عقد رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال ​لبنان​ ​مارون الخولي​ مؤتمراً صحافياً تناول خلاله قضية أصحاب المولدات وقرار وزارة الإقتصاد الأخير بتنظيم هذا القطاع عبر إلزامهم بتركيب عدادات للمشتركين. 

وقال الخولي في المؤتمر "نلتقي اليوم لنصرخ عالياً باسم الشعب اللبناني الذي يتعرض لأكبر عملية نهب مقوننة من خلال قرارات حكومية غير مدروسة شرّعت عمل مافيا مولدات الكهرباء على رقابه، وسلّطتها على جيوبه وصحّته ... فالتسوية التي جرت بين الحكومة وهذه المافيا، التي تجسّدت من خلال قراري وزارتي الطاقة والإقتصاد، أتت معاكسة للمنطق الطبيعي لأي خطوة إصلاحية تقوم بها الدولة لصالح شعبها، فما حصل هو فضيحة بحجم الوطن.

ان مافيا المولدات الخاصة التي كانت تتحكم منذ الثمانينات بسوق تناهز قيمته الملياري دولار أميركي سنوياً من أموال المواطنين تم تشريعها على رقاب المواطنين، ومضاعفة أرباحها، من خلال القرارين الأخيرين لوزارتي الإقتصاد والطاقة، وعلى اللبنانيين ان يفهموا طبيعة هذا الملف ومدى تاثيره على إحداث إصلاحات حقيقية في قطاع الطاقة والذي كلفهم 32 مليار دولار حتى اليوم وهو ما زال في واقع المشلول ...

نعم إن حجم إمبراطورية هذه المافيا ضخم ومتشعب ومرتبط بشبكة علاقات على كل المستويات من زعماء ومسؤولين ورؤساء بلديات وشخصيات، استطاعت من خلالها على بسط سلطتها على الأحياء وفي الشوارع، والبعض منها عمد على احتكار مدن وقرى بالعشرات، فهذه المافيا التي تشعر بفائض القوة لا تقيم وزناً للدولة لا بل تعتبرها جزءاً من أدواتها".

وتابع الخولي "نعم استطاعت هذه المافيا تجاوز قرار مجلس الوزراء المتخذ منذ 6 سنوات بعد صرخة كبيرة أطلقها اللبنانيون من فرض مافيا المولدات أسعاراً مضخّمة، وهو القرار رقم 2 بتاريخ 14/12/2011 والمتعلق باتخاذ التدابير اللازمة لضبط تسعيرة المولدات الخاصة، والذي أردف بآلية التطبيق المشتركة بين الوزارات (الطاقة الداخلية والإقتصاد) والمعلن عنها بتاريخ 20/12/2011.

هذا القرار في حينه تضمن إلزام أصحاب المولدات لتعبئة تصاريح خاصة بعملهم وتركيب عدادات إلكتروميكانيكية .. إلا ان مافيا المولدات ومن وراءها تفلّتت طيلة ستة سنوات من تنفيذ القرار، لحين جاء قرار وزارة الاقتصاد والتجارة ذات الرقم 100/1/أ 2018 ليُعيد العمل بقرار مجلس الوزراء مع إعطاء اصحاب المولدات ثلاثة أشهر لتنفيذ القرار تحت طائلة تطبيق أحكام المادة 770 من قانون العقوبات والمادة 119 من قانون حماية المستهلك ... إلا ان مافيا المولدات ضربت عرض الحائط بقرارات الحكومة من جديد وكسرت هيبة الدولة بالتطاول على الخطوات الإصلاحية لقرار وزير الإقتصاد ووصلت لحدود التهديد في إغراق لبنان في العتمة بما فيها قطع التيار عن الإدارات الرسمية والمؤسسات العامة والخاصة ...

فماذا حصل؟ حصل أن هذا التهديد والوعيد حقق مكاسب جديدة لهذه لمافيا المولدات تقدر بمليارات الدولارات، إضافة إلى إنتصار معنوي جعل من الدولة أضحوكة ومن الناس ضحية .. فلم تكتفي هذه المافيا بكسر هيبة الدولة في عدم الالتزام بتركيب العدادات وفي الافصاح عن المعلومات المتعلقة بشبكاتها غير الشرعية، بل خسرت الدولة معركة تخفيض فاتورة الاستهلاك المقدرة بحدود 30% ومن جهة أخرى أضافت على سعر الفاتورة بعد هذا السجال ما يعادل 30% ربح إضافي، فضلاً عن الأرباح الخيالية الفورية التي تساوي مئات الملايين من الدولارات المتمثلة بالدفع المسبق من المواطن لبدلي التأمين والإشتراك الشهري.

