تم تنظيم لقاء صناعي بدعوة مشتركة من رئيس الهيئات الاقتصادية اللبنانية محمد ​شقير​ ورئيس جمعية الصناعيين اللبنانيين فادي الجميّل في مقر غرفة بيروت وجبل لبنان، في حضور حشد من الهيئات والقيادات الاقتصادية والصناعية وأكثر من 100 صناعي واعلاميين.

بداية تحدث شقير "بالصناعيين الذين أفتخر وأعتز بهم وبنجاحاتهم وبمنتجاتهم التي تمثل لبنان أفضل تمثيل في انحاء الكرة الأرضية". وقال: نلتقي اليوم في غرفة بيروت وجبل لبنان في بيتكم "بيت الاقتصاد اللبناني"، لنقول أن الصناعة هي في صلب اقتصادنا الوطني وركناً أساسياً من أركانه.

نعم، انا محمد شقير صناعي إبن صناعي، وحرصي على القطاع هو الحرص نفسه على مصانعنا، وانا أقول: لا خوف على مستقبل الصناعة في لبنان طالما هناك رجال لديهم القدرة الدائمة على الصمود ومواجهة التحديات والابداع والتميز والتكيف مع الظروف الداخلية والعالمية.

نحن نعلم ان القلة تولد النقار، خصوصاً في هذا الزمن الصعب الذي يمر فيه بلدنا، وهذا هو حال العاملين في نفس القطاع وكذلك حال القطاعات في ما بينها.

واعتبر شقير ان "ما يراكم المشاكل، غياب مؤسسات الدولة عن القيام بدورها وبمسؤولياتها المتعلقة بالتنظيم والادارة وتطبيق القوانين والاتفاقيات، فضلاً عن مكافحة التهريب، والأهم وضع برامج لتطوير القطاعات وزيادة كفاءاتها".

تابع: انا كرئيس هيئات اقتصادية موقعي هو في خدمة كل القطاعات، لذلك أدفع دائما للحفاظ على هويتنا الاقتصادية التي ترتكز على الصناعة والتجارة والسياحة والخدمات، يضاف اليها اليوم تكنولوجيا المعلومات.

أضاف: بالتأكيد لا يمكن للبنان ان يكون خارج المنظومة التجارية العالمية، وهذا ما نلتزم به، لكن في الوقت نفسه، نحن أيضاً مع تطبيق المقتضيات التي تتضمنها كل المعاهدات والاتفاقيات التجارية والتي توفر مناخ مناسب لصناعتنا بعيداً عن المنافسة غير الشريفة والعادلة والاغراق.

وقال: نحن مع التشدد بتطبيق الاتفاقيات التجارية خصوصاً ما يخص حفظ حق صناعتنا الوطنية، وكذلك تطبيق مبدأ المعاملة بالمثل، وقد أعلنت بالأمس خلال لقاء بين الهيئات الاقتصادية وسفير لبنان في المغرب، ان زيادة اعمالنا في هذا البلد تمر عبر تطبيق المغرب اتفاقية التيسير العربية لزيادة صادراتنا الى اسواقه.

في الوقت نفسه، يجب ان نتصارح مع انفسنا.. عالم اليوم لم يعد كعالم القرن الماضي، إذ لا يمكن لأي مؤسسة في أي قطاع خصوصاً الصناعة ان تستمر من دون بذل جهود متواصلة لتطوير نفسها وتطوير منتجاتها كي تتلاءم مع متطلبات السوق واذواق المستهلكين إضافة الى حفاظها على قدر عالي من التنافسية لجهة النوعية والاسعار.

وأمل شقير في ان تتشكل الحكومة سريعاً، وبكل تأكيد سنعمل معاً على تطبيق كل الامور التي ذكرناها سابقاً، وسنعمل ايضاً على زيادة صادراتنا وتشجيع وتحفيز الصناعة الوطنية لكن على أسس تحترم التنافسية والاستدامة.

من هنا، لا بد من التفكير ملياً، في ايجاد حاضنات او مؤسسات بالشراكة بين القطاعين العام والخاص، مهمتها مساعدة المصانع التقليدية على التكيف مع أنظمة السوق الحديثة، على مستويات الادارة والتمويل ونوعية الانتاج والتسويق.

ختم: نحن لنا ثقة كبيرة بالقدرات المختلفة التي يمتلكها الصناعي اللبناني، لكن علينا ان نمد يد العون له لمساعدته في ايجاد طريقه في هذا العالم المعقّد.

ثم كانت كلمة للجميل لفت فيها الى ان الهدف من هذا اللقاء "الاضاءة على الصناعة التي باتت قضية وطنية، لقناعاتنا الأكيدة بأن الصناعة تعتبر المحرك الاساسي للاقتصاد الوطني.

