شغلت ​الانتخابات الاميركية​ النصفية التي حصلت هذا الاسبوع الاوساط العالمية، حيث ادلى الاميركيون باصواتهمفي استفتاء حول اداء ​الرئيس الاميركي​ ​دونالد ترامب​ بعد سنتين من ولايته التي كانت موضع جدل واسع بسبب مواضيع الهجرة والصحة والتجارة، وهذه الانتخابات التي تنذر ببداية العد العكسي لولاية ترامب افرزت كونغرس منقسم حيث تمكن الديمقراطيون، من السيطرة على ​مجلس النواب​، فيما احتفظ ​الجمهوريون​ ب​مجلس الشيوخ​ ، نتائج اتت بعد منافسة شرسة بين الطرفين حيث شكل الاقتصاد محور هذا الاستحقاق حيث ركز الجمهوريين على الاداء القوي والمتين للاقتصاد والنمو الكبير وانخفاض معدلات البطالة واعادة التفاوض بالاتفاقيات الدولية كما اولوا اهتماما كبيرا بقضية الهجرة والغاء حق اكتساب الجنسية للمولودين على الأراضي الأمريكية ، في حين ركز الديمقراطيون في المقابل على معارضة ترامب ووعدهم بحماية نظام التغطية الصحية.

ومن الواضح ان المرحلة القادمة من ولاية الرئيس لن تكون كسابقتها، وذلك بسبب بروز اصوات مختلفة داخل ​الكونغرس​ تشير الى أن الرئيس دونالد ترامب سيواجه خلال العامين المتبقيين من ولايته الأولى معارضة أقوى أثناء تمرير الموازنات وبعض التشريعات المهمة، وهذه النواة ستلعب دورا في قضايا السياسة الخارجية ووضع اجندة الرئيس في موضع حرج كما يتوقع ان تزداد الدعوات لبدء التحقيقات في فضائح الرئيس ترامب والقضايا الخلافية الأخرى.

وفي اطار اهمية هذه الانتخابات النصفية ونتائجها الذي وصفها البعض بالزلازلية وتاثيرها وتداعياتها على ​الاقتصاد الاميركي​ والعالمي كان لموقع "الاقتصاد " مقابلة خاصة مع المحلل الاقتصادي الاستاذ مازن مرجي .

- بداية وبرأيك ما هي تداعيات نتائج الانتخابات النصفية الاميركية ؟

من المؤكد بان نتائج الانتخابات النصفية 2018 التي ادت الى سيطرت الاغلبية الديمقراطية على ​مجلس النواب الامريكي​ باغلبية 223 نائب من اصل 435 نائب هو عدد اعضاء مجلس النواب والتي تعتبر وعلى نطاق واسع داخل ​الولايات المتحدة​ بمثابة "اعلان رفض سياسات ترامب" من قبل غالبية الشعب الأمريكي وانه لن يكون بمقدور الرئيس الأميركي دونالد ترامب بعد الان ان يمرر ما يشاء من قرارات او برامج دون اي اعتبار او اعطاء اي وزن للمعارضة من قبل نواب الحزب الديمقراطي.

كما ان هذه النتائج ستؤدي بالتاكيد الى سحب البساط من تحت قدمي الرئيس الأميركي دونالد ترامب وتقيد قدرته وتحجيم نفوذه وبالتالي تعمل على تعطيل او على الاقل تغير المسار والاتجاه الذي كان ياخذ اليه بلاده وخاصة في ما يتعلق بأهم البرامج او الخطط الوطنية التي تؤثر على مصالح الغالبية العظمى من الشعب والمتعلقة ببرامج ​التأمين​ او ​الرعاية الصحية​ مثلا او التأمينات الإجتماعية الأخرى اضافة الى سعيه الدؤوب والهادف الى وضع المزيد من القيود المتعلقة بقوانين الهجرة في بلد ترسخت أسس تكوينها على مفهوم الهجرة المفتوحة نسبيا.

وهنا يبدو ان على ترامب ان يتخلى عن اسلوبه الهجومي الاستفزازي ليس فقط للنواب وانما أيضا لاطياف واسعة من المجتمع الأميركي مما يحتم عليه محاولة الاعتراف بالواقع الجديد ومحاولة التعاون معهم اذا اراد تمرير اي من برامجه، خاصة انه قد بدأت تزداد الدعوات من قبل اطياف المعارضة للعمل على إقصاءه عن الرئاسة وبالتالي التهديد باستمرار التحقيقات حول تجاوزات قانونية تتعلق بانتخابه رئيسا والدور الروسي في ذلك وايضا مسائلته عن اقراراته الضريبة الخاصة التي تحوم حولها الشكوك.

اما مسألة بقاء السيطرة الجمهورية على مجلس الشيوخ فهي بالتاكيد لن تترك ترامب بلا سلاح يواحه فيه الديمقراطيين في مجلس النواب ولكن التغير الحاصل في التوجهات العامة للشعب الأميركي والتحول الملموس في اهتمامته لن تترك لترامب او لمجلس الشيوخ الجمهوري الحرية الواسعة للحكم والتشريع دون الخضوع لارادة ممثلي الشعب في مجلس النواب الديمقراطي وهنا فان الانقسام ان تعمق بين الطرفين سيكون عاملا اضافيا لافشال عمل ادارة ترامب خلال السنتين المتبقيتين له في الرئاسة وربما تعطيل فرص اعادة انتخابة مرة اخرى في العام 2020.

