العناد والاصرار من أهم صفاتها، فهي مؤمنة أولا بحق الإنسان في أن يحلم بغدٍ أفضل، وأن لا يكتفي بالحلم فحسب، بل يسعى الى تحقيقه أيضا، وواثقة ثانيا بأن لكل شخص دوره في الحياة؛ ومن خلال إصرارها على أداء هذا الدور، بانت قدرتها على تحقيقه بثقة وثبات ويقين.

نقيبة الممرضين والممرضات في ​لبنان​ الدكتورة ميرنا أبي عبدالله تعتبر مثالا يحتذى به للمرأة الناجحة والمتزنة والمثابرة.

حصلت أبي عبدالله على ماجستير في الصحة من "الجامعة الأميركية في بيروت"، "AUB"، بالاضافة الى ​شهادات​ عدة في مجال التعليم، ودكتوراه في التمريض من "جامعة دوكين" في الولايات المتحدة.

اكتسبت خبرة لمدة 28 سنة في سلك التعليم، وهي أستاذة مشاركة ومساعدة عميد كلية الصحة في "الجامعة اللبنانية الأميركية"، "LAU"، منذ شباط 2011. كما أنها من مؤسسي جمعية "Awareness" للتوعية حول مرض ​سرطان الثدي​، وتدير مشروعاً إجتماعياً صحياً تحت عنوان"Courage Against Breast Cancer" ، ولها العديد من الأبحاث في مجال الأورام والعناية التلطيفية.

كان لـ"الاقتصاد" لقاء خاص مع د. أبي عبدالله للتعرف الى مسيرتها النقابية والعملية، بالاضافة الى تطلعاتها المستقبلية، ورسالتها للممرضين ولجيل ​الشباب​ أيضا.

​​​​​​​ 

من هي ميرنا أبي عبدالله؟​​​​​​​

 أولا، أفتخر بكوني ممرضة، وثانيا أنا من الأشخاص الذين يؤمنون بالتضامن والعمل الجماعي؛ وهذا ما يُفسَر في عملنا النقابي.

كيف نجحت في نيل ثقة الناس والوصول الى منصب نقيب؟

هذا المنصب لم يكن هدفي لكنه جزء من عملية متواصلة، فبعد انتهاء مدة ولاية النقيبة السابقة، ترشحت الى المنصب، ولحسن الحظ نجحت في نيل ثقة الممرضات والممرضين في لبنان، خاصة لأنني النقيبة الوحيدة التي فازت بعد ​انتخابات​؛ ففي السابق كان الاختيار يحصل بالاجماع والاتفاق، ولكن شاءت الظروف أن نشهد للمرة الأولى على انتخابات في النقابة على مركز نقيب.

وهذه الثقة التي نلتها، مبنية على ما يعرفه المنتسبين عني؛ فأنا ناشطة في العمل التمريضي في لبنان، ولا أسكت عن الحق أبدا، بل أرفع يداي وأتكلم أينما تواجدت. ومن هنا أراد الممرضون أن ينتخبوا نبقيا يوصل صوتهم.

ولهذا السبب كان عنوان حملتي "النقابة على طاولة القرار"، اذ شعرت أن الوقت قد حان لكي نجلس كنقابة على طاولة القرار في لبنان. وخلال بضعة أشهر فقط، دخلنا الى مراكز القرار، وانخرطنا في اللجان التي لم تكن النقابة موجودة فيها في السابق، وبالتالي حققنا تغييرا إيجابيا ملحوظا.

فكل نقيب جاء ليبني حجر أساس في هذه النقابة، ومن هنا أتوجه بالتحية الى جميع النقباء السابقين بدءا من النقيب المؤسس. حيث أن كل نقيب يتحلى بقيمة مضافة معينة، ويسعى الى إغناء عمل الآخرين، واستكمال عملية البناء والتقدم؛ وهنا تكمن قوة نقابتنا!

ما هي الخطوات التي قمت بها منذ انتخابك في حزيران 2018 والى حد اليوم؟​​​​​​​

أولا، تمكنا من الانخراط في اللجنة الصحية في ​مجلس النواب​، والتواجد في كل لجان وزارة الصحة، كما وصلنا الى المجلس الأعلى للصحة، ونسعى في الوقت الحاضر للمشاركة في المجلس الأعلى للتربية.

ثانيا، ركزنا على تواجدنا الإعلامي، لأننا نعترف حتما بقوة الإعلام.

ثالثا، بدأنا بإدخال السياسة الى التمريض، وذلك من خلال دعم القضايا المختلفة، والتفكير بالطرق​​​​​​ المتعددة للدخول الى "اللعبة" السياسية.​​​​​​​​​​​​​​

رابعا، عمدنا الى التفكير في العمل مثل النقابات الأخرى لكي نتواجد على طاولة القرار. وه​​​​​​​ذا المشروع سيساعدنا على تحقيق أهدافنا؛ مثل مشروع تنظيم المهنة، مشروع التعليم المستمر،...

خامسا، أسعى الى البحث عن كوادر قيادية في النقابة. فنحن نمثل 16 ألف ممرض وممرضة في لبنان، ومن المفترض أن يكون لدينا من 500 الى 1000 قائد لاستكمال المسيرة.

ماذا تعني لك ​جائزة​ "Past President’s Award" التي حصلت عليها مؤخرا؟

هذه الجائزة هي بمثابة طفلي المدلل، خاصة وأن المؤتمر الذي حصلت عليها خلاله، هو الأكبر للتمريض في مجال السرطان في العالم. وبالتالي فإن الجائزة هي اعتبار وتقدير للعمل الذي أمارسه، والذي بدأت به منذ العام 2006.

