا صناعية أو غير منتسبة الى جمعية الصناعيين. وبالتالي فإن الإغلاق لا يؤثر سلبا على القطاع الصناعي، وأنا شخصيا أؤيد خطوة الإغلاق المؤقت الى حين استحصال تلك المصانع على الرخص القانونية، التي تفرض عليها العمل بحسب المعايير الصحية والبيئية المفروضة.

ونحن في جمعية الصناعيين، لا نقبل باستمرار عمل أي مصنع يلوّث بيئة لبنان على حساب الشعب اللبناني. ومن هنا نناشد كل المصانع المنتسبة الى الجمعية أو غير المنتسبة، أن تلتزم بجميع المعايير المفروضة عليها. كما نشكر وزير الصناعة حسين الحاج حسن على إغلاق المصانع غير المرخصة والتي تلوث البيئة وتضر بصحة المواطن.

مع مرور حوالي شهر على إعادة فتح معبر نصيب، هل تحسنّ وضع الصناعات اللبنانية وحركة تصديرها؟

لم نشهد على أي تحسن مع إعادة فتح المعبر، فقبل الحرب السورية كانت تمر 300 سيارة يوميا من هذا المعبر، في حين أنه خلال فترة شهر أو أكثر، يمكن إحصاء عدد السيارات على أصابع اليد، وذلك لسببين:

أولا، السبب الأساسي هو الرسوم المرتفعة التي فرضتها الدولة السورية بحسب حجم الشاحنات التي تمر على حدودها؛ فعندما استخدمنا الخط البحري، ذات التكلفة المرتفعة، كان اهتمامنا مصبوبا على إعادة فتح المعبر، لكي تعود الكلفة الأساسية، ولكن للأسف لم يحصل ما توقعناه.

ومن هنا أستغرب أن الوزراء اللبنانيين المعنيين بهذا الموضوع لم يخططوا بعد لاجتماعات ثنائية مع الدولة السورية. فنحن بحاجة الى وفد رسمي مؤلف من الوزراء ورجال الأعمال الذين لديهم علاقات مباشرة، تجارية أو غير تجارية مع سوريا، للتشاور حول هذا الموضوع.

ثانيا، لم تعد وسائل النقل البرية متوفرة مثلما كانت في الماضي، فعندما تم إغلاق المعبر، قام أصحاب الشاحنات ببيع شاحناتهم والاستغناء عنها.

كما أن الخليج العربي لا يقبل بدخول السيارات السورية والسائقين السوريين الى أراضيه.