أسبوعان على بدء ​العقوبات الأميركية​ على ​النفط الإيراني​، أسبوعان ستتخبّط خلالها الأسواق النفطية بسبب الغموض الذي يلف حجم الكمية التي يتوجّب تعويضها نتيجة غياب النفط الإيراني عن السوق العالمية. هذا الغموض آت من الشكوكحول قدرة دول الأوبك والدول الأخرى المُنتجة للنفط من إنتاج ما يُقارب المليوني برميل نقص في العرض. فهل ترتفع أسعار النفط؟

كيف يُمكن للرئيس الأميركي دونالد ترامب أن يفرض عقوبات على روسيا، فنزويلا، العراق، ليبيا، إيران وكلها دوّل مُنتجة للنفط وترضخ تحت وزر العقوبات الأميركية من دون أن ترتفع أسعار النفط عالميًا؟ سؤال مُحقّ خصوصًا عندما نربط هذه العقوبات بإنتاج النفط الصخري في أميركا. خلال أقلّ من 5 سنوات أصبحت الولايات المُتحدة الأميركية أول منتج للنفط في العالم أمام المملكة العربية السعودية وأمام روسيا، وكل هذا بفضل الإرتفاع في سعر برميل النفط عالميًا والذي سمح للنفط الصخري الأميركي برؤية النور.

مما لا شكّ فيه أن كلفة إستخراج النفط الصخري أعلى من إنتاج النفط التقليدي. وعلى الرغم من التقدّم التكنولوجي في صناعة النفط الصخري، إلا أن الكلفة تبقى أعلى بعشرين دولار من كلفة إستخراج النفط التقليدي كمعدّل عام.

لذا يُمكن طرح السيناريو التالي: الرئيس الأميركي يُريد من خلال العقوبات الأميركية على الدولّ المُنتجة للنفط رفع مستوى أسعار النفط من دون ضرب الإقتصاد الأميركي. لكن هذه الرغبة الأميركية تصطدم بعقبات على رأسها الغموض الذي يلفّ حجم النفط الإيراني الذي سيختفي من السوق خصوصًا أن إيران بعد الإتفاق على النووي الإيراني في العام 2015، عادت بقوّة إلى سوق النفط مع صادرات بقيمة 2.125 مليون برميل في النهار (2017). وهنا تبرز المُشكلة: هل بمقدور الدول المُنتجة للنفط تعويض النفط الإيراني وإنتاج مليوني برميل إضافي يوميًا؟ الجواب ليس بالسهل خصوصًا أن مُعدّل تآكل القدرة الإنتاجية للنفط هي بحدود الـ 12% سنويًا وبالتالي فإن المحافظة على نفس كمية الإنتاج تتطلّب إستثمارات بشكل مُستمر. فهل كانت الدوّل المُنتجة للنفط إستثمرت في الأعوام الماضية؟

الجواب على هذا السؤال يُدخل عوامل كثيرة منها سياسية وجيوسياسية وجيو-إقتصادية وغيرها. ويبقى العامل الأهم إنخفاض أسعار النفط التي أوقعت العديد من الدول في عجز مالي كبير. روسيا الواقعة تحت العقوبات الأميركية والأوروبية تفتقد إلى الإستثمارات، كما أن المملكة العربية السعودية التي كانت تمتلك قدرة إنتاجية إضافية تتراوح بين مليون ومليوني برميل يوميًا، تعيش حالة حرب مع اليمن وهذه الحرب لها كلفة مالية تُنافس الإستثمارات. أما ليبيا فلم تخرج حتى الساعة من الحرب وبالتالي لا إستثمارات فيها، كذلك الحال في العراق حيث أن التخبّط السياسي وتفشّي الفساد يؤثر سلبًا على الإستثمارات. إذا من أين يُمكن إنتاج مليوني برميل إضافية يوميًا؟

الرئيس الأميركي ترامب يتطلّع إلى المملكة العربية السعودية وروسيا لتعويض هذه الخسائر، إلا أن العديد من المُحللين يُشككون في قدرة المملكة على إنتاج هذه الكمية وفي نيّة روسيا بدعم الرئيس ترامب والإقتصاد الأميركي. هذا الغموض يجعل تقلبات أسعار النفط عالية (High volatility)، مما يعني أن هامش تحرّك أسعار النفط عالٍ ويتراوح بين 65 و100 د.أ للبرميل الواحد. هذا الأمر تمّ إثباته في الأسواق من خلال نقص بقيمة 300 ألف برميل يوميًا رفعت سعر النفط إلى عتبة الـ 80 دولار أميركي. وهنا يُطرح السؤال: هل يستطيع الإقتصاد الأميركي تحملّ برميل نفط بـ 100 د.أ؟

الجواب بالطبع لا، لأن برميل نفط بـ 100 د.أ سيكون له تداعيات كارثية على النمو الإقتصادي الأميركي والذي قارب الـ 4%. لذا فإن خطّة الرئيس الأميركي ترامب بتجفيف الإنتاج الإيراني من النفط ستواجهه عقبات كثيرة.

تحتل إيران المرتبة السادسة عالميًا من ناحية تصدير النفط (5% من الإنتاج العالمي). وفي علم الإحصاءات هذه العتبة عالية ولا يُمكن أن تتمّ من دون تداعيات على سعر النفط كما حصل مع إعلان الرئيس ترامب في أيار الماضي إعادة فرض العقوبات على النفط الإيراني.

ومع قرب الإنتخابات الأميركية، نرى أن إرتفاع أسعار المحروقات قد يؤثر سلبيًا على الرأي العام الأميركي وقد يؤدّي إلى نتائج غير مرضية لترامب. من هنا نرى أن ترامب سيعمد إلى فرض عقوبات تدريجية على إيران ولن يتوقف النفط الإيراني فجأة. هذا الأمر سيسمح للأسواق بالتأقلم مع توقعات بخفض الإنتاج الإيراني بقيمة 500 ألف برميل في اليوم في المرحلة الأولى مما قد يرفع سعر البرميل 10 دولارات أميركية.

على الصعيد الروسي، قد تكون روسيا راغبة في إستعادة موقعها خصوصًا أنها قد تستخدم هذه الورقة للتفاوض مع واشنطن على العقوبات الأميركية عليها أو التفاوض على مشروع السيل الشمالي 2. من البلدان الأخرى المرشح أن تزيد من إنتاجها الكويت، الإمارات، كندا، البرازيل وكزاخستان، إلا أنه يبقى من الصعب تعويض الإنتاج الإيراني بالكامل.

على الصعيد الأميركي، تبقى صناعة النفط الصخري غير قادرة على سدّ حاجة الأسواق من غياب النفط الإيراني بحكم أن هذه الصناعة بحاجة إلى إستثمارات كبيرة وتتطلّب المزيد من الوقت.

وفي لبنان نرى أن الفاتورة الحرارية سترتفع ومعها العجز في الموازنة نتيجة دعم مؤسسة كهرباء لبنان. لذا من الحكمة أن تعمد الحكومة اللبنانية إلى إدخال سعر نفط 80 إلى 85 د.أ للبرميل في تواقعاتها على أن تعمد بالسرعة القصوى إلى حلّ مُشكلة الكهرباء التي تستنزف خزينة الدوّلة.