لازالت قضية اختفاء الصحفي السعودي جمال خاشقجي بعد دخوله لقتصلية بلاده في ​تركيا​ تتفاعل، إلا أن أحداً لم يتوقع أن تصل تداعيات هذا الإختفاء الى ما وصلت اليه اليوم.ولم تعلن تركيا، التي تجري تحقيقا في القضية، حتى الآن فرضيتها الرسمية حول مصير خاشقجي، إلا أن مصادر عديدة بينها أمنية ذكرت أن تقديراتها الأولية تدل على أن الصحفي قتل داخل قنصلية بلاده وهو ما تنفيه ​الرياض​.

هذه التقديرات، وإن ثبتت صحتها، لن تمر مرور الكرام اقتصادياً. ف​السعودية​، وبعدم تعاونها في التحقيق أثارت قلق المستثمرين ما أدى إلى هبوط المؤشر الرئيسي لبورصتها بأكثر من 7% إلى أدنى مستوى منذ نحو 4 سنوات، فماذا إن ثبت ضلوعها بالحادثة!

ومن ضمن ردّات الفعل الأولية أيضاً، توالت ​الشركات العالمية​ في إعلان إلغاء حضورها للمؤتمر الاستثماري السعودي ، والمقرر انعقاده في 23 من الشهر الحالي في الرياض ويستمر لمدة ثلاثة أيام، ومن أبرز هذه الشركات "فورد موتور"، "جي بي مورغان"، "أوبر"، "بلاك روك"و"مجموعة فياكوم" كما أنهت مجموعة "HarbourGrou"، إحدى جماعات الضغط العشر التي تمثل ​الحكومة السعودية​، تعاملها مع المملكة.

أما الملياردير البريطاني ريتشارد برانسون فقال إن مجموعة "فيرجن" التابعة له ستعلق مناقشات مع صندوق ال​استثمارات​ العامة السعودي بشأن استثمار مزمع بقيمة مليار دولار في مشاريع فضائية للمجموعة.

كما ألغت العديد من وسائل الإعلام الإخبارية منها"The New York Times "،"The Los Angeles Times"و" The Economist " ، "CNN" و"Financial Times" و"CNBC" و"Bloomberg" أنَّها لن تشارك في المؤتمر.

أما دبلوماسياً، فتوعّد الرئيس الأميركي ​دونالد ترامب​ الرياض، بعقوبات "صارمة" إذا ثبت تورطها في قضية خاشقجي.وقال ترامب في مقابلة تلفزيونية: "ربما يكون ​السعوديون​ وراء اختفاء خاشقجي، وإذا ثبت ذلك فستلحق ​الولايات المتحدة​ بهم عقابا صارما"، مؤكدا أن "هذا الأمر يعد خطيرا بشكل خاص، لأن هذا الرجل صحفي".

لكن سريعا ما عاد ترامب ليستثني صفقات السلاح من أي عقوبات "قاسية" يمكن أن تفرضها واشنطن على الرياض، قائلاً: "إنهم ينفقون 110 مليارات دولار على عتاد عسكري وعلى أمور توفر وظائف... بالنسبة لهذه البلاد. لا أحب فكرة وقف استثمار بقيمة 110 مليارات دولار في الولايات المتحدة لأنه هل تعلمون ما الذي سيفعلونه؟ سيأخذون هذه الأموال وسينفقونها في روسيا أو الصين أو أي مكان آخر".