وقال: اسمحوا لي من هذا المنبر بالذات، ان أوجه دعوة صادقة لاطلاق مشروع وطني، اقتصادي، اجتماعي، مستقبلي، وهو ان نكون جميعاً فينيقيوا الألفية الثالثة على غرار اسلافنا الذين وسّعوا وجودهم الفاعل ليس فقط حول حوضي المتوسط انّما ايضاً وصلوا الى العالم وطوّروا الابجدية.

صحيح ان الفنيقيين تجار مهرّة لكنهم كانوا قبل كل شيء روّاد الصناعة في تلك الحقبة بنجاحاتهم بصناعة السفن، والارجوان والأواني الزجاجية، والنحاسية والفخارية. هذه الصناعات المتطورة في حينها شكلت الرافعة الأولية التي سمحت لهم بدخول أسواق جديدة وسمحت لهم ببناء منظومة مستدامة عززتها، دون اي شك، تجارة ثلاثية اضافوهم على حركة مزدهرة اساساً وجعلتهم من أكثر الشعوب رخاء وتطوراً آنذاك.

أضاف: لقد اثبتت الصناعة الوطنية قدرة فائقة على الصمود في أشد الازمات، بهمةّ صناعيينا الذين واجهوا كل التحديات دون أي سياسات دعم حكومية، لذلك هم حقيقة ابطال الاقتصاد اللبناني على غرار ما توصف به المؤسسات الصناعية الالمانية. لذلك نقولها بوضوح ان الصناعة الوطنية تستحق بجدارة كل الرعاية والتدعيم والسياسات المحفزة لأنها مشروع حياة لا ينضب.

ان الصناعة اللبنانية لا تطالب بالكثير ولا تقبل بقلب المعادلات، جلّ ما تطلب فقط تكافؤ الفرص، وتطبيق المعاملة بالمثل والالتزام بالاتفاقيات والمعاهدات التجارية، واعطائها ما تستحق من رعاية واهتمام ودعم اسوة بكل اقتصادات العالم.

تابع: جميعنا يعرف ألاوضاع غير الطبيعية التي كانت تمر فيها البلاد، لذلك لن نجري جردة حساب عن السنوات الماضية، وما رافقها من تجاوز لكل القوانين والاتفاقيات خصوصاً لجهة ادخال منتجات مدعومة في بلادها، وايضاً تطبيق الاعفاءات الجمركية على سلع مستوردة من دول لا تطبق هذه الاعفاءات على دخول سلعنا الى اسواقها، وغير ذلك، لكن مع الحكومة الجديدة ومع كل هذا التوجه الذي نسمعه من مختلف القيادات في الدولة باعطاء الاولوية للقطاعات المنتجة وخصوصاً الصناعة، فإننا نأمل وبدعم من الرئيس شقير، كرئيس للهئيات وانشاء الله وزير في الحكومة العتيدة، ان يتم تطبيق هذه الامور المحقة والتي تعتبر اولية بالنسبة لنا.

وأكد الجميل ان "لا خوف على الصناعيين الذين صمدوا حتى يومنا هذا، ونجحوا بالاتكال على مقومات ذاتية اكسبتهم القدرة التنافسية، إما في الجودة او في الذوق او في السرعة بتلبية الاسواق العالمية، او في الخبرة بمجالات معينة، فنحن مصممون على اكمال المشوار بالرهان على تطوير منتجات تتمتع بقيمة مضافة وبذوق رفيع وكفاءة ومواصفات عالية وعالمية".

وقال: نعم، استطاعت صادراتنا ليس فقط بسلع تقليدية انما أيضا بسلع متطورة ونفتخر بها، ان تصل الى البلدان الأكثر تطلباً. وكما نجح صناعيونا في لبنان، سطروا النجاحات والانجازات ليس فقط في البلدان العربية وافريقيا بل وصولاً الى الولايات الأميركية المتحدة واوروبا.

انطلاقاً من ذلك، ومن هذا المنبر الجامع لكل المنظومة الاقتصادية، ندعو بصدق كي نعمل جميعاً لتحقيق مشروع يهدف الى تكبير حجم الاقتصاد الوطني وتحقيق الفائدة للجميع وخلق فرص عمل لشبابنا.

وأوضح: نحن لا نخاف من استيراد سلعاً تدخل بالطرق الشرعية من بلدان تعمل من ضمن آليات الانظمة التجارية العالمية ولا نخاف من استيراد الماركات العالمية، انما ما نرفضه وتحت اي حجة وأي تبرير هو التسلل الى السوق اللبنانية وتجاوز الاتفاقيات والانظمة والقوانين. لذا نطالب الدولة بكل مؤسساتها وأجهزتها بالعمل فوراً لوقف التهريب الذي يضرب صناعتنا وزراعتنا ويحرم الخزينة من الموارد المالية، بالإضافة الى امكانية تهديد صحة وسلامة وجيوب اللبنانيين.

