خاص ــ الاقتصاد

لم يقتصر النزاع القائم في الدعوى القضائية العالقة أمام الغرفة الابتدائية الثالثة في جبل ​لبنان​، بين المحامي سالم عوالي من جهة، وورثة المرحوم محمود قانصو ومن بينهم نبيل ومحمد قانصو، على طرفي القضية، بل أوصلت خبيري خطوط محلّفين الى السجن، بحيث لم يجد نبيل ومحمد من سبيل لكسب الدعوى الا عبر إنكار التوقيع المنسوب الى مورّثهم، وبنتيجة المحاكمة تقرر في السادس من حزيران 2017، تعيين خبير الخطوط المدعى عليه ميشال جدعون، لإجراء عملية مضاهاة الخطوط توصلاً للبت بمسألة صحة التوقيع.

هنا ظنّ المدعى عليه نبيل قانصو، وهو من رجال الأعمال المغتربين والمتمولين، أن بإمكانه التأثير في حسن سير العدالة، واعتماد ال​رشوة​ والأساليب الملتوية توصلاً لتحقيق مبتغاه، فتوافق مع شقيقه المدعى عليه محمد قانصو على تدبير الأمر، واستعانا بأحد معارفهما المدعى عليه يوسف خير الدين، وهو عميد متقاعد وخبير معتمد لدى المحاكم، وسبق أن توسطا لديه مراراً حين كان في موقعه الأمني لحلّ مشاكلهما، وكلّفاه بالمهمة لقاء مبلغ كبير سدداه لهذا الأخير، وهنا قبل المدعى عليه يوسف خير الدين هذه المهمة، واتصل بالمدعى عليه يوسف جدعون، وعرض عليه الأمر فلاقى عرضه قبولاً لدى الأخير، الذي قبض مبلغ ثمانية آلاف دولار من يوسف خير الدين.

إنفاذاً للاتفاق المشار اليه، وضع ميشال جدعون تقريراً فنياً مبهماً، قدمه الى ال​محكمة​ في 31 تموز2017، شكك بنتيجته بصحة التواقيع المنسوبة الى المرحوم محمود قانصو، ولم يتطرق في خلاصته الى البحث في مدى توفير التزوير من عدمه، الا أن هذه النتيجة استوقفت رئيس المحكمة فطلب استيضاح الخبير جدعون، وبتاريخ 22 آب 2017 قدم المدعي المحامي سالم عوالي مذكرة، أرفقها بقرص مدمج عرض بموجبها أنه ​علم​ بالتواتر بأن الخبير ميشال جدعون على علاقة بالمدعى عليهما نبيل ومحمد قانصو، وبأنه استدرج الخبير وتمّ تسجيل اللقاء حيث اعترف الأخير في سياقه بأن المدعى عليه يوسف خير الدين تولى المسألة، وطلب منه كتابة تقرير يثير الشكّ حول مدى نسبة التوقيع الى مورّث المدعى عليهما نبيل ومحمد قانصو، مع أن التوقيع يعود بنسبة 100% الى المرحوم محمود قانصو، وذلك لقاء مبلغ عشرة آلاف دولار قبضها من يوسف خير الدين.

وبالفعل اعترف المدعى عليه ميشال جدعون مجدداً بقبض مبلغ عشرة آلاف دولار أميركي، وشرح الأسلوب الذي اعتمده والنقاط التي استند اليها لتحريف الحقائق وخلق الشكّ لدى المحكمة، بالتعاون والتنسيق مع المدعى عليه يوسف خير الدين الذي انضمّ حديثاً الى جدول الخبراء المحلّفين، ووعد أنه في حال طلبت منه المحكمة الابتدائية ــ الغرفة الثالثة، إعطاء جواب حاسم سيدلي بعدم وجود تزوير إنما بصورة غير قطعية باستعمال عبارة "يمكننا القول أن التوقيع صحيح"، واتضح أن الخبير ميشال جدعون، عاد وقال في تقرير ملحق لتقريره الأول: "يمكننا القول أن جميع التواقيع الصادرة عن يدّ كتابية واحدة، وهي يدّ المرحوم محمد قانصو". وقد أعلم المدعى عليه نبيل قانصو بهذا الأمر قبل الإدلاء بإفادته أمام رئيس المحكمة الابتدائية.

وتبين أن رئيس المحكمة الابتدائية في جبل لبنان ــ الغرفة الثالثة القاضي محمد مرتضى، أحال بموجب القرار الصادر في الثامن من كانون الثاني 2018، الى جانب النيابة العامة التمييزية مستندات دعوى عالقة بين المحامي سالم عوالي وورثة المرحوم محمد قانصو، تبين منها أن الخبير ميشال جدعون، أعدّ تقريراً مخالفاً للحقيقة لجهة حصول تزوير أو تحريف في التوقيع المنسوب الى المرحوم محمود قانصو في الاتفاقيات الثلاث الموقعة بينه وبين المحامي عوالي بشأن بناءين على العقار 930 في منطقة حارة حريك العقارية.

وخلال التحقيق الأولي تبين وجود تسجيلات بالصوت والصورة تكشف بوضوح أن الخبير ميشال جدعون قبض مبلغ عشرة آلاف دولار من المدعى عليهما الأخوين نبيل ومحمد قانصو، وهما من ورثة المرحوم محمود قانصو، بواسطة العميد المتقاعد في ​قوى الأمن الداخلي​ يوسف خير الدين، وذلك من أجل التشكيك بصحة توقيع المرحوم محمود قانصو على الاتفاقيات الثلاث، على الرغم من أنه أقرّ في التسجيل الصوتي المنسوب اليه، أن التوقيع يعود الى المرحوم محمود قانصو بنسبة 100%.

وقد أنكر الخبير ميشال جدعون ما أسند اليه خلال التحقيقات الأولية والاستنطاقية، ونفى أن يكون التقى بالمدعى عليه يوسف خير الدين بعد احالته على التقاعد سوى مرّة واحدة، كما أنكر الأخير أي علاقة له بموضوع الدعوى الراهنة وتزوير تقرير الخبير جدعون، مؤكداً أنه لا يعرف أحداً من آل قانصو ولم يتصل بالخبير جدعون كما أنكر المدعى عليهما نبيل ومحمد قانصو ولم يكن لهما علاقة بالنزاع القضائي.

الوقائع المفصّلة لهذه القضية، وردت في القرار الظني الذي أصدره قاضي التحقيق في جبل لبنان زياد الدغيدي، وأكد فيه أن خبير الخطوط المحلّف لدى المحاكم ميشال جدعون، وفي معرض تكليفه من قبل المحكمة، أقدم على التماس رشوة والقيام بأعمال تتنافى مع واجباته الوظيفية وعلى إساءة استعمال السلطة من أجل القيام بأعمال غير مشروعة، وعلى وضع تقرير مخالف للحقيقة والواقع، مشيراً الى أن المدعى عليهما نبيل ومحمد قانصو سددا مبلغاً كبيراً من المال الى المدعى عليه يوسف خيرالدين، وهذا الأخير سدد مبلغ عشرة آلاف دولار بمثابة رشوة الى الخبير جدعون وأن أفعالهم جميعاً يؤلف جرائم المواد 352 و353 و412 من قانون العقوبات، التي تصل عقوبتها الى الأشغال الشاقة عشر سنوات، وأحالهم جميعاً على محكمة الجنايات في جبل لبنان لمحاكمتهم.