من جهتها، أكدت وزارة الخارجية السعودية، رفضها لأي اتهامات أو تهديدات بفرض ​عقوبات اقتصادية​ بحقها، مشددة على أنه في حال اتخذت أي إجراءات ضدها فإنها سترد عليها بإجراءات أكبر. وفي هذا السياق، كشف الكاتب السعودي​ تركي الدخيل أن "المعلومات التي تدور في أروقة اتخاذ القرار السعودية، تتحدث عن أكثر من 30 إجراء سعوديا مضادا في حال فرض عقوبات على ​الرياض​، وهي سيناريوهات كارثية للاقتصاد الأميركي قبل ​الاقتصاد السعودي"، مشيراً إلى أنه"من بين الردود المحتملة عدم التزام السعودية بإنتاج الـ7 ملايين برميل ونصف مليون من ​​النفط​​ وإذا كان سعر 80 دولارا قد أغضب ​الرئيس الاميركي​ دونالد ترامب، فلا يستبعد أحد أن يقفز السعر إلى 100 و 200 دولار وربما ضعف هذا الرقم، بل وربما تصبح عملة تسعير ​برميل النفط​ هي ​العملة الصينية​ ​اليوان​، بدلا من ​​الدولار​​، والنفط هو أهم سلعة يتداولها الدولار اليوم".

وأضاف الدخيل أنه "من بين الاجراءات السعودية المحتملة تصفية أصول واستثمارات الرياض في ​الحكومة الأميركية​ والبالغة 800 مليار دولار، بالإضافة إلى حرمان أميركا من ​السوق السعودية​ التي تعتبر من بين أكبر 20 اقتصادا في العالم".

وعن منطقية هذه الردود وما إذا كانت قابلة للتنفيذ يشير الخبير الإقتصادي د. كامل وزنة إلى ان السعودية لن ترغب في التصعيد مع الولايات المتحدة و​المجتمع الدولي​ "خاصّةً وأن النفط من الخطوط الحمراء لدى أميركا...وسمعنا رد كبير مستشاري ​السفارة السعودية​ بواشنطن فيصل بن فرحان على الدخيل يوم أمس حيث أكد أن المقال لا يمثل الحكومة والقيادة السعودية".

وعن أثر ​العقوبات الأميركية​ على السعودية في حال فرضت، يرى وزنة في حديث خاص لـ"الإقتصاد" أنه من المبكر الحديث عن عقوبات "إلا ان المملكة بدأت تتأثر سلباً منذ الآن نتيجةً لما يحصل من مقاطعة لمؤتمرها الإستثماري، لذلك وبغض النظر عن العقوبات فإن الرؤية التي كانت قد وضعت للعام 2030 ستتأثر سلباً باعتبار أن عملية الإستثمار اليوم محاطة بالكثير من الصخب الإعلامي والأموال بحاجة الى عامل ثقة".

ومن جهته، أكد مدير فريق ​الشرق الأوسط​ وأفريقيا لدى وكالة التصنيف الائتماني "فيتش"، إن قضية خاشقجي قد تضر ببعض أجزاء برنامج الإصلاح في السعودية، "إذا كان هناك تغير دائم في رغبة المستثمرين في التعامل مع السعودية ، فإن ذلك سيؤدي إلى تنفيذ أبطأ وأقل اكتمالا لبعض مبادرات رؤية "المملكة 2030"، وحاجة أكبر للسعودية لاستخدام الديون والموارد الداخلية لتمويلها".

ويشير كروستينز ومحللون آخرون إلى أن تدفقات الاستثمار الأجنبي إلى السعودية منخفضة أصلاً بسبب ضعف ​القطاع الخاص​ وعدم اليقين بشأن الجانب التنظيم".

ورأى الخبير الاقتصادي البارز في "كابيتال إيكونومكس" ومقرها ​لندن​، جيسون تواي، إن التطورات السياسية في السعودية أصبحت تشكل خطراً اقتصادياً متزايد الأهمية.

أما نيل كيليام من قسم الابحاث في مؤسسة "تشاتام هاوس" التي تتخذ من لندن مقرا لها، فأشار إلى أن ما حدث يعتبر "مبرر للإنفصال"، وقال: "لم يؤمن أحد في أن رؤية 2030 ستكون ناجحة تمامًا، ربما أُعطيت نسبة 50% للنجاح، واليوم هذه النسبة هبطت بالفعل وهبطت معها ثقة الشركات".