تشتهر مدينة طرابلس، التي لطالما عُرفت بـ"عاصمة الشمال" و"العاصمة الثانية للبنان" لكونها ثاني أكبر المدن اللبنانية بعد بيروت، بغناها التاريخي، حيث ينتشر فيها عدد كبير من الآثار التي تعود لحقبات تاريخية قديمة ومتنوعة. كما تُعرَف هذه المدينة العريقة، بصناعاتها المتعددة وذات الجودة العالية مثل المفروشات والنحاسيات والصابون والزيوت والحرف اليدوية، والحلويات أيضا.

لكن طرابلس عاشت للأسف، لأكثر من خمس سنوات، حالة من الاضطراب الأمني، بسبب الاشتباكات الحاصلة بين باب التبانة وجبل محسن، ما أثّر على مختلف الجوانب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وأدى الى ارتفاع نسب الفقر والبطالة - خاصة بين الشباب - وإفلاس العديد من المؤسسات والشركات، في ظل غياب كامل للسياح والزائرين من خارج المدينة.

وفي السنوات القليلة الماضية، كَثُر الحديث عن دور اقتصادي هام ينتظر مدينة طرابلس، حيث أطلق رئيس غرفة طرابلس ولبنان الشمالي مبادرة بعنوان "طرابلس العاصمة الإقتصادية للبنان"، التي تهدف إلى إعادة الحركة الإقتصادية في الشمال، من خلال استثمار المرافق العامة في المنطقة، واستقطاب الأعمال والاستثمارات.

وهذه المبادرة الإنمائية تعد بمثابة مشروع إستثماري واعد يسهم بالفعل، في تطوير إقتصاد مدينة طرابلس ومناطق الجوار من جهة، والإقتصاد اللبناني بمختلف قطاعاته من جهة أخرى.

كان لـ"الاقتصاد" مقابلة خاصة مع دبوسي، للحديث عن الحالة العامة في البلاد، في ظل استمرار التأخر في تأليف الحكومة، وعن المبادرة الاقتصادية الخاصة بالمدينة طرابلس، بالاضافة الى دور المدينة في إعادة إعمار سوريا.

ما رأيك بالصرخة التي أطلقتها الهيئات الإقتصادية بالتعاون مع النقابات العمالية؟ هل ستأتي النتيجة مختلفة عن نتائج الصرخات الماضية؟

في البداية، لا بد لنا من الإشارة الى أن الهيئات الإقتصادية من مواقعها المسؤولة تضيء على الجوانب المساعدة على النهوض بالإقتصاد الوطني، وذلك لما لحركة الإقتصاد من حاجة ملحة وحيوية وضرورة للخروج من دائرة الركود والإنكماش. ونحن في الحقيقة كهيئات إقتصادية، لا يمكن لها أن يكون لديها صرخات بقدر ما لها من دور إستشاري للدولة اللبنانية لجهة تزويدها بالمشاريع التي تعود بالمنفعة على دورة الحياة الإقتصادية العامة، وهي تتابع وبشكل متواصل الإهتمام بمسيرة الإقتصاد الوطني من زاوية مشاركتها السلطات العامة في إعداد البرامج والمشاريع المساعدة على تحقيق النمو والإنماء والإستقرار وهذا ما دفعنا في غرفة طرابلس ولبنان الشمالي الى التوقيع مع الإتحاد العمالي العام على إتفاقية الشراكة لنكون شركاء في الإنتاج والإلتفات للعمل معاً على بلورة ميثاق إقتصادي إجتماعي على المستوى الوطني".

ما هي متطلبات المرحلة الراهنة على الصعيد الإقتصادي؟ وهل يكفي تأليف الحكومة من أجل وقف التراجع والركود؟

إن المرحلة الراهنة تتسم بحساسية عليا لا سيما من الناحيتين الإقتصادية والإجتماعية، وأن دورة الحياة الإقتصادية من حيث النمو والإجتماعية من حيث الإنماء لا تستقيمان إلا بوجود حكومة مسؤولة تأخذ بعين الإعتبار الواقعين الإقتصادي والإجتماعي واعتقد جازماً أن المسؤولين مدركين لحجم الأوضاع السائدة على مختلف الأصعدة، ومن هنا ضرورة الإسراع بتشكيل الحكومة الجديدة لكي ينعم لبنان من ما تم تحقيقه في مؤتمر "سيدر" لجهة العمل على الإستفادة من حجم ما تم إتخاذه على مستوى المجتمع الدولي من إهتمام إستثنائي بالأوضاع الإقتصادية والإجتماعية اللبناني وبشكل خاص ضرورة العمل على بلورة التشريعات الناظمة لمسيرة الدولة اللبنانية في مختلف وزاراتها وإدارتها وتحقيق الإطلاحة المطلوبة من جانب المجتمع الدولي والمنشودة من جانب الرأي العام اللبناني الذي يتطلع الى التقدم والإستقرار والإزدهار.

