إن مسيرة النجاح تنبع من مبدأ، فحياتنا قرار وخيراتنا الناجحة إنتصار.

ففي ظل الظروف القاسية التي مرّ بها ​لبنان​، نشأ جيل قرر وصمم على البقاء في وطنه رغم كل المعوقات..

هذا الجيل تمسّك بأرضه.. وإن سعى للحصول على شهادة أجنبية عاد لينفع من خلالها أبناء بلده.. وبالتالي من واجبنا إلقاء الضوء على هذه الشخصيات الوفية، ليس من باب التكريم فقط بل أيضاً لنتسفيد من خبراتهم ونصغي إلى نصائحم.

إنطلاقاً من هذا الهدف كان لـ"الإقتصاد" مقابلة خاصة مع الأستاذ الجامعي ومؤسس "Think Tank" د. محسن مكاري الذي شاركنا أبرز محطات حياته الأكاديمية والمهنية.

1- كيف تختصر مسيرتك الأكاديمية وصولاً إلى تأسيس شركتك الخاصة؟

الظروف التي واكبت مسيرتي الأكاديمية، كانت ظروفاً صعبة وبكل ابعادها، ظروفٌ عانى ويعاني منها معظم الشباب اللبناني. فغياب الضمانات من أمنية، إقتصادية وتربوية، وغياب فرص العمل نتيجة ​الفساد​ المتفشي، والمحسوبيات كما التمييز والطائفية، كل هذا ما كان ليرسم إلا صورة قاتمة عن مستقبل مجهول لم تكن لتتضح رؤياه لو كان ترك لتلك الحلقة المفرغة والمتمثلة بإصلاحٍ حقيقي وتغيير ممكن في الأشخاص كما في النظام الإجتماعي والسياسيEstablishment"". كان لبنان قد بدأ لتوه بالخروج من حربٍ مدمرةٍ اثقلت كاهل المواطنين بجراحٍ إنسانيةٍ، إجتماعيةٍ وإقتصاديةٍ. وكنت كما الكثير من الشباب الذي نشأ على الإيمان بهذا الوطن وبإمكانية إستعادته لعافيته وقيامته من تحت رماد الدمار والفوضى، وكان الخيار هو البقاء في لبنان وإكمال دراستي الجامعية فيه بالرغم من توفر إمكانية السفر للخارج.

مهتماً بالإنسان كقيمةٍ جوهريةٍ لبناء المجتمعات والأوطان، اخترت دراسة الحقوق ( دراسة كان لها أن تفتح مجالات عملٍ واسعةٍ، كما لم تكن لتبعدني عن العلوم السياسية والإنسانية التي طالما شدتني) فنلت الإجازة في الحقوق اللبنانية من جامعة الروح القدس الكسليك "USEK" والإجازة في الحقوق العامة، بعد فترة من الوقت قررت إستكمال تعليمي العالي لأتحول نحو الحب الأول ألا وهو العلوم السياسية والعلاقات الدولية، فحذت على الماجستير في العلوم الدبلوماسية والمفاوضات الإستراتيجية من جامعة Paris 11, Faculte Jean Monnet, France ودبلوم الدراسات المعمقة "DEA" في العلاقات الدولية من جامعة الحكمة لبنان. وكان الإصرار على متابعة المسيرة العلمية وعدم الإكتفاء، فالتحقت وبعد قبولي في جامعة "Harvard", Boston Massachusetts, USA" في ​الولايات المتحدة​ متمماً الدكتوراة في الفلسفة "PhD" في: الدبلوماسية، المفاوضات الإستراتيجيات وحل الأزمات السياسية الدولية." Diplomacy, Strategic Negotiations and International Political Crisis".