نعم، وللأسف، ان كان معالي وزير الإقتصاد يدري أو لا يدري، انتصرت المافيا وانكفأت الدولة مهزومة، وورائها شعب مكسور مذهول بالانقلاب الحاصل على مصالحه من قرار حكومته، التي كانت يجب أن تأتي لمصلحته بتخفيض فاتورة الاستهلاك لحدود 30%، وتحولت بقرارات وزارية عشوائية كرّست شرعية اصحاب المولدات وجعلت من المستهلك اللبناني خروف العيد بحيث قدمت بمثابة اعتذار منها لكل صاحب مولد هدية ثمن مولدين كهربائين يدفع ثمنهما اللبنانيون مباشرة وفورا ومن دون عذر، تحت طائلة قطع تيار المولد عنهم وبغطاء من الدولة نفسها ودون اي مراجعة".

ولفت إلى ان "هذه القرارات أعطت الحماية القانونية والشرعية لهذه المافيا بالتحكم في أكبر قطاع حيوي يتعلق بحياة اللبنانيين.

ثانياً: مكتسبات مافيا المولدات في المعركة بالحقائق والأرقام:

في الوقائع، سنبيّن بالأرقام كيف تحوّلت الخطوة الإصلاحية من مصلحة المواطن لمصلحة مافيا المولّدات:

أ: في تسعير الإشتراك والإستهلاك الشهري:

حددت وزارة الطاقة والمياه في شهر آب 2018 تسعيرة ساعة الكيلو واط قدرة 5 أمبير بالتالي: المقطوعية الشهرية 329 ل.ل. عن كل كيلواط ساعة X 300 ساعة قطع + الإشتراك الثابت 12000 ل.ل. = 110700 ل.ل.

وبعد احتجاج اصحاب المولدات زادت وزارة الطاقة والمياه أسعار المقطوعية الشهرية والإشتراك الشهري في شهر أيلول 2018 كما يلي (تسعيرة ساعة الكيلو واط قدرة 5 أمبير): المقطوعية الشهرية 410 ل.ل. عن كل كيلواط ساعة X 300 ساعة قطع + الإشتراك الثابت 15000 ل.ل. = 110700 ل.ل. = 138000 ل.ل.

فيكون القرار قد زاد أرباح اصحاب المولدات 27300 ل.ل. عن كل مشترك بـ 5 أمبير أي ما يعادل 20%، زد على ذلك الإشتراكات الأكبر 10 و 20 و50 أمبير، فهل يمكن أن تتصوروا حجم الأرباح غير المستحقة من خلال هذا القرارات؟

أضف إلى ذلك، من يضمن للمواطن عدم التلاعب في تسفير العداد عند التركيب واحتساب المصروف الشهري كما تفعل شركة كهرباء لبنان عند تركيب عداداتها.

ب: في كلفة التمديدات والعدادات:

أصدر وزير الإقتصاد تعميماً رقمه 3/1/أن تاريخ 8/10/2012 ويتعلق باحتساب كلفة تركيب العدادات وتمديداتها على حساب المشترك يستوفيه أصحاب المولدات وسقفه الأعلى 50000 ل.ل. وهذه كلفة إضافية جائرة على جيب المواطن.

ج: في كلفة التأمين:

في نفس التعميم الوارد آنفاً والصادر عن وزير الإقتصاد، الذي أعطى أصحاب المولدات أحقية استيفاء من المواطن قيمة تأمين على الإستهلاك أقلها 100000 ل.ل. عن اشتراك 5 أمبير، وتزيد هذه القيمة تصاعدياً مع زيادة حجم الإشتراك: 75000 ل.ل. عن كل 5 أمبير إضافية. وهذه إيضاً كلفة إضافية غير مبررة اقتصاديا على جيب المواطن.

ثالثاً: كيفية جني الثروات من خلال توليد الكهرباء من المولدات الخاصة:

يعتمد أغلبية أصحاب مولدات الكهرباء على شراء مولدات ذات قوة KVA500 التي تستطيع توليد التيار الكهربائي لحوالي 350 مشتركاً من فئة 5 أمبير بحدها الأدنى.

وبحسب القرارات الأخيرة لوزارتي الإقتصاد والطاقة، بات كل مولّد يحقق أرباحاً شهرية ثابتة وطائلة لصاحبه شهرياً من خلال أبواب ثلاثة سنحتسب هنا على اساس إشتراك 5 أمبير X 350 مشتركاً:

الإشتراك الشهري = 15000 ل.ل. * 350 مشتركاً = 5,250000 ل.ل.

فتكون كمية الإشتراكات سنوياً: 5250000 * 12 شهراً=63,000000 ل.ل.

التأمين على الإستهلاك: 100000 ل.ل. * 350 مشتركاً= 35,000000 ل.ل.

كلفة التمديدات: 50000 ل.ل. * 350 مشتركاً=175,00000 ل.ل.

وبذلك يكون مجموع الاموال الطائلة التي يجبيها اصحاب المولدات من كل مولد فئة "KVA500" بفضل القرارات الحكومية الأخيرة قبل أن يبدأ بتوليد كيلواط واحد:

115,500000 ل.ل. أي ما يعادل 77,000 دولار أميركي.