كيف تقيم وضع مدينة طرابلس من الناحية الإقتصادية والإجتماعية؟ هل لا زالت المتاجر قادرة على الصمود؟ هل أغلقت العديد من المؤسسات أبوابها؟

كل المقومات الأساسية والقدرات والطاقات التي تمتلكها مدينة طرابلس تساعدنا على تأكيد حضورها في التركيبة الوطنية اللبنانية إذ باتت حاجة وطنية على كافة المستويات عبر موقعها الإستراتيجي الجاذب وكذلك بفعل إحتضانها لكبريات المرافق والمؤسسات الإقتصادية العامة، إضافة الى الدور المميز الذي تلعبه غرفة طرابلس تجاه مجتمع الأعمال ليس على مستوى الشمال وحسب، وإنما على المستوى الوطني الجامع، من هنا ولدت مبادرة نحو إعتماد طرابلس عاصمة لبنان الإقتصادية لما تمتلكه من مصادر غنى تعود بالمنفعة على لبنان بكل مكوناته ومناطقه وللميزات التنافسية والتفاضلية التي تمتاز بها.

ونحن ندرك تماما من خلال مسؤولياتنا في مجتمع الأعمال أن الإقتصاد الوطني يعاني من مشاكل كثيرة، إلا أن اللبناني بما عرف عنه من ديناميكية ملحوظة والشجاعة التي يتحلى بها القطاع الخاص وبالتالي الثقة الدولية بمتانة الإقتصاد اللبناني، فإن الحركة الإقتصادية وحيويتها مرتبطة بحالة الأمن والأمان والإستقرار وهي مرتكزات النمو والإنماء والنهوض ومهما واجه الإقتصاد اللبناني من تحديات سواء من خلال مؤسساته التجارية أكانت كبرى أو متوسطة أو صغرى فهو قادر على تجاوزها من خلال التدابير الإستباقية التي يمتلكها أصحاب القرار في هذا المجال.

هل تسير "مبادرة طرابلس عاصمة لبنان الإقتصادية" على السكة الصحيحة؟ وما هي آخر المستجدات في هذا الموضوع؟

من يتابع بشكل حثيث لمسيرة غرفة طرابلس ولبنان الشمالي ودورها في تحديث وتطوير مجتمع الأعمال بكل قطاعاته ومرافقه ومؤسساته وتطلعاتها في بناء أوسع علاقات الشراكة والتعاون مع كافة مكونات المجتمع الدولي إضافة الى الإستفادة من المدى الجغرافي الأوسع للبنان من خلال تواجد أبنائه في بلدان الإنتشار وإمكانياتهم الرائدة حيث يسجلون قصص النجاح في مختلف المجالات وعلى أعلى المستويات، يستطيع أن يتلمس الحقيقة القائمة بأنها مؤسسة كبرى باتت في قلب الإقتصاد المعاصر بكل تحدياته ومتطلباته.

وأن "مبادرة طرابلس عاصمة لبنان الإقتصادية" هي نتاج لقراءة معمقة لتاريخ مدينة طرابلس الإقتصادي ولموقعها الجغرافي الفريد وللمكانة التي احتلتها ولا تزال على المستوى اللبناني، والتي تجعل منها واقعياً حاجة حيوية متعددة الأدوار عربيا ودوليا.

