هلا فاضل هي من الأشخاص الذين يسهمون في خدمة وطنهم، ويثابرون من أجل تنميته، وذلك من خلال تشجيع شبابه على دخول الحياة العلمية والعملية، وتفجير طاقاتهم، وتحقيق طموحاتهم وأحلامهم.

فلا بد أن يُقدِم هذا الجيل على الحياة، بروح قوية وإرادة صلبة وعزيمة متينة، في ظل الوضع الاقتصادي والاجتماعي السيء والمتدهور.

وفاضل تعد قدوة للشباب الذين يتحلون بالإصرار والعزم، لأنها تجسد في مسيرتها، مقولة أن "السماء لا تمطر ذهبا"، والانسان لا يصل إلا من خلال العمل الجدي، والمثابرة المتواصلة، والطموح اللامحدود.

وبالتالي فإن تقدّمها المهني لم يأتِ عن طريق الصدفة بل من خلال الالتزام، والذكاء، والحنكة، والاجتهاد. وأعتقد أن قصتها قد تلهم الكثير من الفتيات ليقتدين بها، وتكون بذلك مثالاً للمرأة الناجحة والعصامية.

الشريكة المؤسسة لصندوق "Leap Ventures" هلا فاضل، خصّت "الاقتصاد" بهذه المقابلة المميزة، التي أجريتها في مكاتب الشركة في بيروت، بحضور رئيسة التحرير ​كوثر حنبوري​.

باختصار، أخبرينا عن المراحل التي مررت بها خلال مسيرتك المهنية؟

مسيرتي المهنية بدأت خلال فترة الدراسة في "كلية بيركلي" في ​كاليفورنيا​، حيث تخصصت في مجال التكنولوجيا و​ريادة الأعمال​ والمبادرة الفردية. وهذه الجامعة معروفة ليس فقط في مجال التكنولوجيا، بل في كونها حاضنة للأشخاص الذين يقدمون الأفكار الجديدة والمبتكرة.

وفي تلك المرحلة، شهدنا على انطلاقة ​شبكة الانترنت​، وكنت الأولى بين أصدقائي في الحصول على بريد الكتروني؛ ومن هنا شعرت أنني التقطت "​فيروس​ التكنولوجيا".

وحين عملت في شركة الخدمات التمويلية العالمية "ميريل لينش" في ​لندن​، لم أشعر أن هذا المجال يستهويني، وذلك لأن "بيركلي" غيرت طريقة تفكيري. وبالتالي اتجهت نحو "​معهد ماساتشوستس​ للتكنولوجيا"، "MIT"، في ​الولايات المتحدة​، حيث حصلت على ماجستير في ​إدارة الأعمال​.

في العام 1999، كان الجو العام مشجعا على ريادة الأعمال والتكنولوجيا، وكنا نعيش في حقبة الـ"tech bubble" أي "فقاعة التكنولوجيا"، وبالتالي أسست شركة "Booleo" للبرمجيات، وقمت ببيعها بعد أن حققت نجاحا واسعا. وقد تمكنت من القيام بهذه الخطوة من خلال مشاركتي في مسابقة "MIT" لأفضل خطة عمل؛ ومن هنا قررت تنظيم مسابقة لأفضل خطة عمل على صعيد البلدان العربية، وذلك كي يستفيد ​الشباب​ كما استفدت بنفسي، ولكي يحول كل رائد أعمال، الفكرة الموجودة في ذهنه، الى مشروع ينفذ على الأرض.

بعد "Booleo"، عدت الى عالم الاستثمار، وانخرطت في صندوق "Comgest" في ​فرنسا​، المتخصص بالاستثمار في مجال التكنولوجيا. واستمريت بهذا العمل لمدة حوالي 13 سنة، حتى العام 2014.

كان عملي منقسما حينها بين بيروت وفرنسا، الأمر الذي شكل صعوبة على زوجي وأولادي. فقررت إيقاف هذا النشاط، وشاركت في تأسيس صندوق "Leap Ventures" في ​لبنان​، الذي يستثمر في مجال التكنولوجيا و​الشركات الناشئة​.