علماً ان سعر مولد الكهرباء المذكور اي فئة "KVA500" ما يعادل 45000 دولار أميركي فقط.

وبالتالي تكون الدولة قد أعطت بموجب قراراتها الأخيرة لكل صاحب مولد كهربائي هدية مجانية قيمتها مولدين كهربائيين.

وهذا ما يعيدنا بالذاكرة إلى منتصف التسعينات وعملية نهب اللبنانيين عبر شبكة الهاتف الخليوي والتي من خلالها تم سحب 500 دولار أميركي من جيب كل مواطن عن خطه الثابت.

رابعاً: أين شركة كهرباء لبنان؟ وأين نواب لبنان؟

بعد هذا العرض التقني التفصيلي عن هذه الفضيحة-المهزلة، وما سر صمت صاحب الإمتياز الحصري لتوليد الكهرباء في لبنان، ونعني به شركة كهرباء لبنان؟ وما سبب صمت نواب الأمّة عن هذه المخالفة للقوانين، والتخاذل في الدفاع عن مصالح الناس؟

إن القرارات الاخيرة لوزارتي الإقتصاد والطاقة، شكلت سابقة خطيرة تتمثل بمخالفة القانون الصادر عام 1969 والذي ينص على حصرية الإنتاج الكهربائي بمؤسسة كهرباء لبنان، خصوصاً في إعطاء كلفة إشتراكات ثابتة وتأمينات لأصحاب المولدات. وبالتالي تجاوزوا عملية تنظيم عمل المولدات إلى إعطاء إمتياز توليد الكهرباء بالآلاف في جميع المناطق اللبنانية وبشكل مجاني. فكيف سيكون الواقع في حال قيام أي نزاع بالمستقبل بينهم وبين الدولة؟

خامساً: في الموقف:

يؤكد الإتحاد العام لنقابات عمال لبنان رفضه لكافة القرارات والتعاميم الأخيرة ذات الصلة بموضوع المولدات الخاصة، ويطالب وزارة الإقتصاد ووزارة الطاقة والمياه بالتراجع فوراً عنها وبالأخص إلغاء التأمين المسبق وتركيب العدادات،والاشتراك الثابت والعودة إلى تسعيرة شهر حزيران 2018 والبالغة 292 ل.ل. عن كل كيلوواط ساعة،علما ان هذه التسعيرة ركبت على اساس سعر 20 ليتر من المازوت الاخضر 20 الف ليرة ما يعادل سعره لشهر ايلول والذي بلغ 410عن كل كيلوواط وإعادة دراسة هذا الملف من ناحيتيه الحسابية والقانونية بمشاركة ممثلي النقابات والمجتمع المدني في لجان التسعير لتلافي انعكاساتهما السلبية على المواطن والدولة.

ويقترح الإتحاد في حال عدم تجاوب مافيا المولدات، الحلول التالية:

تسليم البلديات ملف مولدات الكهرباء من خلال سياسة عامة مركزية تضعها الوزارات المختصة، كون البلديات هي مؤسسات لا تبغي الربح، ولديها فرق صيانة قادرة على ادارة هذه المولدات او على التعاقد مع مؤسسات صيانة لصيانة المولدات .

ان تسليم المولدات للبلديات سيعيد خلق الاف فرص العمل لليد العاملة اللبنانية خصوصا وان اصحاب المولدات يستخدمون الاف العمال الاجانب في هذا القطاع ويحولون مئات الملايين سنويا خارج لبنان .

إن الإتحاد مستعد ولديه القدرة على تقديم المشورة التقنية والفنية لجميع البلديات الراغبة في إدارة المولدات في نطاقها البلدي.

ازالت الاحتكارات عبر فتح باب المنافسة من جديد في كل المناطق لمستثمرين جدد يرغبون في العمل في هذا القطاع تحت اطار المنافسة في السعر والجودة ويتعهدون بالإلتزام بقرارات الدولة ذات الصلة".

وختم الخولي "يدعو الاتحاد الشعب اللبناني الى مواجهة مافيا المولدات بكل الوسائل الديموقراطية لاسقاط هيمنتها واحتكارها وشجعها وسيعمل الاتحاد على تنظيم هذه المعارضة في الاحياء والشوارع والمدن في حال لم تبادر الحكومة الى الغاء قراراتها والعمل على معالجة جدية لمكافحة مافيا المولدات.

وان الإتحاد مقتنع بالنوايا الإصلاحية للرئيس العماد ميشال عون، يناشده وضع يده على هذا الملف الحيوي والخطير، والذي يخصّ كل مواطن لبناني مقيم. وإن الإتحاد ضنين بنجاح مسيرة العهد والدولة في مواجهة مافيات الفساد المتجذرة في مفاصل الإدارة والمجتمع".