وهذه المبادرة تضيء على مكامن القوة التي تحتضنها طرابلس ومناطق الجوار وكذلك لإدراكها المسبق بمكامن الضعف التي وجدت المبادرة من أجل تخطيها وردم الفجوات الناجمة عنها وذلك كبديل إنقاذي نهضوي على كل المستويات وبكل المعايير والمقاييس، فهي وطنية لأن من مصلحة مالية الدولة العامة تطوير مرافقها اللبنانية العامة من طرابلس، خصوصاً أن كل المرافق والمؤسسات والمشاريع العامة المتواجدة في العاصمة السياسية والإدارية بيروت قد حققت الإكتفاء وباتت تعاني من الإكتظاظ وضيق المساحات، ما يعطي قوة دفع للإستثمارات ولديناميكية القطاع الخاص للإلتفات الى الإستفادة من ما تقدمه مرتكزات القوة في طرابلس الكبرى سواء من خلال المرفأ أو المعرض أو مطار الرئيس رينه معوض (القليعات) حيث بات حاجة صرورية وملحة لسد الثغرات التي يواجهها مطار الرئيس رفيق الحريري الدولي أو المنطقة الإقتصادية الخاصة حيث تدعو المبادرة الى تفعيل أنشطة تلك المرافق وإطلاق مشاريع إستثمارية كبرى تكون بحجم وطن وتلبي تطلعات المجتمعين العربي والدولي في القيام بالإستثمارات في بيئة آمنة ومستقرة ومزدهرة تجعل طرابلس الكبرى حاجة ضرورية وملحة للنهوض بالإقتصاد الوطني ومنصة تساهم مساهمة فعلية في مشاريع إعادة بناء وإعمار بلدان الجوار العربي، وتكشف بالتالي عن تطلعات غرفة طرابلس بالتحرك وإقامة أوسع العلاقات مع شركاء أقوياء من نادي الكبار في العالم وشركاء مؤثرين في المجتمع الدولي، عنيت به الجانب الأميركي الذي نؤكد له في المرحلة الراهنة أن طرابلس الكبرى التي تمتد من أقصى البترون الى أبعد نقطة حدود مع سوريا شمالا هي حاضنة لمشاريع إستثمارية كبرى في كل المجالات لا سيما أن مرفأ طرابلس يشهد ورشة غير مسبوقة من تهيئة متواصلة لبناه التحتية وتكثيف لخدماته اللوجيستية وبات موئلاً لكبريات السفن الناقلة للحاويات في العالم وقابليته لتوسعة دوره بدءاً من منطقة البداوي وصولاً الى منطقة العبدة على إمتداد شاطىء يطل على شركاءنا في البحر المتوسط والى مطار القليعات الذي ينتظر تفعيل دوره وتخصصيصه بالملاحة التجارية الجوية المدنية الى منطقة إقتصادية خاصة كمشروع جاذب لكل أنواع الإستثمارات ومعرض رشيد كرامي الدولي الذي يمتلك مساحة غير متوفرة في أية منطقة لبنانية أخرى ولغرفة طرابلس مشروعاً تقيمه على سطح قاعة المعارض فيه ويتمثل بإنارة شوارع مدن الفيحاء بالطاقة البديلة الصديقة للبيئة والمستمدة من الطاقة الشمسية".

كما أن مبادرة "طرابلس عاصمة لبنان الإقتصادية" تأخذ بعين الإعتبار أهمية العنصر الإنساني في عملية النمو والإنماء وهي تدرك حجم المجموعات الشبابية المهمشة التي تشكل الخاصرة الضعيفة التي تعاني منها طرابلس، إلا أن غرفة طرابلس وفي نفس السياق لا يمكنها أن تستكين أمام هذه الظاهرة الضاغطة والمتفشية وهي حينما تعمل على بلورة فرص عمل لائقة وتصقل المهارات لدى الأيدي العاملة الشابة فإنها تكون قد أطلقت مشروعاً إنسانياً إجتماعيا يتم من خلاله تذويب التطرف والعنفية والإلتفات الى الإنتاجية، وأن طرابلس من خلال غرفتها التجارية هي المدينة اللبنانية الوحيدة التي تواكب تطورات وتحديات الإقتصاد المعاصر إذ هي بصدد إعداد مركز لإقتصاد المعرفة وتشييد مبنى حديث للتنمية المستدامة ولديها مركز للتطوير الصناعي وأبحاث الغذاء (إدراك) الذي يحتضن مراكز متخصصة تلتزم بإحترام تطبيق معايير جودة المنتج والمواصفات والسلامة الصحية والغذائية ولديها الكثير من المشاريع والبرامج التي تستعد لإطلاقها في المستقبل الواعد لان سقف طموحاتها لا تقف عند حد معين، أما بالنسبة الى ما وصلت اليه مبادرة طرابلس عاصمة لبنان الإقتصادية من زاوية الإعتمادية الرسمية لها من جانب الحكومة اللبنانية فإنه لا بد لنا من الإشارة الى أن أول من تلقف وبارك المبادرة هو دولة رئيس مجلس الوزراء الشيخ سعد الدين الحريري كان ذلك في أول خطوة خطوناها حينما قمنا بزيارته في السراي الحكومي على رأس وفد إقتصادي شمالي ضم أعضاء مجلس الإدارة ورؤساء وأعضاء هيئات إقتصادية ونقابات المهن الحرة ورجال أعمال وفاعليات كان ذلك في 3 تموز 2017، وتم إدراجها على جدول مجلس الوزراء إلا أن الظروف العامة قد حالت دون إقرار إعتمادها وبالرغم من إدراكنا المسبق للظروف العامة فإننا لا نزال ننتظر إقرارها بإعتبارها مبادرة إستراتيجية إنقاذية للبنان ولمحيطه العربي وللمجتمع الدولي، ونتوجه في نفس السياق الى تعزيز وتطوير الشراكة بين القطاعين العام والخاص وفقاً للقانون الذي تم إقراره في خريف العام الماضي 2017، وكلنا ثقة أن المستفيد الأول من الإعتمادية الرسمية للمبادرة هي الدولة اللبنانية وماليتها العامة لما لها من مرافق ومؤسسات عامة تعود بالمنفعة عليها وتعتبرها المبادرة المرتكزات الإستراتيجية ومواطن القوة التي تتطلع الى بناء أوسع صيغ الشراكة مع شركاء أقوياء من المجتمع الدولي يلعبون دوراً وازناً في إنجاح مسيرة التنمية والإستقرار والإزدهار كما تجلت بشكلها النموذجي في برنامج تنمية القطاعات الإنتاجية في لبنان التي تعتبر غرفة طرابلس شريكة اساسية فيه وغيره من البرامج التي تجعلها في قلب حركة الإقتصاد المعاصر بكل متطلباته".

