توعد الرئيس الأميركي ​دونالد ترامب​ المملكة العربية ​السعودية​ بعقاب شديد في حال أثبتت التحقيقات مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي داخل قنصليتها في ​إسطنبول​ بتركيا، مستبعدا فرض عقوبات على مبيعات الأسلحة للمملكة والتي تقدر بـ110 مليارات دولار سنويا حتى لا يضر بالوظائف الأميركية ، وحتى لا تذهب السعودية الى دول صناعية أخرى مثل ​روسيا​ و​الصين​.

وردت وزارة الخارجية السعودية على ​الرئيس الاميركي​ فرفضت أي اتهامات أو تهديدات بفرض ​عقوبات اقتصادية​ بحقها، مشددة على أنه في حال اتخذت أي إجراءات ضدها فإنها سترد عليها بإجراءات أكبر.

وما لم يقله بيان الوزارة سربته احدى الصحف السعودية المقربة من دوائر صنع القرار السعودية، فتحدثت عن أكثر من ثلاثين إجراءً سعودياً مضاداً لفرض عقوبات على ​الرياض​، مهددة بان الرد السعودي سيؤدي الى نتائج كارثية للاقتصاد الأميركي قبل ​الاقتصاد السعودي​.

وأوردت بعض هذه الاجراءات إذا وقعت عقوبات أميركية على الرياض، مثل عدم الالتزام بانتاج سبعة ملايين برميل ونصف المليون ،كما تريد واشنطن ، ما سيجعل سعر برميل النفط يتجاوز الـ80 دولاراً ، وهو سعر يغضب ترامب في الاساس ، الى 100 دولار وأكثر. عدا عن التلويح باعتماد عملة أخرى للتبادل النفطي مثل ​اليوان الصيني​ او ​الروبل الروسي​ .

كما لوحت الرياض بوقف شراء أسلحة من أميركا، وهي أهم زبون للشركات الأميركية، فالسعودية تشتري 10 في المائة من مبيعات شركات السلاح في أميركا، و85 في المائة من ​الجيش الأميركي​ فيما تشتري بقية دول العالم خمسة في المائة فقط.

ومن الاجراءات المطروحة على بساط البحث تصفية أصول واستثمارات الرياض في ​الحكومة الأميركية​ والبالغة 800 مليار دولار.كما ستحرم ​الولايات المتحدة​ من ​السوق السعودية​ التي تعتبر أحد أكبر عشرين اقتصاد في العالم.

هذا بالاضافة الى اجراءات غير اقتصادية تلوح بها السعودية ، وتتعلق بالخيارات السياسية ، مثل وقف التعاون الامني الوثيق مع أميركا ودول الغرب، بعد أن ساهم في حماية الملايين من الغربيين بشهادة كبار المسؤولين الغربيين أنفسهم. والمضي الى التعاون مع ​موسكو​ عبر بناء قاعدة عسكرية روسية في تبوك شمال غربي السعودية، في المنطقة الساخنة لمربع ​سوريا​ و​إسرائيل​ و​لبنان​ و​العراق​.

وقد ذهب البعض في السعودية الى حد التهديد بالمصالحة مع ​طهران​ تحت مظلة التفاهم مع الروس .

بداية ، بالنسبة للخيارات السياسية ، فان التهديد بنقل البندقية السعودية من كتف الى اخرى، فهو كلام غير واقعي ، لانه يتناقض مع كل تاريخ السعودية ، ومصالحها ، واسس استقرارها ، كما ان ​الولايات المتحدة الاميركية​ تمتلك من عناصر القوة السياسية والعسكرية والامنية ، ما يحبط هذه المساعي ، وهي مطمئنة الى ان هذه التهديدات هي مجرد كلام لرد الاعتبار بعد سلسلة الاهانات التي وجهها ترامب لحكام المملكة ، بحديثه عن حماية السعودية ،" التي لن تصمد اسبوعين من دون حمايتنا" ، وذهابه ابعد من ذلك الى القول "ان ​ايران​" قادرة على اخضاع كل ​الشرق الاوسط​ خلال 12 دقيقة ".

في الجانب الاقتصادي ، يبدو التهديد بخفض ​انتاج النفط​ واقعيا وممكنا ، وبالتالي فان ارتفاع سعر البرميل ، وقد بدأ فعلا بالارتفاع فعلا منذ ازمة خاشقجي ، ولكن هل ستسمح الولايات المتحدة ومعها كل ​الدول الصناعية​ ، بالوصول الى مستويات خيالية ، اي 200 دولار للبرميل ، كما المحت الرياض؟

بالتأكيد لا ، لان ذلك يعني الانهيار التام لاقتصادات هذه الدول ، وللاقتصاد العالمي ككل .

أما بالنسبة لاستبدال ​الدولار​ بعملات اخرى ، فهذا يحتاج الى مسار طويل من الاجراءات ، اهمها ايجاد عملة قوية مثل ​اليورو​ ، وليس اليوان او الروبل ، في اطار شراكات جديدة مع ​الاتحاد الاوروبي​ ، وهي عملية محفوفة بالمخاطر ، نظرا لهيمنة الاقتصاد الاميركي على العالم.

