ليلى التنير هي سيدة لبنانة خلاقة ومتألقة. انطلقت بمشروعها المهني بعمر الستين، ولم تجعل من هذا الواقع حاجزا أمام تحقيق النجاح والوصول الى أهدافها العملية. فأتثبت بذلك أن العجز هو بالنفس والتفكير فقط، في حين أن الشباب هو إحساس وليس عمر أبدا.

ذوقها جميل وراق، تصاميمها مميزة وفريدة، وشخصيتها ذات طابع متواضع وودود. أما مسيرتها، فهي مثال على أن النجاح لا يتوقف عند سن معينة، وأن الانسان قادر على تحقيق الأحلام مهما تقدم به العمر.

حول هذه التجربة الشيقة والمحفزة، حاورها موقع "الاقتصاد":

من هي ليلى التنير؟

أنا أم لخمسة أولاد، ولطالما أحببت كل ما له علاقة بالفن والموضة. ومنذ أكثر من 20 سنة، كنت أصمم وأنفذ، من داخل منزلي، الأوشحة والكابات (capes)، المصنوعة من الأقمشة المميزة والتي تم اختيارها بعناية.

لكنني لم أكن على دراية بتقنيات الخياطة، فعلمت نفسي بنفسي، وقد شجعني على ذلك، شغفي الكبير بعملي. اذ بطبيعتي أعشق التحدي، ولهذا السبب حدّدت لنفسي فترة من الوقت لكي أنظم معرضي الخاص. وخلال شهر فقط، تمكنت من إنهاء أكثر من 45 قطعة، رغم انشغالاتي كوالدة وزوجة وسيدة مجتمع.

وقد لاقت هذه القطع إعجاب الجميع ونالت الأصداء الايجابية واستقطبت زبائن من الخليج وأوروبا؛ فعندما نعطي لعملنا بحبّ، سيرد لنا هذا العطاء بالمقابل.

استمريت بهذا المشروع لمدة حوالي سنتين، ولكن بعد ذلك زادت مسؤولياتي العائلية، وشعرت أيضا بالتعب الجسدي لأنني كنت أنفذ القطع بمفردي من الألف الى الياء، ففضلت الانسحاب من الساحة لفترة.

ومن ثم قررت ارتداء الحجاب، واخترت في البداية الحجاب التقليدي. ولكن بسبب حبي للموضة والاكسسوارات المميزة، أردت التغيير في طريقة ارتدائي للحجاب. وبدأ الأصدقاء يحبون ما أقوم به ويطلبون مني تعليمهم الطريقة، وخياطة الحجاب الجاهز لهم.

من هنا، فكرت بالعودة مجددا الى العمل تحت اسم "Turbans de Leila"، فبدأت على نطاق متواضع، وأطلقت صفحتي الخاصة على موقع "انستغرام"، وشاركت في معارض محلية وإقليمية - فالسوق اللبناني صغير للغاية ولا يكفي وحده، كما أن وجودنا في الخارج يعطي صورة جميلة عن الشعب اللبناني المعطاء والخلاق، والذوق اللبناني المميز.

فقدمت العمائم (turbans) المتنوعة، بالاضافة الى القطع الخاصة بكل موسم (ملابس الشاطى، العباءات، سترات الجينز، القفطان،...). وبالتالي فإن القاعدة الأساسية للعمل هي العمامة، لكن في كل موسم أسعى الى تقديم التصاميم المكمّلة لها.

كيف قررت الانطلاق مجددا بعمر الستين، أي العمر الذي يتحضر فيه الناس بالعادة الى التقاعد؟

عندما بدأت بالعمل للمرة الأولى، كنت أبلغ من العمر 40 سنة، واليوم أصبحت بعمر الـ62 سنة، وعدت بمشروعي الجديد منذ سنتين فقط. ومنذ ذلك الوقت، أستيقظ صباح كل يوم بنشاط لكي أبحث عن الأقمشة، وأخلق التصاميم والموديلات الجديدة، وأتابع سير العمل مع الخياطين، وأستقبل الزبائن، وأفكر بطرق لبيع المنتجات وتصديرها الى الخارج،...

وبالتالي فإن الموهبة التي أعطاني إياها الله تشكل الحافز الذي يشجعني على العمل. اذ لا يجب أن تتحجج المرأة الموهوبة بأنها تقدمت بالسن، وذلك لأنها قادرة على العطاء في كل مرحلة عمرية، ولا شيء يستطيع أن يوقفها عندما تتحلى بالطموح وبالرغبة في العطاء.

كيف تواجهين المنافسة الموجودة في الأسواق؟

أولا، الـ"turbans" موجودة بكثرة، ولكن أحيانا اللمسة الصغيرة قد تغير الكثير. فالعمامة هي موضة، ونحن لا نقدمها للسيدة المحجبة فحسب، بل لكل السيدات.

ثانيا، علاقتي مع الزبائن تساعدني على التميز، فأنا لست تاجرة بل فنانة تحب عملها وقطعها الفنية.

