مسيرة نينا أبي فاضل هي قصة "نجاح بنجاحين"، اذ نجحت أولا في تأسيس شركتها الخاصة وضمان استمراريتها لأكثر من 14 سنة، وانتصرت ثانيا في معركتها ضد مرض ​سرطان الثدي​.

لكنها أرادت الاستفادة من هذه التجربة الصعبة والمحزنة، فحولتها الى رحلة توعوية طويلة ومفيدة، لمساعدة ​النساء​ المصابات بهذا المرض، على تخطي مراحل العلاج، ورفع معنوياتهنّ وتعزيز شعورهن بالشجاعة؛ ومن هنا لم تعد القصة قصتها بل قصة كل امرأة مصابة بالسرطان، بحسب قولها.

نينا هي سيدة أعمال ​لبنان​ية مناضلة عصامية مثابرة. همّها الأكبر خدمة المجتمع وتوعيته حول مختلف القضايا التي تهمه وتفيد أبناءه. فإلى جانب كونها زوجة وأم وصاحبة شركة، صنعت لنفسها دورا آخر تراه لا يقل أهمية، ألا وهو الدور الاجتماعي.

عاشت طفولتها متنقّلة مع عائلتها في عدد من البلدان، قبل أن تحطّ رحالها في لبنان، مسرورة لاستقرارها فيه بالرغم من كثرة التحديات.

حصلت على إجازة في ​إدارة الأعمال​ وشهادة في تقنيات جمع التبرّعات من "جامعة بوسطن" في ​الولايات المتحدة​.

تزوّجت من نسيم أبي فاضل وهي اليوم أمّ لولدين، كريم (20 عاماً) ونور(18 عاماً). عملت مستشارة في مجال إدارة المشاريع ولها أكثر من 16 عاماً من الخبرة في مجال تنظيم المؤتمرات الكبرى للمنظمات الحكومية وغير الحكومية وتقديم مجموعة كاملة من الخدمات والدعم المهني للمنظمات محلياً ودولياً.

اذ أسست في العام 2003، شركة "Eventa" المتخصصة في إدارة وتنظيم الحفلات والمناسبات ذات الصلة بقضايا اجتماعية. ومنذ ذلك الحين، تطورت الشركة وتوسعت خدماتها لتشمل استراتيجية جمع التبرعات، وخدمات تطوير الأعمال المهنية للمنظمات، و​الشركات الناشئة​، ومختلف الجهات ذات التأثير الاجتماعي. وبالإضافة للاهتمام بالمناسبات الخاصة بالعملاء ومشاريعهم، تقوم الشركة أيضًا بإنشاء مبادرات التأثير الاجتماعي الخاصة بها بالشراكة مع المنظمات المحلية المعروفة.

للتعرف أكثر الى مسيرة أبي فاضل الشيقة والمحفزة، كان لـ"الاقتصاد" هذه المقابلة     الخاصة معها:

الانطلاقة:

أين كانت بداية مسيرتك المهنية ومتى؟

  في بداية مسيرتي، عملت في أربع وظائف مختلفة قبل أن أؤسس شركتي الخاصة. وأعتبر نفسي محظوظة لأنني حظيت بفرصة العمل مع شركات رائدة، كلّ في مجال عمل مختلف.

شغلت أول وظيفة لي في العام 1985 في شركة للمواد الاستهلاكية، ومن ثم انتقلت إلى مجال الشحن في العام 1989، ومن بعدها إلى عالم المعارض في العام 1995. وقد أتاح لي العمل ضمن هذه المجالات المختلفة، امتلاك خبرة وافية وتطوير مهارات ساعدتني كثيراً حين قررت تأسيس شركة خاصة بي.

كيف قررت تأسيس "Eventa" وإطلاقها؟ هل تلاقي خدمات الشركة وحملاتها المتعددة التفاعل المتوقع من المتابعين؟

حين أصبحت أمّاً، لم تكن فكرة العمل من الساعة التاسعة صباحاً وحتى الخامسة مساءا مقبولة بالنسبة ليّ، لأنني رغبت في التواجد قرب ولديّ، لأشاهدهما يكبران، وفي الوقت عينه، لم أكن مستعدة للتخلي عن العمل الذي أحبّه.

ومن هنا، راقت لي فكرة العمل من المنزل، إذ تتيح لي ممارسة نشاطي المهني بفعالية وبميزانية منخفضة، وضمن دوام مرن.

وفي العام 2003، قمت بتأسيس شركة "Eventa"، وبدأت بتقديم الخدمات الاستشارية لقطاع المؤسسات التي لا تبغي الربح، وتنظيم المؤتمرات والمناسبات ذات الأثر الاجتماعي، والتي كان يفتقر إليها المجتمع اللبناني آنذاك.