ما هو الدور الذي ستلعبه مدينة طرابلس بسبب موقعها الجغرافي في إعادة إعمار سوريا؟

تتجه أنظار أصحاب المصالح العليا لا سيما المستثمرون منهم الى مدينة طرابلس ودورها المتوقع في إعادة إعمار سوريا إذا توفّرت كل العوامل المساعدة على أن تكون عاصمة لبنان الإقتصادية حيث ستلعب مرافقها ومؤسساتها العامة وبشكل خاص شريانها الحيوي المتمثل بمرفا طرابلس الدور الأبرز في هذه المهمة، وهو ما كان واضحاً من وعود كثيرة لبنانية وصينية وروسية وجهات اخرى متعددة الجنسيات ترافقت مع خطوات عملية للبدء في تأهيله وتطويره كي يكون جاهزاً لهذه المهمة، وأن المسؤولين اللبنانيين أكدوا على إختلاف توجهاتهم وخياراتهم أن طرابلس هي المحطة الأساسية في لبنان لإعادة إعمار سوريا، وأن ما تحتضنه من مرافق عامة تسمح لها القيام بهذا الدورفي موازاة العمل على تطوير البنى التحتية من سكة حديد وطرق وتجهيز مطار الرئيس رينه معوض (القليعات) ومعرض رشيد كرامي الدولي والمنطقة الإقتصادية الخاصة وأن مسألة إعادة إعمار وبناء سوريا تغذيها طموحات أطراف عديدة، خاصة الصناعيين، وهم أول المعنيين بهذا الأمر، الذين يقفون في حالة تأهب.

- كيف جاءت حركة السياحة في الشمال بشكل عام وفي طرابلس بشكل خاص خلال موسم إصطياف 2018؟

في الواقع يملك لبنان عموماً وشماله خصوصاً كل المقومات لتكون السياحة رافعة للإقتصاد الوطني، ولقد إمتازت سنة 2018 بأنها سنة السياحة الدينية وهي مزدهرة من خلال المكانة الدينية الإسلامية والمسيحية على الأرض اللبنانية.

ونحن لدينا في غرفة طرابلس ولبنان الشمالي توجه في المرحلة الراهنة الى إطلاق "ركن ذكي" لتطوير وتحديث القطاع السياحي إن من حيث المعلومات أو من حيث الخدمات ونفتح بذلك الأبواب مشرعة أمام لمجيء السواح الى لبنان الشمالي بشكل خاص ونحن كقطاع خاص قادرين على تنشيط السياحة اللبنانية بكل وجوهها وفي كل اشكالها وتجلياتها، خصوصا أننا بلد خدمات، ومع التقدم التكنولوجي أصبحت الخدمة اسرع وجاذب لمختلف أنواع الإستثمارات وكل هذا التوجه يهدف الى إظهار صورة لبنان الجمالية امام مختلف بلدان العالم لا سيما اللبنانيين المنتشرين في جهات العالم الأربع وعلى العموم يمكن الإضاءة على مؤشرات إيجابية تجاه حركة السواح والزوار الذين زاروا مختلف الأمكنة السياحية في طرابلس والشمال مقارنة مع سنوات سابقة بالرغم من حساسية الأوضاع الإقتصادية اللبنانية والحظر التي تفرضه بعض البلدان الأوروبية على رعاياها لزيارة لبنان.