وأكد الجميل ان اعطاء الصناعة الوطنية حقها وفرصها يسمح بتكبير حجم الانتاج وزيادة الصادرات وتقوية تنافسية منتجاتنا نوعيةً وسعراً، وهذا يؤدي ايضاً الى تكبير حجم الاقتصاد الوطني وتشغيل مختلف القطاعات وخلق المزيد من فرص العمل.

لدينا كل مقومات النجاح، فنحن أرباب التطوير والابداع والابتكار وخصوصا إدارة الازمات نجاحاتنا مشهود لها في لبنان، وحول العالم.

كل ما نطمح اليه هو ان يتعمق ويتعمّم النجاح في لبنان وان نتعاون معاً لتأسيس منظومة متطورة تستند على القطاعات من دون استثناء، وان نؤمن حركة اقتصادية تتّكل ايضاً على قدراتنا اللبنانية وعلى شبابنا وتخلق وفراً لشعبنا.

وشدد الجميل على ضرورة وقف الاغراق، والتهريب والمنافسة غير المشروعة، واذا طالبنا بتحفيزات معينة ومحددة كمعالجة اكلاف الطاقة لقطاعات الطاقة المكثّفة ومعالجة اكلاف الشحن الاضافية، فهذه ليست الا استثمارات تهدف الى تكبير حجم الاقتصاد وإفادة الجميع ولا تضرّ احداً.

ندعو الى ان نتكاتف جميعاً حول هذه المطالب، وان تصبح مطالبنا مطالب الهيئات الاقتصادية وليس مطلب الصناعة فقط.

وذكر الجميل بالرؤية الاقتصادية الاجتماعية الإصلاحية التي سبق وأطلقتها الجمعية وتضم خطة لتحفيز القطاعات الاقتصادية كافة، وليس فقط الصناعة، وتضم 6 نقاط، هي: تحفيز الاقتصاد بضخ ما يوازي 3% من قيمة الناتج الوطني في الدورة الاقتصادية، اقرار خطة اصلاح وتفعيل الادارة، تصحيح الوضع الاجتماعي في القطاعين العام والخاص، تعزيز البنية التحتية على مستوى المناطق، اطلاق الشراكة بين القطاعين العام والخاص ppp واطلاق رؤية واضحة لاستثمار النفط والغاز ووضعها موضع التنفيذ. كما لفت الجميل الى "ضرورة انشاء هيئة طوارئ اقتصادية اجتماعية داخل مجلس الوزراء، همها متابعة المواضيع الاقتصادية الاجتماعية".

وختم: صحيح ان لبنان بلد صغير انّما هو ايضاً بفضل تضامن رجال اقتصاده بلد الفرص الكبيرة.

بعد الافتتاح، عقدت جلسة عمل جرى فيها عرض مفصل ومركز عن القضايا والمتطلبات التي تتعلق بالقطاع الصناعي.

المداخلة الاولى اجراها نائب رئيس غرفة بيروت وجبل لبنان نبيل فهد الذي تحدث عن منتدى الصناعة العالمي الذي عقد اخيرا في ايطاليا فأشار الى ان الصناعة تشهد ثورة جديدة ترتكز على تكنولوجيا المعلومات، ومن المتوقع ان تحدث هذه الثورة تغييرا بالقطاع بطريقة جذرية.

ثم جرى عرض لثلاث محاور، تناول المحور الاول "امكانيات وقدرات القطاع الصناعي والصناعيين اللبنانيين" اجراها عضو لجنة صناعيي الغد محمد علي ياسين الذي تحدث عن حجم وقدرة القطاعات الصناعية اللبنانية والميزة التنافسية لكل قطاع، مؤكدا ان القطاع الصناعي قادر على تحقيق مزيد من النمو واستيعاب صناعات جديدة.

وفي المحور الثاني، تحدث رئيس لجنة صناعيي الغد بول ابي نصر عن "الصناعة حاجة اقتصادية وطنية"، فشدد على أهمية ودور القطاع الصناعي في الاقتصاد الوطني ككل، وانعكاسه على بقية القطاعات. وأكد ان نمو الصناعة تساهم في تنمية الناتح المحلي.

وقدم المحور الثالث امين العلاقات الخارجية في جمعية الصناعيين منير البساط الذي تطرق في مداخلته الى "المعوقات ومتطلبات الصناعة الوطنية"، واعتبر انه ولإعادة اطلاق القطاع الصناعي كقاطرة نمو في الاقتصاد يجب التركيز على رزمة مبادرات بتأثير سريع، ومن ابرزها تحديث التشريعات.

وبعد حوار بين الحضور حول القضايا المطروحة، اقيم غداء في نادي الاعمال في غرفة بيروت وجبل لبنان على شرف الصناعيين.