من خلال المشاريع التي عملت عليها، كنت أسعى دائما لاستهداف المناطق اللبنانية كافة، فأنفّذها في سبعة أقضية. وإيماناً مني بأهمية الاستدامة في كلّ عمل أقوم به، أشدّد على ضرورة تخصيص الوقت واستخدام الموارد لمراقبة فعالية الحدث المنجز، وتقييمه واكتساب العِبر منه، وبالتالي تكراره على نطاق أوسع.

ما هي الصعوبات المهنية التي تواجهك خلال العمل؟

بصراحة، لا بدّ لي أن أقرّ بأننا، كشركة، لا نواجه الكثير من الصعوبات مقارنة بسوانا من الشركات المحلية. والسبب في ذلك يعود إلى قدرتنا على التكيّف مع الوضع المحلي ونموذج الأعمال الذي نسعى لتطبيقه.

فنحن نعمل بتكلفة متواضعة ونحقّق هوامش ربحية منخفضة، وبالتالي نخطو خطوات صغيرة وواثقة لتطوير شركتنا. فانعدام الاستقرار وغياب الثبات في الوضع المحليّ، من العوامل التي لا تشجّع الشركات المحلية، كشركتنا، على النّمو بخطى أسرع.

أخبرينا أكثر عن الحملة الخاصة بالتوعية ضد سرطان الثدي التي انطلقت مع بداية شهر تشرين الأول؟

خلال شهر تشرين الأول من كلّ عام، وعلى امتداد الأشهر التي تليه، تنطلق حملات التوعية التي تدعو للكشف المبكر عن سرطان الثدي. إلا أن عدداً قليلاً من هذه الحملات يعرض المعلومات حول الخطوات التي يتعيّن على السيدة اتخاذها حين تُشخّص إصابتها بهذا المرض.

واستناداً إلى الخبرة الشخصية التي عشتها حين اكتشفت بأنني مصابة بسرطان الثدي، والى مسيرة العلاج التي مررت بها، وبحثي عن الخيارات المتاحة أمامي لاستبدال الخوف والحدّ من الآثار الجانبية لعلاجات السرطان السائدة. وبعد تماثلي التام للشفاء، قرّرت وبإلهام من النساء الكثيرات اللواتي التقيت بهنّ خلال فترة علاجي، أن أطلق مبادرة "أنتِ الأقوى" كمنصّة لمشاركة المعلومات حول العلاجات المكمّلة معهنّ ومع سواهنّ من النساء.

ومنذ العام 2014 وحتى اليوم، تنظّم "Eventa"، وضمن إطار المسؤولية الاجتماعية للشركة، فعاليات وورش عمل وحملات توعية على مدار السنة لنشر التوعية حول العلاجات المكمّلة لسرطان الثدي، وسبل مساعدتها للنساء المصابات بالسرطان أثناء تلقيهنّ العلاج التقليدي.

وهذه السنة، كان لنا محطة مميزة بدأت عبر مشاركتنا في حملة التوعية التي أطلقتها وزارة الصحة حول سرطان الثدي، وذلك من خلال دليل عملي حول العلاجات المكمّلة لسرطان الثدي، يهدف إلى عرض معلومات شاملة حول العلاجات المكمّلة، وأفضل الطرق للتخفيف من الآثار الجانبية للعلاج التقليدي. وسنجول خلال هذين الأسبوعين على مختلف المناطق اللبنانية ونحلّ ضيوفاً على الهيئات المحلية والجمعيات الداعمة للمرأة، وذلك لنشر التوعية حول هذا الموضوع الجوهري وتوزيع الدليل العملي على كلّ مشاركة.

ما هو الانجاز الأكبر بالنسبة لك في مسيرتك المهنية؟

يشرّفني أنني استطعت الانخراط في عدد من المبادرات الهادفة، وتعاونت مع مؤسسات ساعدت على إغناء خبرتي وطريقة عملي استناداً إلى معايير أخلاقية سامية في كلّ المساعي التي أبذلها.

فالأثر الذي تخلّفه شركتي منذ العام 2003، وقدرتنا على تنظيم مؤتمرات دولية كبرى وإدارة حملات توعية على الصعيد الوطني، هي من أبرز إنجازاتنا. ونذكر منها، على سبيل الذكر لا الحصر، حملات النشاطات التربوية والترفيهية المتزامنة للتلامذة على جميع الأراضي اللبنانية، والتي أنجزت بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم العالي، والدورات التدريبية الخاصة بتطوير المهارات المالية للشبان والشابات من خلال برنامج "MONEYSMART"، وحملة "أنتِ الأقوى" التي تطوّرت لتصبح ركن الأساس لبرنامج "صحة والناس "SohaWellNess"، للترويج للصحة الجسدية والنفسية.

ما هي الصفات التي تتمتعين بها وأسهمت في تقدمك المهني؟

على مرّ السنوات، اكتسبت مهارات وطوّرت خصائص أتاحت لي التوفيق بين حياتي المهنية والشخصية. ومن أبرز هذه السمات، قدرتي على ترتيب المهام وفق الأولويات، وعلى إدارة عدد من المشاريع في الوقت عينه، إضافة إلى حبّي للتواصل مع الناس، ومرونتي وقدرتي على التأقلم مع التغيير، وموقفي الإيجابي من الأمور والموجّه نحو إيجاد الحلول، وإيماني الراسخ بأن الإبداع والكدّ في العمل هما من أهمّ سبل النجاح.