ثالثا، أقدم دائما النصائح للسيدات حول ما يناسبهن من ألوان وأشكال.

هل يمكن اعتبار المنافسة عامل ايجابي في مجال الأعمال؟

المنافسة ايجابية حتما وتساعد على التقدم، فكلما ارتفع عدد المنافسين، كلما زادت أهدافي من أجل خلق الأفكار الجديدة وتقديم الأسعار الأفضل.

هل لا زلت الى حد اليوم تعملين بمفردك وتقومين بجميع المهمات من الأف الى الياء؟

بات لدي اليوم فريق عمل مساند، وذلك لأن كمية العمل زادت وتوسعت. وبالتالي نوظف خياطين متخصصين لكل منتج. لكنني أشتري بنفسي الأقمشة، وأختار الموديلات، وأشرف على سير العمل.

ومن هنا تحول عملي الصغير والمتواضع الى استثمار أسهم في خلق فرص عمل للبنانيين.

هل تلاقي الـ"turbans" إقبالا من المرأة اللبنانية؟ وهل تقبلت كل السيدات المحجبات هذه الفكرة العصرية؟

في البداية لم يتقبل الناس ما نقدمه، واستقطبت تصاميمنا اهتمام السيدات غير المحجبات. ولكن مع الوقت، وجدنا أن هناك نسبة من المحجبات اللواتي يفضلن الأمور التقليدية، وفي المقابل توجد نسبة ترغب في القيام بما هو جديد، مع الحفاظ طبعا على السمات الشرعية، أي تغطية الرقبة والأذنين.

واليوم أسعى الى تقديم الموديلات الكلاسيكية الى جانب تلك العصرية، طبعا مع إضافة لمستي الخاصة والمميزة.

ما هي الصفات التي ساعدت ليلى التنير على التقدم في العمل؟

أولا، يجب أن تكون المرأة منظمة، وتدرس السوق المستهدف واستراتيجة العمل. ولهذا السبب، لم أركز فقط على السوق اللبناني، بل عملت على الامتداد الى الخارج من أجل ضمان استمرارية عملي.

ثانيا، يجب الحصول على فريق عمل مساند؛ فعلى سبيل المثال ابنتي تهتم بل ما له علاقة بوجود العلامة التجارية على وسائل التواصل الاجتماعي.

ثالثا، يجب تأمين رأس المال اللازم من أجل السفر والمشاركة في المعارض.

من قدم لك الدعم خلال مسيرتك؟

تلقيت الدعم الأكبر من زوجي وأولادي، فعندما يحظى الانسان الموهوب بالتشجيع اللازم من محيطه، سيتمكن حتما من العطاء.

ولا بد من الاشارة الى أن أفراد عائلتي لم يشكّوا يوما بقدراتي، بل على العكس لطالما قدروا عملي، وعبروا عن فخرهم بي.

هل شعرت بالتقصير تجاه العائلة بسبب العمل؟

التقصير لم يكن موجودا أبدا بسبب قدرتي على التنسيق بين جوانب حياتي كافة. فعندما تكون المرأة رئيسة نفسها، وليست موظفة أو مرتبطة بأوقات عمل محددة، ستتمكن من تنسيق جدول أعمالها بالطريقة المريحة لها ولعائلتها أيضا.

هل تعرضت الى التمييز في العمل لمجرد كونك امرأة؟

لم أتعرض أبدا الى هذا النوع من التمييز، فالأمر يعود بالعادة الى شخصية الفرد، وبالتالي عندما تثق المرأة بنفسها، ستفرض ذاتها، ولن تفتح المجال لأي أحد بأن يقلل من قدراتها، بل على العكس.

فكل واحد منا يتميز بشخصه، وبطريقته في العمل والتعامل؛ وهنا يكمن الاختلاف بين شخص وآخر.

ما هي تطلعاتك المستقبلية؟

أتمنى أن أتوسع أكثر في مجال عملي، وفي المنتجات التي أقدمها، مع الحفاظ طبعا على القاعدة الرئيسية لمشروعي، أي الـ"turbans".

ما هي النصيحة التي تودين إيصالها الى المرأة اللبنانية؟

"اعطي، وحاولي، ولا تخافي من التجربة، أكانت ناجحة أم فاشلة". فالمصاعب موجودة حتما في الحياة، لكن التحديات والتجارب تجعلنا أقوى؛ فالتجربة قد ترفعنا الى الأعلى، أو تعلمنا درسا، لكنها لن تضعفنا أبدا.

ومهما تقدم الانسان في السن، لا يجب أن يتخلى عن أهدافه وأحلامه، لأن الطموح يعطي أملا بالحياة.

كما أن موهبة العطاء نادرة جدا، ومن هنا يجب على كل من يتحلى بها، أن يشاركها مع الآخرين. فالانسان قادر على الوصول الى أعلى سلم النجاح، حتى ولو بدأ برأس مال متواضع.