بعد موجة التفاؤل في ​سوريا​ و​الاردن​ .. و​لبنان​ ، بقرب اعادة فتح معبر نصيب الحدودي الاستراتيجي ، برزت خلافات اقتصادية وتعقيدات سياسية وأمنية ، اجهضت هذا التفاؤل ، لتحل محله موجة من التساؤلات.

فقد اعلنت دمشق قبل ايام اعادة فتح المعبر مع الاردن من جانب واحد ، ثم اعلنت ان الافتتاح ليس فوريا وانما في العاشر من الشهر الجاري ، لتعود وزارة النقل السورية وتوضح ان الإعلان كان خطوة سورية للإعلان عن جهوزية المعبر من الجانب السوري، واستكمال التحضيرات بشكل كامل لإعادة فتح المعبر.

والواقع ان سبب هذا التعثر هو طلب الجانب ​الأردن​ي عبر قنوات الاتصال بين الجانبين عدم التفرد في الإعلان عن فتح المعبر، والتنسيق بين البلدين ليكون ذلك في موعد واحد. وتعترض ​عمان​ بالدرجة الاولى على القرار السوري بزيادة رسوم العبور، وتريد ان تطبق مبدأ المعاملة بالمثل ، لان دمشق رفعت في وقت سابق رسوم الترانزيت والشحن، لكل ال​شاحنات​ السورية والعربية والأجنبية التي ستعبر الحدود، لخمسة أضعاف لتصبح 10% بعد أن كانت 2%.

هذا القرار أثار حفيظة الجانب ​الأردني​ الذي حاول المناورة عليه، فالمحت عمان الى امكانية استصدار قرار بمنع ​الشاحنات​ السورية من الدخول الى الاراضي الاردنية ، على أن يتم إيصال البضائع إلى الحدود الأردنية ومن ثم نقلها إلى شاحنات أردنية لنقلها الى وجهتها ، فردت دمشق بقرار اعادة فتح المعبر من جانب واحد ، في محاولة منها لتأليب ​التجار​ الاردنيين الذين ينتظرون فتح المعبر على احر من الجمر،على سلطات بلدهم ، والضغط لاجبارهاعلى التعاون مع دمشق .

وفي آخر المعلومات ، العاصمة السورية ، ان هذا الاشكال تم تجاوزه وسيشهد الأسبوع المقبل جملة من الاجتماعات الفنية والإدارية بين اللجان المعنية، سيعاد بناء عليها تشغيل المعبر في الوقت الذي سيتم الاتفاق عليه، وضمن المدة التي أعلن عنها الجانبان،أي في غضون أيام.

هذا في الجانب الاقتصادي ، وبرأي المتابعين ، انه يمكن معالجة هذا الجانب بالحوار نظرا لوجود مصلحة مشتركة بين البلدين لاعادة فتح المعبر.

ولكن في السياق برزت أسباب اخرى لتعثر فتح المعبر ، تتخطى مجرد الخلاف على الرسوم، او المسائل الفنية، لتشمل جوانب سياسية أيضا، ويبدو أن تريث الطرفين يعود إلى رغبة كل منهما في الحصول على أكبر قدر من المكاسب السياسية والاقتصادية مقابل فتح المعبر ، وخصوصا في الجانب السوري . لان أهمية فتح المعبر بالنسبة ل​روسيا​ وسوريا سياسية، بالدرجة الاولى ، كونه سيمثل نصرا معنويا كبيرا لهما، ودليلا آخر على أن كل شيء يعود بسرعة لطبيعته ، وأن الحرب توشك على نهايتها.

كما أن فتح المعبر يدخل أيضا في حسابات ​موسكو​ ودمشق المتعلقة بإعادة الإعمار، وتنشيط حركة التبادل مع دول الجوار لإدخال ​مواد البناء​ ومستلزمات إعادة الإعمار، حيث لا شك أن فتح المعبر سيعود بفوائد كبيرة على ​الحكومة السورية​ من الناحية الاقتصادية، وتحديدا استعادة حركة الترانزيت التي تقدَّر خسارة سوريا نتيجة فقدانها خلال السنوات الماضية بنحو خمسة مليارات دولار، في حين خسر الأردن 800 مليون دولار ولبنان 900 مليون دولار.