ما هي مشاريعك المستقبلية؟ ما الذي تطمحين الى تحقيقه؟

بالإضافة إلى الاستشارات وخدمات الدعم التي أقدمها لعدد من المؤسسات، أصبّ اهتمامي حالياً على موضوعين متكاملين هما ​الترويج​ للثقافة المالية عبر برنامج "MONEYSMART"، والترويج للصحة عبر برنامج "Sohawellness" على أمل أن نجد شركاء داعمين لنا في توجهنا هذا، ما يخوّلنا تقديم هذه البرامج مجاناً إلى الجهات المعنية.

كيف تمكنت من التنسيق بين عملك وحياتك الخاصة؟

إن التنسيق بين الحياة العملية والعائلية هو واحد من أبرز التحديات التي تواجهها السيدات في لبنان.

على الصعيد الشخصي، قمت، وعلى المدى القصير، ببعض التنازلات المهنية، لكنها عادت وأثمرت على المدى البعيد. أما منهجية العمل التي اعتمدتها، فقد اشتملت على تنظيم أعمالي ومشاريعي بما يتناسب مع مسؤولياتي كأمّ وربّة منزل. وتفاديت العمل على مشاريع كبرى خلال فصل الصيف وفي عطل الأعياد. كما أنني كنت أتوقف عن العمل لبضع ساعات خلال النهار وأعوّض عن ذلك عبر العمل لساعات متأخرة في المساء، فيما كان أولادي نياماً. فإن إيجاد التوازن الحقيقي ما بين الأولويات وإدارة الوقت أساسية. وكنت أوزّع وقتي بالتساوي ما بين نفسي، وعائلتي، وأصدقائي... وتمكّنت من أن أضفي بعض الترفيه على كلّ ما أقوم به لإنجاز العمل بأقلّ مستوى ممكن من التوتر.

من قدم لك الدعم الأكبر في مسيرتك؟

في كلّ مرحلة من مراحل حياتي، اختلفت الجهة الداعمة لي. فحين كنت موظفة، شكّل الدعم الذي حصلت عليه من أصحاب العمل وزملائي، والثقة التي منحنوني إياها، مصدر الدعم الأساسي بالنسبة لي.

أما حين أصبحت أملك شركتي الخاصة، فقد اختلف الموضوع. إذ كنت أحتاج إلى دعم كامل على الأصعدة كافة. بدأت مسيرة الدعم من شريك حياتي، زوجي، الذي شجعني على ترك العمل وبدء مشروع خاص بي، بالرغم من المخاطر المرتبطة بانخفاض الدخل، إذ كنا كلانا مؤمنين بأن عدم تربية أولادنا بأنفسنا مسألة مليئة بالمخاطر، وقد ينجم عنها خسارة لا تعوّض!

وحظيت أيضاً بدعم من أصدقائي ومعارفي الذين قدّموا لي إحالات وأسعار تنافسية وخدمات عالية الجودة لعملائي. كما نلت دعمِ أولى العملاء الذين وضعوا ثقتهم بي وتمكنت من النجاح في تحقيق المشاريع التي لطالما حلموا بها.

وليس آخراً، كان أولادي من أهمّ الداعمين لي، عبر احترامهم للوقت الذي كنت أعمل فيه وإلهامي على إطلاق عدد من البرامج الاجتماعية المختلفة التي كان المجتمع بحاجة إليها وقد لمستها عند مجاراة أولادي وأصدقائهم والتعرّف عن كثب إلى احتياجاتهم.

بالاستناد الى تجربتك المهنية الخاصة، ما هي النصيحة التي تودّين إيصالها الى المرأة؟

بصراحة، أودّ أن أشدّد على المعنى الحقيقي لمفهوم تمكين المرأة، إذ يتعيّن على السيدات، لا أن يسعين لتحقيق طموحهنّ على الصعيد المهني والاقتصادي فحسب، بل الحفاظ أيضاً على جوهرهنّ كأم وشريكة.

كما أن السعي لإحداث توازن ما بين القيم السامية الضامنة لتماسك الأسرة والإنجازات المهنية ضروري للتخفيف من وطأة المشاكل الاجتماعية. وإن توصّلنا إلى تحقيق ذلك، فستؤدي العوامل المتداخلة ما بين الاقتصاد والمجتمع إلى تحسين الوضع الاجتماعي في لبنان وفي الدول المجاورة.مسيرة نينا أبي فاضل هي قصة "نجاح بنجاحين"، اذ نجحت أولا في تأسيس شركتها الخاصة وضمان استمراريتها لأكثر من 14 سنة، وانتصرت ثانيا في معركتها ضد مرض سرطان الثدي.