تدخّلت ​الدولة اللبنانية​ للمرة الأولى في عملية دعم القروض السكنية، بعدما كان الأمر منوطاً لفترة طويلة ب​مصرف لبنان​ (منذ 2009)، الذي أعطى الدعم بآليات عدة، ولكن من دون ترشيد بما يصبّ في مصلحة ذوي الدخل المحدود. فغياب ضوابط الدعم السابق أتاح استفادة أطراف من غير ذوي الدخل المحدود، مما اوصلنا إلى الأزمة الحالية القائمة.

وأقر ​مجلس النواب​ الأسبوع الماضي، فتح اعتماد بقيمة 100 مليار ليرة لمصلحة ​المؤسسة العامة للإسكان​ لدعم القروض السكنية لذوي الدخل المحدود لمدة سنة، وقد أخذ هذا القانون حيزاً واسعاً من النقاش وسط محاولة بعض النواب إسقاطه باعتباره "سلسلة رتب ورواتب" جديدة! بإعتبار أن تقديم الدعم يفتح أبواباً كبيرة في الإنفاق ما قد يحمّل الخزينة أعباء لا طاقة لها بها، أضف إلى ذلك أن المبلغ المخصص للدعم لن يكون قادراً على تحمّل كلفة القروض لفترة زمنية طويلة، وبالتالي ليس هناك إستدامة أو إستمرارية للقروض.

من جهة اخرى أكد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة على إعادة العمل بقروض ​الإسكان​ المدعومة مع بداية العام 2019، معلناً أن مصرف لبنان سيُحدّد رزَماً تحفيزية جديدة للقروض السكنية في العام المقبل على أن يُحدّد المجلس المركزي القيمة في وقت لاحق.

إلا أن هذه الحلول تبقى مؤقتة، ولا تتسم بالإستدامة في ظل الضغط الكبير والمتزايد على القروض الإسكانية، وغياب سياسة إسكانية متكاملة تضمن حق السكن لذوي الدخل المحدود في لبنان. فهل الدولة قادرة فعلا على دعم القروض السكنية ضمن سياسة إسكانية واضحة وجديدة ؟ وما هي إرتدادات ذلك على الخزينة وعلى العجز؟ ما هي السياسة الإسكانية الأفضل ؟ وكيف سينعكس الإرتفاع الصاروخي في الفوائد محليا على الوضع الإقتصادي بشكل عام ؟

أسئلة كثيرة أجاب عنها الخبير الإقتصادي د. كامل وزنة في هذه المقابلة مع "الإقتصاد".

هل تعتقد ان الدولة قادرة على دعم القروض السكنية ضمن سياسة إسكانية واضحة وجديدة ؟ وما هي إرتدادات ذلك على الخزينة وعلى العجز؟

بداية الكل متفق اليوم على ان لبنان بات بحاجة إلى سياسة إسكانية جديدة تختلف عمّا كان متبعا في السابق، فالدعم الذي قدمه مصرف لبنان منذ العام 2009 وحتى اليوم للقروض الإسكانية والذي وصل إلى 5 مليارات دولار، كان له إيجابيات كثيرة في أماكن عديدة، ولكنه لم يستطع تأمين الإستمرارية ولا تحقيق الأرباح للمؤسسة العامة للإسكان، بهدف تحولها إلى مؤسسة ربحية قادرة على الإستمرارية في تقديم القروض الإسكانية في المستقبل.

فحق السكن يضمنه الدستور، وأقل ما يمكن للدولة اللبنانية أن تفعله هو تسهيل عملية شراء أو إمتلاك مسكن لذوي الدخل المحدود. لا شك ان هناك تكلفة كبيرة على الدولة لدعم القروض الإسكانية، وقد يرفع هذا الامر من النفقات، ولكن الحاجة لدعم هذه القروض في هذا الوقت يعتبر أمراً ملحّاً، خاصة أنه يؤمن فرصاً كثيرة في قطاع العقارات ويساعد على الإنماء ويخفف من الركود الحاصل في الإقتصاد الوطني. أضف إلى ذلك أنه يساهم إجتماعيا في مساعدة الآلاف من الشباب على التملك. لذلك فإذا كان علينا الإختيار بين دعم القروض وعدم دعمها خوفاً من رفع الإنفاق، فلا شك ان الخيار الاول هو الأنسب، فالمنطق الإقتصادي يشجع في مثل هذه الظروف على أن يكون هناك إنفاق إضافي، خاصة انه سيكون لهذه الخطوة فوائد مستقبلية كثيرة.

ما هي السياسة الإسكانية الأفضل التي يمكن إعتمادها لحل هذه المشكلة وضمان حق الحصول على مسكن لذوي الدخل المحدود؟ خاصة ان الحلول المطروحة اليوم ليست مستدامة.

الوصول إلى سياسية إسكانية متكاملة تمتاز بالإستدامة يحتاج إلى قراءة مفصلة ودراسة معمّقة، ولكن أي سياسة إسكانية يجب ان تعمل على تحويل المؤسسة العامة للإسكان إلى مؤسسة ربحية، فما يعطي ​المصارف التجارية​ اليوم صفة الإستمرارية والإستدامة هي الأرباح الجيدة التي تحققها بدعم من مصرف لبنان، في حين ان المؤسسة العامة للإسكان لم تحقق أرباحاً على مدى السنوات الماضية.

لذلك يجب إجراء دراسة مفصلة وقراءة مالية دقيقة، للخروج بسياسة إسكانية تساهم في تحويل المؤسسة العامة للإسكان إلى مؤسسة قادرة على تحقيق الأرباح، مما سيعطيها صفة الإستدامة والإستمرارية.

هل تتوقع إرتفاع نسب الفوائد في أي سياسة إسكانية جديدة ؟

الفوائد العالمية بشكل عام بدأت بالإرتفاع، ولا شك أن هذا الإرتفاع العالمي للفوائد سينعكس على لبنان أيضاً. أضف إلى ذلك أن حرب الفوائد الحاصلة بين البنوك المحلية اليوم لن تساعد على تقديم فوائد منخفضة لأي نوع من القروض، وبالتالي فإن اي تخفيض للفوائد على القروض الإسكانية يحتاج إلى إتفاق ربّما بين وزارة المالية والمصارف التجارية. ولكن من المؤكد أن الفوائد الجديدة ستكون اعلى من الفوائد التي كانت متبعة سابقاً.

ما هو إنعكاس حرب الفوائد الحاصل برأيك بين المصارف التجارية على الإقتصاد وعلى السوق بشكل عام؟

إرتفاع الفوائد الكبير على الودائع وبالتالي على القروض الشخصية والخاصة هو مؤشر سلبي، وأعتقد ان الهندسات المالية التي تم إتباعها في لبنان هي من أدت إلى هذه الحرب التي نراها.

فالفوائد العالية تعكس حالة الركود الكبير الذي يعاني منه ​الإقتصاد اللبناني​، ومستوى الفوائد العالي الذي نراه اليوم هو مؤشر على ان إقتصادنا إقترب كثيراً من مرحلة الخطر.