هذه الهيمنة تجلت وظهرت نتائجها سريعا ، على وقع التطورات بين الولايات المتحدة الاميركية ، وبين كل من السعودية وتركي ،فقد تراجع الريال السعودي مقابل الدولار مع تهديد واشنطن بمعاقبة الرياض ، فيما انتعشت ​الليرة التركية​ بعد إطلاق ​أنقرة​ سراح القس الأميركي. وبلغ السعر المعروض للريال السعودي في السوق الفورية خلال المعاملات ، 3.7514 للدولار، وهو أدنى مستوى له منذ حزيران 2017.

ويربط ​البنك المركزي السعودي​ الريال بالعملة الأمريكية عند 3.75 ريال للدولار، وغالبا ما تتحرك العملة في نطاق بين 3.7498 ريال إلى 3.7503 ريال.

كما تعرضت ​الأسواق المالية​ السعودية لضغوط شديدة مع التهديد الاميركي ، وخسرت البورصة السعودية في أولى تعاملات الأسبوع الحالي نحو 7.0% من قيمتها، في أكبر هبوط لها منذ عام 2017، قبل أن يتدخل ​صندوق الاستثمارات العامة​ الحكومي ويقلل الخسائر.

هذا غيض من فيض الاضرار التي قد تلحق بالاقتصاد السعودي اذا ما استمرت حالة التوتر مع الجانب الاميركي .

قبل ذلك ، تلقت المشاريع المستقبلية في المملكة لضربة موجعة من خلال حملة اقتصادية عالمية لمقاطعة مؤتمر "مبادرة مستقبل الاستثمار" الثاني ،( دافوس في الصحراء) ، المقرر هذا الشهر في ​المملكة العربية السعودية​ ، خلال الفترة 23-25 تشرين الاول الجاري.، على خلفية قضية خاشقجي.

والمعروف ان صندوق الاستثمارات العامة بالسعودية، الذراع الاستثمارية للمملكة، وأحد أكبر صناديق الثروة السيادية على مستوى العالم، اطلق "مبادرة مستقبل الاستثمار" برعاية الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز.وعقدت الدورة الأولى من المبادرة في مدينة الرياض خلال الفترة من 24 إلى 26 من تشرين أول 2017، برئاسة الأمير محمد بن سلمان ، وشارك أكثر من 2500 شخصية رائدة ومؤثرة في عالم الأعمال من أكثر من 60 دولة، ناقشوا الفرص والتحديات التي ستشكل وجه ​الاقتصاد العالمي​ والبيئة الاستثمارية في العقود المقبلة، وكان من أبرزهم المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستين لاغارد، والرئيس التنفيذي المشارك لبريدجووتر أسوشيتس ديفيد ماكورميك، ورئيس ​أرامكو السعودية​.

ووصفت صحيفة "​نيويورك تايمز​" الأميركية، يومها ، قدوم عمالقة الاقتصاد والأعمال على مستوى العالم إلى العاصمة السعودية الرياض في العام الماضي بأن الرياض تتحول لـ "مركز القوة الاقتصادية في العالم".

حملة المقاطعة هذه ، والمتأثرة بالموقف الاميركي ، ان لم نقل انها تتم بوحيه ، تهدد النسخة الثانية من المؤتمر تحت عنوان "خارطة طريق للقرن الثاني والعشرين"، فقد اعلنت مؤسسات كبرى في مجال الأعمال وأخرى إعلامية قررت عدم المشاركة ، ومنها : شبكة سي إن إن، وصحيفة نيويورك تايمز، وشبكة "سي إن بي سي"، ووكالة ​بلومبيرغ​، وصحيفة ​فايننشال تايمز​، والرئيس التنفيذي لشركة أوبر، وشركة ​سيمنز​، ومالك صحيفة ​لوس أنجلوس​ تايمز، ورئيس تحرير ​إيكونوميست​، ومصمم نظام عمل هاتف أندرويد، وكاتب المقالات في صحيفة نيويورك تايمز أندرو روس سوركين، والرؤساء التنفيذيين لشركات فياكوم و"إيه أو إل"، ووزير الطاقة الأمريكي السابق إرنست مونيز علق دوره الاستشاري في مشروع "نيوم".

ولا تزال لائحة المقاطعين تكبر اذ انضمت اليها شركة جي بي مورغان الاميركية ، و بيل فورد رئيس شركة فورد موتور ألغى جولته في الشرق الاوسط والتي كان مؤتمر "دافوس في الصحراء" احد محطاتها.

وفي الاطار نفسه أنهت مجموعة هاربور غروب، وهي شركة في واشنطن، عقدا مع السعودية بقيمة 80 ألف دولار في الشهر. كما أعلن رجل الأعمال البريطاني ريتشارد برانسون، مؤسس مجموعة فيرجين أن مجموعته (فيرجن غروب) ستعلق محادثاتها مع صندوق الاستثمارات العامة السعودي بشأن استثمارات مقررة حجمها مليار دولار.

لذا فان مستقبل الاقتصاد السعودي هو على المحك ، اذا بدأت حرب العقوبات المتبادلة بين المملكة والولايات المتحدة، لان موازين القوى يميل بقوة لصاح الاميركيين ، ولا تملك الرياض سوى مسايرة الجانب الاميركي، كما فعلت دول اخرى قبلها، للتخلص من سيف، فحتى الرد السعودي والتهديد باجرءات مضادة للعقوبات الاميركية اذا فرضت، لم يحظ باي اهتمام، ولم يحمله احد على محمل الجد، في حين ان مجرد التهديد الاميركي بفرض عقوبات أعطى ثماره فورا.