"ابحث، ت​علم​، وانطلق"، بهذا الشعار تتلخص مسيرة رائد الأعمال اللبناني أنطوان كلداني. فهو يعي تماما أنه لا يمكن تأدية أي مهمة بنجاح، إلا بعد فهم طبيعتها ومقصدها وعلاقتها بغيرها من المهام.

ولهذا السبب، لا يتفانى يوما عن متابعة الدراسة والتعلم من أجل صقل مهاراته، والبقاء على اطلاع دائم على أحدث الابتكارات والتوجهات في مجال عمله. ومن هنا، يتحلى كلداني بالنشاط والجدية والصبر والدقة، من أجل تقديم أفضل الخدمات الى الناس.

كما أنه يفيد من خلال مشاريعه المتنوعة، البيئة والمواطن في آن واحد، اذ لا تعد ​الطاقة المتجددة​ صديقة للبيئة فحسب، بل هي أيضا أقل سعرا وتكلفة على المواطن!

فلنتعرف أكثر الى مؤسس شركة "Yelloblue" أنطوان كلداني، في هذه المقابلة الحصرية مع "الاقتصاد":

من هو رائد الأعمال أنطوان كلداني؟

حصلت على ماجستير في علم الاقتصاد من "Université Paris II"، (Assas)، بالاضافة الى ماجستير ثان في إدارة الأعمال من " École supérieure des affaires"، "ESA". وذلك بالاضافة الى ورش العمل والدورات التي أتابعها على الدوام في لبنان والخارج، من أجل البقاء على اطلاع على أحدث الاكتشافات في مجال عملي؛ وبالتالي فإن دراستي مستمرة ولن تتوقف أبدا.

أما بالنسبة الى عائلة كلداني، فنحن نعمل في مجال المنسوجات منذ أكثر من 100 سنة في خضم شركة عائلية. ولكن مؤخرا، عانى لبنان من أزمة كبيرة في قطاع الأقمشة، كما أن النزاعات الحاصلة في ​سوريا​ فاقمت المشاكل، ما أدى الى تصغير حجم السوق. ومن هنا، قررنا تقليص نطاق العمل، فعمدت بدوري الى إطلاق شركة "YelloBlue" بالتوازي.

تأسست "YelloBlue" في عام 2012، بقناعة شخصية مني. اذ أن موارد الطاقة في لبنان معروفة، كما أن العوائق واضحة أيضا؛ فالمصادر الطبيعية في بلدنا هي الشمس والهواء، وفي المقابل، نواجه مشاكل في موضوع ​الكهرباء​ منذ سنوات طويلة.

في حين أن الحل سهل ومعروف، وكلفته باتت عادية وتنافس المرافق التقليدية التي تعتمد على ​البترول​ و​الغاز​. وبالتالي وجدت أن "YelloBlue" قادرة على سد الفجوة بين الطاقات المتوفرة والمشاكل التي نعاني منها في لبنان.

الانطلاقة كانت صعبة، لأن اللبناني بالعادة يرى الأمور الجديدة غريبة وغير قابلة للتطبيق، كما أنه كان متخوفا من الأسعار المتضخّمة، ولكن بعد ارتفاع أسعار البترول بشكل ملحوظ، لاحظ أنه بات يدفع مصاريف أكبر، في حين أن أسعار خدمات ​الطاقة الشمسية​ انخفضت.

وفي البداية أيضا، لم تكن الشركة موجهة الى الأشخاص، بل الى المؤسسات، مثل المستشفيات والجامعات والمدارس والشركات والسوبرماركت،... أي الأماكن التي تتوفر فيها مساحات واسعة وطاقة قوية.

ما هي "Yelloblue"؟

"Yelloblue" هي شركة متخصصة بالطاقة المتجددة وكفاءة استخدام الطاقة (الهندسة، المشتريات، والمقاولات)، توفر حلولًا مبتكرة مثل بناء الخلايا الضوئية المتكاملة والأنظمة الذكية، لتحقيق تكامل أفضل لتوليد الطاقة الشمسية مع مصادر الطاقة الأخرى المتاحة.

وتقدم الشركة أيضا خدمات الاستشارات المستدامة، والتحليلات والمشورة بشأن التدابير الأكثر فعالية من حيث التكلفة.

أما أبرز المشاريع التي قمنا بها في ​مجال الطاقة​ الضوئية (Photovoltaic Projects)، فهي مصنع "Ixsir" لصناعة النبيذ في البترون، مدرسة "Saint Elie" زحلة، مساكن الطلبة "عبرين" في الأشرفية، شركة "RAK Paper & Board" في الفنار، "​مستشفى​ الجعيتاوي" في الأشرفية، "بنك بيبلوس" في كوسبا في الشمال، ...

وفي مجال تسخين المياه بالطاقة الشمسية، استعانت بخدماتنا جهات عدة مثل مبنى "سانتياغو" في الأشرفية، ومساكن الطلبة في "جامعة سيدة اللويزة"، "NDU"، في منطقة اللويزة؛ والذي يعد أكبر نظام للطاقة الشمسية لتسخين المياه في لبنان، بالاضافة الى غيرها من المشاريع

كيف تقيم نسبة الإقبال على خدمات شركتك؟

أولا، واجهنا صعوبة في الانطلاقة، ولكن مع مرور الأيام، ومع تنفيذ المشاريع الأولى، بدأ الناس يلتمسون ما يتم تطبيقه على الأرض، ورأوا أن هذه المشاريع تؤمن الكهرباء من خلال الطاقة الشمسية؛ وهذا الأمر ساعدنا على حد كبير.