اذ كنت أول شخص في لبنان يعمل مع مرضى السرطان، ويتكلم معهم، ويسأل عن طلباتهم وحاجاتهم وكيف يعيشون مع المرض. ومن هنا قمت بدراسات حول عائلات المرضى وحاجاتهم، وركزت بعد ذلك على ​النساء​ المصابات بسرطان الثدي. فالأبحاث والدراسات حول العلاجات كثيرة، لكن في المقابل الأبحاث المتعلقة بالانسان الذي يعايش المرض شبه مفقودة. ومن هنا قررت القيام بهذا المشروع، واستنتجت من خلاله، أنه من الضروري أن يحصل الشخص المصاب على "مجموعة دعم" (support group).

والجدير ذكره أن الجائزة هي تقدير لشخص تمكن من إحداث فرق في بلد ذات إمكانيات محدودة.

لاحظنا أن غالبية النقباء السابقين هم من النساء، وبالتالي هل يمكن القول أن نقابة الممرضين والممرضات في لبنان خالية من التمييز ضد المرأة؟

النقيب المؤسس هو رجل، ولكن 75% من مجمل الممرضين في لبنان هم من النساء، وبالتالي لا نواجه التفكير العنصري والجندري في النقابة. وذلك مع العلم أن مجلس النقابة يضم رجالا، ونحن نسعى دائما لأن يكون عدد الرجال عادل، حيث لا ننسى أننا نعيش ونعمل في مجتمع ذات سيطرة ذكورية.

ومن هنا من المفترض أن نفهم "اللعبة" ونلعبها جيدا، لكي نتمكن من الوصول الى أهدافنا كافة.

على الصعيد الشخصي، هل تشعرين أن عملك ومنصبك ومشاريعك المتنوعة تأخذك من وقتك الخاص والعائلي؟

أحاول عدم التقصير تجاه عائلتي وعملي النقابي والخاص أيضا، لكن التقصير تجاه نفسي موجود حتما. فأنا بطبيعتي أحاول الضغط على نفسي أكثر من أجل تأمين جميع متطلبات غيري.

ما هي طموحاتك على الصعيد المهني؟​​​​​​​

الطموح لا محدود، وعلى صعيد النقابة أطمح أن تكون لنقابتنا الكلمة الفعالة، وأن يتحلى كل الممرضين والممرضات بالنشاط والاندفاع، للمشاركة بحماس في العمل النقابي، لأننا نفتقد الى حد ما الى هذا الأمر.​​​​​​​​​​​​​​

وبالاضافة الى ذلك، أتمنى أن يعي الممرضون والممرضات في لبنان أهمية النقابة ويتشجعوا على الانتساب اليها، لأن ستقدم لهم كل الدعم اللازم.

أما على الصعيد العملي، فأتمنى أن أكمل الأبحاث من أجل توسيع البرنامج الخاص بسرطان الثدي، وذلك للوصول الى أكبر شريحة ممكنة من النساء اللبنانيات. ومن هنا أقول أن هدفي الأساسي هو إقناع كل امرأة في لبنان أن تفحص نفسها شهريا. فكلما أحببنا عائلاتنا وأولادنا وأصدقائنا، كلما علينا الانتباه أكثر لأنفسنا، من أجل البقاء الى جانبهم.

ماذا تنصحين جيل الشباب في لبنان؟​​​​​​​

مجال التمريض بحاجة الى "الأذكى والأشطر والأحسن"، لأنه من أهم المجالات على الإطلاق. كما أن التمريض ليس رسالة فحسب، بل هو مهنة بكل ما للكلمة من معنى، ونحن نعمل من أجل تأمين البيئة الحاضنة لكل الممرضين في لبنان، وتحصيل حقوقهم المادية والمعنوية كافة.

ولهذا السبب، أنصح الشباب بالتوجه الى مهنة التمريض لأن فرص العمل موجودة وبكثرة. وهذه المهنة ليست صعبة، بل هي متطلبة، ومن هنا نحن بحاجة الى الأذكى.

أضف الى ذلك أن جميع الموظفين يعملون لمدة 25 يوما شهريا، في حين أن الممرضين يعملون 15 يوما شهريا لمدة 12 ساعة يوميا فقط. كما أن من حصل على الدوام المرن لمدة 8 ساعات، يعمل 5 أيام في الأسبوع.

فلا تفكروا أن التمريض هو مهنة من الدرجة الثانية، بل هو في الدرجة الأولى بامتياز. وفي ​الولايات المتحدة​ اختار الشعب الأميركي التمريض من أنبل المهن للسنة الـ16، ليتفوق على الطب والهندسة والجيش والتعليم.

ومن أقول "لأنك ذكي، لأنك شاطر، لأنك خلاق، لأنك شجاع"، يجب أن تتجه الى التمريض.

ما هي رسالة النقيبة الى الممرضين والممرضات في لبنان؟

أقول لهم أن يشعروا بالفخر لأنهم يعملون في مجال التمريض، فبذلك لا أحد يوازيهم بالشجاعة، بالعلم، بالمعرفة، بالتضحية.

فنحن نقدم رسالة إنسانية، لكننا نمارس مهنة، ومن هنا نريد حقوقنا كاملة، وسوف نحصل عليها.