- ما هو أثر الانقسام الكبير الواضح بعد سيطرة الديمقراطين على مجلس النواب وسيطرة الجمهورين على مجلس الشيوخ على الاقتصاد الاميركي خاصة والعالمي ؟

ان حالة الانقسام التي ظهرت بوادرها واضحة في هذه الانتخابات والتي قد تعني ان الجانبين، الرئيس ومجلس الشيوخ الجمهوري من جهة ومجلس النواب الديمقراطي على الجهة المقابلة ان لم يتم تضييقها عبر خطوات تعاونية ومبادرات من قبل الطرف الاول وخاصة الرئيس عبر الاستعداد للتعاون ومحاولة الوصول الى صفقات مع الديمقراطيين في ما يتعلق بالأمور الاقتصادية و​الانفاق​ والاولويات التي يمكن لها ان تلبي رغبات ممثلي الشعب خاصة بايقاف منح الإعفاءات الضريبية السخية للشركات والمؤسسات الاقتصادية الكبرى مقابل حرمان الطبقات العاملة والمتوسطة من الكثير من التأمينات الصحية والاجتماعية والانفاق على ​البنية التحتية​ وبالتالي ان يكون هناك تركيز اكبر على الانفاق على البرامج الداخلية التي تشكل محور اهتمامات الديمقراطيين بعيدا عن سياسة التوسع في الانفاق على ​تحديث​ وزيادة القوة العسكرية الاميركية التي كان يركز عليها ترامب منذ تقلده موقع الرئاسة منذ عامين والانفاق على بناء سور يفصل الولايات المتحدة عن ​المكسيك​ بهدف ضبط الهجرة غير المشروعة.

في المقابل فان الطرفين لديهم الاهتمام بابقاء حركة الاقتصاد الايجابية السائدة حاليا والتي اظهرت الاستطلاعات عن وجود نسبة رضا لا تقل عن 68% من الناخبين عن السياسات الاقتصادية لادارة ترامب وبالتأكيد المحافظة على حالة النمو الإقتصادي التي تحققت مع نهاية النصف الاول من العام الحالي وتجاوزت نسبة ال 3% لاول مرة منذ عدة سنوات وكذلك تراجع نسبة البطالة الى ما نسبته 3.7% فقط حيث تم خلق المزيد من فرص العمل من قبل القطاع الخاص.

وان احتمالات عدم الاتفاق بين الطرفين تبقى ممكنة وقد تؤدي اذا لم يتم التوصل الى اتفاقات كبرى تسعى لل​موازنة​ بين ما يريده كل طرف وخاصة في مجالات وابواب الانفاق فان احتمالات توقف الحكومة عن العمل كما حدث سابقا تبقى احتمالات واردة عندما يصل الطرفين الى طريق مسدود وخاصة في ما يتعلق بتمرير موازنة العام 2020 والتي سبق ان تم الاتفاق على تخفيص بعض ابواب الانفاق فيها ولكن الان ومع نتائج الانتخابات النصفية الأخيرة فقد يحتاج الأمر الى تفاهمات جديدة واعمق في ابواب انفاق أخرى.

- برأيك ما هي تبعات هذه النتائج على ​الدولار​ والاقتصاد وخاصة بعد النتائج الايجابية وارتفاع أسعار الفائدة ؟

رغم ان الاقتصاد الاميركي هو الاكبر في العالم حيث يبلغ حجمه ال 20 ترليون دولار، الا انه قد يكون اكثر تاثرا بمجريات ​الاقتصاد العالمي​ ومؤشراته الخارجة عن سيطرة وتأثير الادارة الاميركية بصورة بارزة.

اما في ما يتعلق بالدولار و​اسعار​ الفوائد فانه من المرجح ان يشكل النجاح الاقتصادي المشار اليه سابقا دورا ايجابيا في استمرار استقرار الدولار والاستمرار في سياسة رفع اسعار الفوائد حسب تقييم المجلس الفدرالي لحاجات السوق الأميركي لمثل هذه الزيادات.

الا انه وحسب رايي لا اتوقع ان يكون هناك انحراف جذري في السياسات الخارجية الأميركية بسبب سيطرت الديمقراطيين على مجلس النواب الذي ينصب اهتمامه على الشؤون الداخلية بصورة أكبر ولكنه يلعب دورا اقل اهمية من مجلس الشيوخ المعني بصورة اوسع بالشؤون الخارجية.

وعادة يكون للرئيس قول ودور كبير ومستقبل في الشؤون الدولية ولكن مجلس النواب قد يكون له دور يلعبه في ما يتعلق بالتحقيقات المستمرة حول ضلوع ​روسيا​ وتدخلها في الانتخابات الأميركية وقد لا يكون لديهم معارضة واضحة لسياسات ترامب في العلاقات التجارية مع ​الصين​ والاتفاقيات التجارية مع كل من ​كندا​ والمكسيك والمفاوضات مع ​كوريا الشمالية​ ولا حتى في ما يتعلق بالموضوع الايراني و​العقوبات​ المفروضة عليها وكذلك الأمر بشؤون ​الشرق الأوسط​ خاصة ان كل التوجهات تعمل لصالح ​اسرائيل​ التي تتنافس كافة الأطراف في أميركا على خدمة ورعاية مصالحها دون تردد.