بدأت ​الولايات المتحدة​، رسميا، بتطبيق الحزمة الثانية من ​العقوبات​ الاقتصادية على ​إيران​، والتي تشمل قطاعات الطاقة والتمويل و​النقل البحري​، ولعل أول القطاعات المتأثرة على الإطلاق، هو قطاع ​النفط​، ليتقلى بذلك ​الاقتصاد الايراني​ الذي المعتمد بشكل كبير على ​تصدير النفط​، ضربة موجعة، خاصة وأنه كان يتهاوى بسرعة ملحوظة حتى قبل البدء بالمرحلة الثانية من العقوبات.

وفي حين أكد في وقت سابق وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، أن بلاده تعتزم تغيير سلوك إيران، خاصة في ما يتعلق بدعمها للجماعات الإرهابية، معتبرا أن العقوبات هي الأشد قسوة على إيران، أشار ​الرئيس الإيراني​، ​حسن روحاني​، في المقابل، الى أن بلاده ستبيع نفطها وتخرق ​العقوبات، وذلك في أول رد له بعد دخول الحزمة الثانية من العقوبات حيز التنفيذ. اذ أن إيران لا تستطيع التخلي عن ​تجارة​ تصدير النفط المربحة، ومن هنا تخطط للتحايل على العقوبات النفطية وخرقها والالتفاف من حولها، بحيث أنها تمتلك تجارب كثيرة في ما يتعلق انتهاك العقوبات المفروضة. مع العلم أن واشنطن وافقت على السماح لثماني دول، بمواصلة شراء النفط الإيراني بعد فرض العقوبات، ومنها ​كوريا الجنوبية​ و​الهند​.

فما هي انعكاسات هذه العقوبات على الاقتصاد الايراني بشكل عام؟ هل تكابر إيران بالقول أنها لن تتأثر؟ ما هي التوقعات ل​أسعار النفط​ في المستقبل؟ وهل بإمكان ​النفط السعودي​ ​تعويض​ ​النفط الايراني​ من أجل المحافظة على استقرار أسعار الأسواق النفطية؟

هذه الأسئلة وغيرها أجاب عليها ​الخبير الاقتصادي​ د. كامل وزنة، في مقابلة خاصة مع موقع "الاقتصاد":

ما هي انعكاسات ​العقوبات الأميركية​ الجديدة على الاقتصاد الايراني بشكل عام و​قطاع النفط​ الإيراني بشكل خاص؟

إن العقوبات مؤذية بشكل عام، لكن إيران متكيفة الى حد ما مع هذا الواقع، لأنها منذ ولادتها، ترزح تحت العقوبات المختلفة.

لكن هذه الحزمة من العقوبات كانت مؤذية حتما، وذلك بسبب وجود تأثيرات اقتصادية ملحوظة، أكان على سعر صرف العملة، أو على انسحاب بعض الشركات من الداخل الايراني.

ولكن اليوم، الشركات والدول التي التزمت بالاستمرار بالتعاون مع إيران، ما زالت ملتزمة، كما أن الإدارة الأميركية أعطت إعفاءات لثماني دول على الأقل حتى الآن للاستمرار بتسلم النفط والتعاون مع إيران في هذا الموضوع؛ وهذا الأمر يبعث على بعض التفاؤل.

ما هي توقعاتك لأسعار النفط في المستقبل؟

في حال استمرار الإعفاءات، وبقيت إيران قادرة على تصدير النفط، فإن الأسعار العالمية لن تتأثر. لكن المسألة العامة لا تتعلق بموضوع النفط فحسب، بل بالتوتر في ​منطقة الخليج​، الذي من شأنه أن يؤدي الى الاستمرار بتخفيض أسعار النفط.

وقد لاحظنا منذ حوالي 15 يوما، أي عندما تم تسريب معلومات من ​البيت الأبيض​ بشأن وجود إعفاءات لبعض الدول، أن سعر ​برميل النفط​ برنت تراجع من 86 دولار ليقارب حدود الـ72 دولار للبرميل. لذلك هناك رؤية تفيد بإمكانية عدم وجود ارتفاع في أسعار النفط، على الرغم من العقوبات.

والمعضلة اليوم لا تتعلق بفكرة أن السعودية أو دول أخرى، تستطيع أن تغطي العجز الذي قد يخلفه غياب النفط الايراني. انما المسألة متعلقة بقراءة ايران لهذا الموضوع، وتصعيد التوتر في ​مضيق هرمز​ وبعض دول المنطقة في الخليج. فالنفط يمكن أن يعوض في مكان معين، ولكن التوتر لا يمكن إخماده اذا تم الإصرار على الفكرة الأولى للإدارة الأميركية، ألا وهي خفض صادرات إيران من النفط.

لكن تجدر الاشارة هنا الى أن صادرات إيران لا تعتمد فقط على النفط، إنما على علاقات استراتيجية وأمنية أيضا، وخاصة في المحيط الذي تتواجد فيه الدولة، أي قربها من مناطق نفوذ في ​آسيا​ الوسطى والهند و​الصين​ و​روسيا​. لذلك فإن الموضوع تخطى بيع النفط فحسب، وهذه الدول لديها مصالح في أن يكون هناك استقرار. وأعتقد أن الإدارة الأميركية أدركت ذلك، حيث أعلن وزير الخارجية أن هذه الإعفاءات جاءت كي لا يكون هناك ارتفاع لأسعار النفط، ما سينعكس سلبا على ​الأسواق العالمية​.

ومن هنا يمكن القول أن الموقف هذا قد يتغير، وفي حال حصل التغيير وقررت الإدارة الأميركية الدخول في مواجهة حقيقية، سيعود النفط للارتفاع مجددا وسيقارب حدود الـ100 دولار لبرميل ​البرنت​. ولكن اذا بقي الوضع على ما هو عليه الآن، أعتقد أن أسعار البرنت ستبقى مستقرة عند مستوى يتراوح ما بين 65 و75 دولار.

وهل بإمكاننا الاستنتاج هنا أن ​لبنان​ لن يتأثر الى حد كبير من الحزمة الثانية من العقوبات بسبب عدم ارتفاع أسعار النفط؟

في لبنان لدينا اختلافات في المواقف، ويمكن القول أن العقوبات لن تؤثر بشكل كبير عليه في نواح عدة.

من جهة أخرى، تأثرت عملية ​التحويلات​ لرجال الأعمال اللبنانيين من الخارج، بشكل كبير، وذلك بسبب التدقيق الكبير الموجود في بعض الدول وبالأخص ​دول الخليج​، والتي لديها قيود أصعب من دول أخرى في العالم.

واللبناني هو مغترب ويعتمد على تدفق الأموال من الخارج، لكي يدعم ​العجز الاقتصادي​ الموجود في ​العملات​ الصعبة وخاصة في الميزان التجاري.