وأنا أقضي غالبية وقتي في "Leap Ventures"، لكنني أكرس وقتا خاص أيضا الى "MIT Arab Startup Competition"، وذلك من أجل مساعدة الشباب الذين يسعون من خلال أفكارهم، الى تغيير العالم في المنطقة العربية. ففي حين نشعر أن منطقتنا تقليدية الى حد ما، نرى في المقابل الشباب وطاقاتهم وأفكارهم، ومن هنا نؤمن بقدرتنا على التجدد والتطور؛ فهم يعطون الأمل بغد أفضل، ونحن في الوقت ذاته، نعطيهم الأمل لكي ينطلقوا.

فلكي يتجدد الانسان على الدوام، ويطور طموحاته، ويفكر بطرق لتحسين وضعه، عليه أن يتواصل مع جيل الشباب.

ما هو الإنجاز الأكبر بالنسبة لك على الصعيد المهني؟

أنا "مغرومة" بالفعل بمشروع "رواد التنمية" الذي أطلقته في مدينة ​طرابلس​، والذي نقدم من خلاله المنح للشبان والشابات في باب التبانة، وهم في المقابل يتطوعون لثمان ساعات أسبوعيا في المركز، من أجل مساعدة مجتمعهم، وخلق النشاطات المختلفة في المنطقة، والعمل على صقل مهاراتهم وشخصياتهم خلال جلسات ودورات تدريبية. وأنا أحلم وأتمنى على الدوام، أن أؤسس جمعية "رواد" ثانية في بيروت.

الى أي مدى ساعدك زوجك النائب السابق روبير فاضل على التقدم في مسيرتك؟

زوجي لم يساعدني على الإطلاق بل على العكس، اذ أردت شخصيا تحييد أعمالي، وخاصة مشروع "رواد التنمية"، عن السياسة.

وكان من الكارثي أن يدخل شخص "ملوّن سياسيا" الى جبل محسن وباب التبانة، وبالتالي لم أستخدم اسم زوجي على الاطلاق، وهو بدوره، لم يقم بزيارة مركز "رواد" إلا بعد استقالته منذ سنتين.

وقبل ذلك، كنت أُعرف بهلا فرنجية – أي اسمي قبل الزواج – لكي أتمكن من الدخول الى جبل محسن؛ ومن هنا أطلقنا مشروعا موحدا للمنطقتين.

هل يدعم زوجك مسيرتك المهنية ويتفهم طبيعة عملك وأهميته؟

زوجي يدعمني ويساعدني بالطبع، ولكنه في الوقت ذاته يتحلى بعقلية شرقية، وبالتالي أشعر أنه يعيش في بعض الأحيان، في صراع داخلي؛ فهو يشجعني من جهة على الخروج والعمل والنضال، و"يشدني" في جهة أخرى للعودة الى المنزل.

وأعتقد أن هذا الصراع كان بنّاءا، وأعطاني التوازن في ما أقوم به. فأنا لم أبتعد كثيرا عن العائلة بسبب العمل، وفي الوقت ذاته لم أهمل عملي من أجل الاهتمام بالعائلة.

ومن هنا تجدر الاشارة الى أن العقلية التي تنتظر من الأم أن تقوم بكل شيء، لا تساعد المرأة على التقدم.

من خلال تجربتك المهنية الخاصة، هل تعتبرين أن الشهادة الجامعية كافية لكي ينجح الانسان؟

الشهادة وحدها لا تكفي بالطبع، لكنها تساعد الانسان على التقدم، لأن الجامعة تساعد على فتح الأبواب وبناء قاعدة من العلاقات الاجتماعية.

وأنا شخصيا، أعتبر أن العامل الأهم يكمن في القيم التي أملكها، والتي اكتسبتها في المنزل والمدرسة.

فقد تربيت على مبدأ أن العمل وحده قادر على إيصال الشخص الى قمة النجاح، وبالتالي عليه أن يحقق طموحاته من عرق جبينه.

ولا بد من الاشارة الى أنني عشت خارج لبنان لفترات طويلة، وتفاجأت لدى عودتي، بأن معظم الأشخاص يحاولون "التحايل" من أجل الوصول، ويسمّون ذلك "شطارة". لكنني تعلمت أن "الشطارة" تكمن في العمل الجدي والسهر على العمل. وبالتالي فإن هذه المبادئ أساسية، ويجب أن يتحلى بها كل شخص.