بالنسبة لعملية اعادة الاعمار فموقف ​المجتمع الدولي​ عموما معارض لاطلاقها الان ، وقبل جلاء صورة الحل السياسي ، وبكلام آخر أوضح بمصير النظام وطبيعته. والاردن لا يستطيع تجاهل هذه الرغبة الدولية.

في المقابل تقول الاوساط المتابعة في عمان ان الحكومة السورية تروج معلومات تفيد ان فتح المعبر هو مصلحة أردنية بالدرجة الأولى، نظرا لأن العلاقات التجارية بين الحكومة السورية و​دول الخليج​، ​مقطوعة​ منذ إغلاق المعبر عام 2015، ما يعني أن ​تجارة​ الترانزيت، التي ستعبر من المعبر ستفيد الأردن، بصورة رئيسية، ولذلك، تريد دمشق ثمنا لقاء فتح المعبر. في حين ان المستفيد الاول ، وفقا لعمان ، كما تبين الارقام هي سوريا،وسترتفع العائدات الى الخزينة السورية خمسة اضعاف عن السابق بسبب قرار رفع الرسوم المذكور.

ويخشى الاردن ان سوريا تريد ان يتم فتح المعبر في سياق رزمة من إجراءات التطبيع السياسية والتفاهمات الامنية معه ، في حين أن الأردن قد تكون لديه محاذير وحسابات سياسية، ترتبط بانفتاحه على دمشق، لا سيما وسط توقعات بمزيد من التأزم بين الاميركيين والروس في سوريا وعليها، وعدم وجود رغبة عربية وخليجية في الانفتاح القريب على دمشق. وليس من مصلحة الاردن ان يكون رأس حربة التطبيع مع سوريا، أقله في الوقت الراهن .

وكما جاءت العرقلة من الجانب السوري سياسية ، رد الاردن بالمثل ، فاقام حوارا مباشرا مع روسيا من اجل فتح المعبر ، كما ربطت عمان بين موافقتها على فتح المعبر من جهة، وعودة عدد لا بأس به من اللاجئين من أراضيها إلى مناطقهم في الجنوب السوري، من جهة ثانية. وأكثر من ذلك طلبت من روسيا أن تقوم شرطتها العسكرية بدور أكبر في حماية النازحين الذين يريدون العودة لمناطق استعادها الجيش السوري في الآونة الأخيرة ، وهذا ما اغضب ​السلطات السورية​.

عامل سياسي عسكري آخر يضاف الى تعقيدات ازمة المعبر ، فالبعض يعتبر ان الاتفاق الأخير بين روسيا و​تركيا​ الخاص بإدلب، والذي يقضي بفتح الطرقات الدولية في الشمال السوري، ويسمح بعودة حركة نقل البضائع التركية عبر الطريق البري باتجاه سوريا وما بعدها جنوبا، هذا الاتفاق سيكون عنصرا ايجابيا يدفع باتجاه تسريع فتح المعبر ، ولكن في المقابل ثمة من يعرب عن تشاؤمه ، لان اتفاق ادلب لا يزال على الورق ، ودون تنفيذه عقبات كثيرة ، وقد ينتهي الى الفشل، ما يعني ان معركة ادلب قد تندلع في اي وقت ، وهي معركة يتوقع لها المراقبون ان تطول .

فهل يرتبط فتح هذا الشريان الحيوي بكل تعقيدات ​الازمة السورية​، المحلية والاقليمية والدولية ، وهي تعقيدات سياسية وعسكرية وانسانية (النازحون ) . وهل يبقى مسدودا مختنقا بفعل هذه التعقيدات .

الجدير بالذكر ان معبر نصيب كما يسمى في سوريا، ومعبر جابر في الأردن،هو المعبر الرئيس بين 19 معبرا بريا سوريا، ويصفه البعض بالمعبر الأهم في ​الشرق الأوسط​.

ووصل عدد الشاحنات التي كانت تجتاز المعبر قبل بدء ​الأزمة السورية​ عام 2011 إلى 7 آلاف شاحنة يوميا، وهو يضم 3 مسارات منفصلة، واحد للمسافرين القادمين وآخر للمغادرين بمركباتهم الخاصة أو وسائط النقل العمومية، وثالث مخصص للشاحنات القادمة والمغادرة، كما تحاذيه ​منطقة حرة​ سورية أردنية مشتركة.