حكومة ام لا حكومة في ​تشرين الاول​؟ انفراج ام انهيار؟

مع كل التعقيدات المتتالية، لا تبدو الامور سائرة في طريق الحل السريع على كافة الاصعدة السياسية، الاقتصادية والاجتماعية . كما ان كل الرهانات على تبدّل الموازين في تشرين لم يتعدى التخمين لوقائع سريعة الانقلاب في كل لحظة .

ومع كل التطمينات التي يطلقها حاكم ​مصرف لبنان​ رياض سلامة في كل المناسبات لإحتواء كل الشائعات المحبطة ، وما يرافقها من وجهات نظر لخبراء الاقتصاد الى جانب التحرّك الضاغط الذي يقوده فرقاء الانتاج ، اي ​الهيئات الاقتصادية​ والاتحاد العمالي تحت عنوان "الإسراع في تشكيل حكومة جديدة قادرة على مسك زمام الامور والعودة بالسفينة الى بر الآمان بعدما تركت في عرض المحيط تتخبّط وسط عواصف مواقفهم المتشجنّة وسجالاتهم المطوّلة " لا بد من الاعتراف ان المرحلة ضبابية ملّبدة بمواقف متنّوعة.

لا ننسى ان الحكومة الحالية شكلت في الأساس لإجراء الانتخابات النيابية التي افرزت في 25 آيارسلطة تشريعيةبقيت الى حد ما مكبلةً لغاية اليوم وان سيّرت ما عرف بتشريع الضرورة لبعض مشاريع القوانين.

في 25 ايلول، دقت قوى الانتاج مع نقباء المهن الحرة ناقوس خطر تفاقم الوضع السياسي الناتج من التأخير في تشكيل الحكومة، على ​الوضع الاقتصادي​ والمعيشي المتردي، وأجمعوا على الاتجاه صوب تحرك تصعيدي في حال عدم التأليف فوراً.

وأطلقوا وثيقة طالبت بـ "الذهاب فوراً الى تشكيل حكومة جامعة ونوعية وذات صدقية، وبدء الإصلاحات المالية والادارية والقطاعية، والشروع ب​مكافحة الفساد​ واستئصاله، واتخاذ قرار حازم بوقف الهدر وشدّ أحزمة مختلف مؤسسات الدولة، والعمل على عودة سريعة وكريمة للنازحين السوريين". ودعت قوى الإنتاج إلى "إطلاق مسارات تنفيذ برنامج تطوير البنى التحتية الذي أقرّه مؤتمر «سيدر». وأكدت بقاء قوى الإنتاج صفاً واحداً لإعلاء صوت الحق".

وفي 13تشرين الاول ، جدّدت الهيئات الاقتصادية تلويحها بالاعتصام والإضراب المفتوح إذا لم ُتشكل الحكومة قبل نهاية الشهر الحالي.

الكل بانتظار الحكومة، والجميع يترقب كيفية ترجمة مقررات مؤتمر "سيدر" الذي مر عليه حتى تاريخه 7 اشهر.

لاشك ان الكل متفق على ان تشكيل الحكومة له آثار إيجابية على الاقتصاد في المدى القريب.

ولكن الى اي مدى تتفق الاجندة السياسية والاقتصادية .

فريق المؤسسة المالية الخدماتية والاستثمارية الأميركية "​غولدمان ساكس​" الذي زار بيروت في الفترة الاخيرة ابدى تفاؤلاً حذراً بهذا الشأن .

وهناك تأكيد على أن يساهم أي تمويل في خفض ​عجز الموازنة​ بنسبة 1 في المئة من ​الناتج المحلي​ الإجمالي كل عام.

ولخفض النفقات يبدو ان ثمة اتجاها الى تخفيف الدعم المقدم لمؤسسة ​كهرباء لبنان​ المقدر بملياري دولار سنوياً ، الى جانب خفض التوظيف في ​القطاع العام​ وإعادة النظر بالنظام الضريبي .

واما الحصول على أموال "سيدر" يعتمد على التقدم في ضبط المالية العامة، وإصلاح الكهرباء، جنباً إلى جنب مع مجموعة واسعة من الإصلاحات الأخرى.

الإفادة من مساعدات مؤتمر "سيدر" في تحقيق استثمارات جديدة سينتج عنهااستعادة لثقة القطاع الخاص الذي سيجد بدوره حافزا ً للاستثمار ما يشكل نقلة نوعية، وهذا سيحقق نمواً اقتصادياًفي 2019. واذ ان النمو هو رهينة الاستثمارات حيث ان كل مليار دولار يتم استثماره يشكل زيادة في حجم النمو بنسبة 1%، فإنه من الضروري ان يواكب ذلك تغييرات هيكليّة لزيادة المساءلة في الماليّة العامّة وخفض الفساد، لتعزيز إطار إدارة الاستثمار العام قبل الالتزام بأي استثمارات كبيرة وجذب الرساميل الدوليّة لهذا الغرض. وتُعتبر الأطُر التنظيميّة بشكل خاص جوهريّة لمكافحة الفساد، مثل توفير الحماية القانونيّة للمبلّغين عن المخالفات، والارتقاء بعمليّات مراجعة الحسابات المستقلّة، واعتماد التشريعات التي تشترط على المسؤولين الحكوميّين التصريح علنًا عن ممتلكاتهم، وتعزيز الشفافيّة في مجال المشتريات العامة، وتزويد وكالة مكافحة الفساد المنوي إنشاؤها بصلاحيّات فعليّة.