​​​​​​​

​​​​​​​

الى أي مدى يساعد رأس المال على الانطلاق؟​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​

رأس المال يساعد حتما، لكنني حصلت في بداية المسيرة على منحتين من أجل متابعة​​​​​​​الدراسة في "بيركلي" و"MIT". وقد أسست شركتي من خلال إيمان بعض الأشخاص بي، ورغبتهم في الاستثمار بقدراتي.​​​​​​​

كما أن فريق العمل المحترف والذي يتمتع بخبرة واسعة، يساعد حتما على تقدم المشروع أو الشركة. وأنا شخصيا أحب فريق عملي من كل قلبي، وأشعر بأن هذا الشعور متبادل منهم أيضا.

من ناحية أخرى، عندما تعرفت الى زوجي، كان يطور نفسه بنفسه، ولم يسمح لوالده بمساعدته. ونحن نحاول زرع هذه الفكرة في عقول الشباب من خلال "رواد". ففي الحياة، قد يحصل الانسان على ورقتي يانصيب؛ الأولى أن يولد في عائلة ثرية، والثانية أن يولد في مجتمع يحبه.

فاذا تلقى الانسان الحب والاهتمام، وغذّى ثقته بنفسه، سيتمكن من الصمود مهما اشتدت الظروف المحيطة به، وسيؤمن بقدراته، وسيواصل النضال دون استسلام، ولن يشعر باليأس أبدا، و"رح يدبّر حالو بالحياة".

وأعتقد شخصيا أن اليانصيب الثاني أهم بكثير من الأول، ونحن نحاول في "رواد" تعويض الأول بالثاني؛ فاذا صقلنا شخصية شفافة، تتحلى بالثقة، وتؤمن بالعمل والعلم، سنبني، بالتأكيد، مجتمعا ناجحا.

هل شعرت بالفرق في التعامل مع المرأة بين لبنان ودول الغرب؟

الفرق موجود لكن لكل بلد خصوصياته، فقد عملت في الولايات المتحدة و​أوروبا​ والبلدان العربية، وأعتبر أن أوروبا هي الأفضل بالنسبة الى المرأة. فالتمييز حاضر حتى في الولاياد المتحدة، ولكن الأمر مرتبط بالمهنة، والمدينة، والمجتمع المستهدف.

في لبنان لا توجد قاعدة محددة للتمييز، وأنا أجد أن المرأة قد لا تساعد نفسها في بعض الأحيان، في حين أنها تتحلى بالذكاء لكي تلمع وتحسن التصرف في أي مناسبة وأي ظرف.

هل تعتبرين أن ضريبة النجاح هي التقصير تجاه العائلة والوقت الخاص؟

أنا أقضي مع عائلتي وقتا أقل حتما من الوقت الذي تقضيه المرأة غير العاملة. ولكن يجب التركيز هنا على نوعية الوقت، وبالتالي أجد أن الطريقة الأفضل لكي يربي الانسان أولاده تكمن في أن يكون قدوة لهم ومثالا أعلى

ومن هنا، أتمنى أن يتمثل أولادي بما أقوم به، وذلك لأنني أسعى دائما الى زرع في داخلهم، القيم التي أسهمت في نجاحي.

ما هي نصيحة هلا فاضل الى المرأة؟

نخجل دائما من الحنان الذي نتحلى به في داخلنا، في حين أن العاطفة والإنسانية والمحبة، هي عوامل تميز المرأة عن الرجل في مجال العمل؛ وهنا تكمن قوة النساء!

ففي بعض الأحيان قد يرى البعض هذه العاطفة بمثابة ضعف، لأنها تظهر حساسية المرأة، لكنني على العكس أعتبرها قوة؛ فالمرأة تعطي قلبها، وتضع كامل جهودها في العمل، ولا تستسلم بسهولة بسبب قدرتها على التحمل، ومن هنا يتشجع الناس على التعامل معها.

وبالتالي يجب أن تستفيد المرأة أكثر من الإنسانية الموجودة في داخلها، ولا تخجل من إظهارها.