2- بإختصار، ما هو نشاط عمل شركتك؟

إلى جانب رسالتي الأكاديمية كاستاذٍ محاضرٍ في العلاقات الدولية والحقوق في عددٍ من الجامعات الاوروبية واللبنانية، كان القرار مع مجموعةٍ من الزملاء الاكاديميين بإنشاء "Public Policy Research Centre", "Think Tank"أي مركز أبحاثٍ في السياسات العامة، العلاقات الدولية، ​الاقتصاد​ والأعمال. يقدم المركز الأبحاث العلمية، الإستشارات، التقارير الدورية: في العلوم : السياسية، الإقتصادية، الإجتماعية ، الإنسانية، والأعمال، وذلك للأفراد كما للمؤسسات العامة والخاصة.ويكون المركز في متناول من أحب من الخريجين الجدد والمتدرجين، وفي كافة الإختصاصات التي جئت على ذكرها سابقاً، وذلك بقصد إنتاج أبحاثٍ أكاديميةٍ ومهنيةٍ عاليةٍ ورؤيويةٍ كنا قد خططنا لها مع تأسيس مركزنا. ونحن اليوم بصدد وضع اللمسات الأخيرة على القسم الثاني والمتقدم من مشروعنا واللذي ينتقل بمركزنا إلى مستواً علمي، أكاديمي ومهني متقدم وأبعد تأثيراً.

3- ما هي أبرز الصعوبات المهنية التي واجهتها وكيف تخطيتها؟

أراني في اجابتي عن هذا السؤال محاولاً الخروج عن التقليد في تعدادوتوصيف المعوقات التي واجهتني وما زالت كما واجهتوتواجه الأخرين، لاتقدم ببعض النصائحأو خلاصة خبرات لمن ارادها: إن تأسيس عمل فردي هو من الصعوبات بمكان جد متقدم، العمل الجماعي هو ما يتطلبه عالمنا وهو ما تتطلبه العولمة "Globalization" بكل ابعادها ومنها الإقتصادية والثقافية. بناء العلاقات العامة، القدرة على التواصل مع الاخرين، بناء مجموعةٍ علمية ثقافية منسجمة متناسقة موحدة الأهداف والتطلعات، تتبادل الثقة، الأحلام والتطلعات، لتبني مستقبلاً ونجاحات. هذا بإعتقادي سر الوصفة السحرية للنجاح في يومنا هذا.

4- كيف ترتب العناصير التالية بحسب الأولوية لتأسيس مسيرة مهنية ناجحة: الشهادة الجامعية، رأس المال، الخبرة؟

لتأسيس مسيرة مهنية ناجحة في عالمٍ فيه المنافسة محتدمةٌ وقاتلةٌ يجب أن تتضافر لها مجموعةٌ من المقومات أو العناصر، يمكن ترتيبها كما يلي:

أولاً الشهادة الجامعية مقترنة بالثقافة، ثانياً الخبرة ترافقها الرؤية. وثالثاً رأس المالمع الإسترتيجية.

مبتعداً عن المثاليات، استطرد لأشير إلى ما اعتبره أهم المقومات وأصلبها ألا وهي الإرادة، الإصرار والمثابرة.

5- من خلال خبرتك المهنية الخاصة، ما هي الرسالة التي تود إيصالها للشباب في لبنان؟

للشباب اللبناني رفاقي وإخوتي اتوجه لأقول، اعطوا الوقت قيمته، الأخلاق والثقافة، الأخلاق والثقافة ثم الأخلاق والثقافة.

وأختم بسرد واقعةٍ من تاريخنا اللبناني، متوجهاً بها للشباب اللبناني الطامح لإستكمال دراسته في الخارج، وليس مستبعداً البقاء في الخارج مؤسساً حياتهكما الكثير الكثير ممن سبقه.

سنة 1584 تأسست في ​روما​ المدرسة المارونية التي كانت تستقبل الطلاب اللبنانيين ( معظمهم أطفال لم يبلغوا سن الرشد)، ليتعلموا اللاهوت،اللغات والعلوم، وقد كان الشرط الأساس والجوهري لقبولهم في المدرسة ولسفرهم هو العودة إلى الوطن وتلقين وتعليم ما اكتسبوه من علمٍ وثقافةٍ لاخوتهم أبناء لبنان أبناء الوطن. هكذا يبنى الوطن وهكذا يبنى المستقبل داخل الوطن.