ما هي الاولويات الموجية للحكومة المقبلة ؟ وهل ستمتلك العصا السحرية لإنقاذ الوضع والالتزام بالمقررات الدولية ؟

يعتبر ​الخبير الاقتصادي​ د. رازي الحاج انه امام الحكومة ملفات كبيرة ونحن في سباق مع الوقت.

فعلى الصعيد الاقتصادي: لبنان ملتزم بمقررات مؤتمر "سيدر". والقروض التي اقرها بحاجة بالتأكيد الى المراسيم التنفيذية وعقد الاتفاقيات المناسبة مع الجهات المانحة كي تأخذ مسارها السليم.

كما انه على الحكومة وجوب مناقشة دراسة "​ماكنزي​" وتفنيدها والتأكد من انها ستخلق فرص عمل وستحقق النمو قبل تبنيها والالتزام بها.فلا يجب ان ننسى انها كلفت لبنان مليون و200 الف دولار.

وعلى المستوى الاداري: من المفترض استكمال موضوع التقنيات الادارية والاصلاحات اللازمة التي تساعد على تسيير المرافق العامة. ومنها قد يكون ضرورة إنشاء مناطق حرة، مناطق صناعية الى جانب جانب استكمال الاتفاقات التجارية وعقود المشاريع التي هي بحاجة الى موافقة ​مجلس الوزراء​.

ويقول د.الحاج "للاقتصاد" لا شك اننا بدأنا نلمس نوعاً من الامتعاض من قبل بعض المؤسسات التجارية التي تتعاطى مع لبنان العاجز عن اتخاذ القرارات.

ولكن هل هناك من احتمال في الرجوع عن بعض هذه الالتزمات من قبل الجهات المانحة ؟

يرى الحاج انه في الوقت المنظور لا رجوع عن القروضالتي قد تكون مشروطة ببعض الفوائد.

وقال: لا ننسى اننا على عتبة مرحلة حساسة ستشهد فرض عقوبات جديدة على ​حزب الله​. وهذه الاجراءات التي ستطال بعض المؤسسات قد ترغم مصرف لبنان والمصارف على اعتماد آلية جديدة في التعاطي مع المودعين التزاماً بالمقررات الدولية.

نحن لسنا في موقع فرض الشروط على الخارج ، بل علينا ايجاد المخرج الملائم للخروج من عنق الزجاجة . فتحسين الاقتصاد وتحريك النمو ليسا حتميين، ولكن هناك مساراً مؤكد يتطلب وجود حكومة غير معقدة. حكومة فريقها متجانس يدرك ​المخاطر الاقتصادية​ والاجتماعية.

واشار الى انه من الامور الملحة إعادة جدولة الانفاق العام خصوصا ً انه قد مر على إقرار السلسلة اكثر من سنة وهذا يحتّم إجراء مقاربة تقييمية علمية .

ولا ننسى ايضاً عملية قطع الحساب التي وعدنا بها في 2017 على اساس انها ستكون في 2018. وها نحن اليوم سندخل 2019 بدون إجراء عملية قطع حساب لاعن 2017 وبالتالي لا عن 2018.

ويختم "الوقت يداهمنا وعلى مجلس النواب القيام ايضاً بدوره التشريعي اللازم".

خلال العقد الأخير، تدهورت الحوكمة والشفافية الماليّة إلى حدّ بعيد في لبنان، وهي ظاهرة نشأت لأسباب ليس أقلّها الفساد المستشري في الحقل العام. ويتّضح من مؤشرات قياسية مختلفة، مثل مؤشّر الفساد الصادر عن منظّمة الشفافية الدوليّة، أو مؤشّر انتشار المدفوعات المخالفة والرشاوى الصادر عن ​المنتدى الاقتصادي العالمي​، أنّ لبنان يقع ضمن شريحة الـ20% الأسوأ بين البلدان من حيث الفساد، والشفافيّة، والمساءلة. ويعطّل الفساد فاعليّة ​الإنفاق العام​، كما يؤدّي إلى سوء توزيع الأموال، بما يحدّ من التحسينات في نوعيّة البنية التحتيّة مقابل كلّ دولار مستثمر. ويُصنّف لبنان بين البلدان الأدنى مستوى من حيث فاعليّة الإنفاق العام "، وهو بذلك يلي بشكل مباشر بلدان مثل ​فنزويلا​، و​البرازيل​، وإلـ سالفادور، وزيمبابوي.

بناء عليه ، المرحلة بحاجة الى حكومة فاعلة وقادرة تواجه الفساد السياسي والاداري بشراسة وتنقذ الاقتصاد وتؤمن فرص العمل بعد اجتذاب الاستثمارات .

المرحلة بحاجة ماسة الى حكومة غير معقدة تنشل الاقتصاد من الانهيار ،وامام الجهات المانحة تكون افضل اختيار.