بعدَما كانت كل توقعات الأسبوع الماضي تُشير إلى حتمية ولادة ​الحكومة​ في نهايته، وإذ بتطوّرات ربع الساعة الأخير تُعيد الجميع الى التشاؤم، وتعيد المُشاورات الجارية إلى مرحلة التعثر من جديد.

وهذا ما يثبت بأن الطبقة السياسية الممسكة بزمام السلطة، لم تعي بعد خطورة الوضع الإقتصادي والإجتماعي، وضرورة إنتظام عمل المؤسسات والبدء بإتخاذ القرارات الملحة والضرورية لتسيير أمور البلد والمواطنين. فمازالت هذه القوى تتصارع وتتنافس على حصص وحقائب وزارية، ضاربة بعرض الحائط كل المؤشرات والتقارير التي تشير إلى ان ​لبنان​ بات على حافة الهاوية، وأنه وصل فعلا إلى مرحلة خطيرة لم يعهدها من قبل، حتى في سنوات الحرب اللبنانية.

فهل ستطول مرحلة التعطيل والتصارع مجدداً ؟ وما هي إنعكاسات هذا الأمر على الوضع الإقتصادي والإجتماعي القائم؟ ماذا عن الخطوات الإصلاحية المطلوبة ؟ وما هو مصير موازنة 2019 ؟

هذه الأسئلة اجاب عنها الامين العام للمؤتمر الدائم للفدرالية، الخبير الإقتصادي د. ​ألفرد رياشي​، في مقابلة خاصة مع "الإقتصاد".

ما هي إنعكاسات إستمرار المماطلة والتأخر في تشكيل الحكومة على الوضع الإقتصادي والإجتماعي القائم؟

مسألة إستمرار المماطلة والتأخير في تشكيل الحكومة مرهون بالمباحثات المحلية التي تحصل من جهة، وببعض التقاطعات الإقليمية والدولية من جهة اخرى، فهناك نوع من التأثير الخارجي دائما عند تشكيل اي حكومة محلية خاصة ان معظم الأطراف اللبنانيين لديهم مرجعيات إقليمية ودولية ولو بتفاوت معيّن. وفي الفترة الماضية شهدنا تطورات مختلفة على الساحة الإقليمية كان لها تأثير غير مباشر على الساحة المحلية، وعلى رأسها التغيير الذي نشهده على الساحة السورية، والحادثة التي طالت الصحفي السعودي جمال خاشقجي والتوترات التي نتجت عن ذلك، والإجراءات الاميركية المنتظرة بحق إيران وحزب الله في الشهر المقبل. كل هذه الامور تنعكس على الساحة الداخلية، وعلى اولويات الأفرقاء السياسيين في لبنان. أضف إلى كل ما سبق النقاش الحاصل على توزيع الحصص والحقائب الوزارية، حيث ان هناك إختلافات كبيرة حول الحصص والوزارات وحتى الأشخاص المطروحة أسمائهم أيضاً.

ولا شك أن لهذا التاخير إنعكاسات سلبية على الوضع الإقتصادي والإجتماعي، ويخلق نوع من الترقب والحذر لدى المستهلكين والمستثمرين. وهذا الترقب والحذر الذي يأتي في ظل وضع إقتصادي سيء في الأساس، يؤدي إلى تسارع وتيرة التراجع في كافة القطاعات. فنرى اليوم تراجع كبير في القطاع السياحي والعقاري والتجاري .. وغيرها.

من جهة أخرى هناك الكثير من الملفات التي تنتظر تشكيل الحكومة، وعلى رأسها مقررات مؤتمر "سيدر"، وبعض الملفات الأخرى كالوعود السعودية بتشكيل لجنة لدعم الإقتصاد اللبناني، بالإضافة إلى موازنة العام 2019.

هل تعتقد ان تشكيل الحكومة سيؤدي إلى حلحلة كل هذه الملفات ؟ وكيف يجب ان يكون مضمون موازنة 2019؟

لا شك أن تشكيل الحكومة سيعطي إنفراج وراحة للإقتصاد، خاصة ان حوالي 6 مليارات دولار سيحصل عليها لبنان كدفعة اولى من "سيدر" للمباشرة ببعض المشاريع، على ان يحصل على المبالغ المتبقية (5 مليارات دولار) بعد تطبيق كافة الإصلاحات المطلوبة. ولكن هذا الإنفراج سيكون مفعوله آني، كما أن المشاريع التي سيبدأ تنفيذها تحتاج لسنوات من العمل. وبرأيي ان تشكيل الحكومة سيكون عبارة عن حقنة "مورفين" لا اكثر ولا اقل، والمشاكل ضمن الحكومة ستعود للظهور من جديد، لان المشكلة الأساسية هي في النظام القائم في لبنان والذي يحتاج إلى تغيير جذري.

أما بالنسبة لموازنة 2019، فلا اتوقع ان تختلف كثيرا عن الموازنات السابقة، حيث ستكون عبارة عن موازنة حسابية أيضاً، وذلك على الرغم من ان الوضع القائم يحتاج إلى موازنة مختلفة تتضمن رؤية إقتصادية وأهداف واضحة، وإصلاحات للحد من الهدر والفساد، ومحاولة لترشيد الإنفاق. إلا انني أعتقد بأن الخلافات والتجاذبات السياسية لن تسمح بذلك.

ألا ترى ضرورة لتعيين وزراء متخصصين في بعض الوزارات وخاصة الوزارات الإقتصادية ؟

الحل برأيي هو تشكيل حكومة تكنوقراط في المرحلة الحالية، ولكن بما أن هذا الأمر مستبعد، فعلى الأقل يجب تعيين وزراء متخصصين في كافة الوزارات وليس فقط في الوزارات الإقتصادية، او وزراء لديهم خلفية وخبرة مقبولة بشؤون الوزارة التي سيتولون إدارتها. كما يجب أيضا العمل بشكل جدي على إختيار المستشارين الذين سيساعدون الوزير خلال فترة توليه الوزارة. فنحن طالبنا سابقا ونطالب دائما بضرورة إسناد الوزارات للأشخاص المناسبين.

هل ان متفائل بالمرحلة المقبلة ؟ وإلى أين نتجه في حال إستمرار الاوضاع على ما هي عليه؟

لا أريد القول انني متشائم، ولكنني بنفس الوقت لست متفائلاً كثيرا بالمرحلة القادمة. فالأيام القليلة القادمة ستكون مرحلة حساسة بعض الشيء، نأمل من خلالها ان يتم الإتفاق على تشكيل حكومة فاعلة.

ولكن في حال إستمرار الخلاف وعدم تشكيل حكومة، فإننا سندخل في نفق ومتاهة مظلمة على الصعيدين الإقتصادي والإجتماعي.