ثانيا، طرح "المركز اللبناني لحفظ الاطاقة"، "Lebanese Center for Energy Conservation" (LCEC)، نظام إيكولوجي متواصل ومتكامل، أسهم في تسهيل الأمور كثيرا.

ثالثا، القروض الخضراء المدعومة من ​مصرف لبنان​ ساعدتنا أيضا في الحصول على المشاريع الجديدة.

كل هذه العوامل أسهمت في زيادة الطلبيات واستلام المشاريع. ومنذ العام 2015 والى حد اليوم، بدأت الشركة بالازدهار.

ما هي نقاط القوة التي ساعدت "YelloBlue" على التقدم؟

العامل الأهم هو حب البيئة والطبيعة، مع العلم أن اللبناني لا يتحلى بوعي بيئي كاف من أجل إعطاء الأولوية لهذا الموضوع، لكن عندما تصبح الأمور متعلقة بـ"جيبه"، سيعي حتما أهمية ما نقوم به. فالطاقة البديلة توفر الكثير من ناحية ​أسعار النفط​، كما أنه من خلال ​القروض المدعومة​ من مصرف لبنان، سيكون المبلغ الذي يدخره المواطن، أقل بكثير من ما سيدفعه للمصرف من أجل إرجاع القرض؛ وبالتالي فإن هذا المشروع هو لمصلحة المواطن 100%.

ما هو الإنجاز الأكبر التي حققته في مسيرتك المهنية؟

لقد نجحنا في الدخول الى السوق اللبناني، وإقناع الناس بما نقوم به، و​تكوين​ قاعدة واسعة من الزبائن. كما أثبتنا قدرتنا على تحقيق نتائج ممتازة وتسليم مشاريع جاهزة للتشغيل.

فالسوق اللبناني يتمتع بخصوصية غير موجودة في بلدان أخرى؛ اذ نحن نعتمد على "​كهرباء لبنان​" من جهة وعلى المولدات من جهة أخرى، في حين أن البلدان الأخرى تعتمد على الكهرباء فقط.

ومن هنا أفتخر بما قام به فريق العمل في ما يتعلق بالهندسة و​التصميم​، فالإنجاز الأكبر بالنسبة لنا يكمن في قدرتنا على إدخال مصدر ثالث للطاقة، أي الطاقة الشمسية الكهربائية، الى جانب "كهرباء لبنان" والمولدات، ليصبح لدينا نوع من "مزيج من الطاقة"، الذي يتيح للمواطن توفير المصاريف؛ فكل ما يتم إنتاجه من ​طاقة شمسية​ سيحظى بالأولوية، وبعد ذلك سيتم الاعتماد "كهرباء لبنان" أو المولد. وهذه الهندسة الفريدة، أعتبرها إنجاز شخصي أفتخر به الى أقصى الحدود.

هل أنت راض اليوم عن النتائج التي حققتها "YelloBlue"؟

أنا راض تماما عن نتائج الشركة، ولكن لا شك في أننا نخاف، من ناحية ما، من استنزاف القروض المدعومة، كما حصل في موضوع ​الإسكان​. وذلك لأن هذه القروض ضرورية، خاصة في ظل ​الوضع الاقتصادي​ القائم؛ مع العلم أن النموذج الذي نقدمه، بإمكانه أن يسير مع الدعم أو بدونه، لأن فترة الاسترداد للمشاريع التي نسلمها حاليا مثيرة جدا للاهتمام. ولكن بسبب غياب السيولة في البلد، نجد أن القروض الموزعة على ​المصارف التجارية​ أساسية، وبالتالي نتمنى أن تستمر.

كيف تواجه المنافسة الواسعة التي باتت موجودة اليوم في مجال توليد الكهرباء على الطاقة الشمسية؟

وجود المنافسة يعني وجود السوق والطلب؛ وهنا تظهر أهميتها! لكن المشكلة تكمن في أننا نواجه منافسة شريفة وسليمة من جهة، ومنافسة "الدكاكين" من جهة أخرى، أي الشركات التي تعد الزبائن بتركيب نظام الطاقة الشمسية، والنتيجة النهائية تكون مختلفة كليا.

ومن هنا تجدر الاشارة الى أن المنافسة الإيجابية تسهم في تعزيز السوق، في حين أن المنافسة السلبية تضر بالسوق وبالمجال بأكمله.

 

هل صحيح أن ضريبة النجاح هي التقصير تجاه الوقت الخاص والعائلة؟

عندما ينطلق صاحب المشروع بالعمل في مجال جديد الى حد ما، ستكون حياته بالإجمال صعبة، خاصة خلال السنوات الأولى.

وبالتالي عانيت من صعوبات كثيرة، أثرت عليّ وعلى عائلتي أيضا، وبالتالي قدمنا معا الكثير من التضحيات، لكننا نشكر الله حتما على ما وصلت اليه المؤسسة اليوم.

ما هي الصفات الشخصية التي ساعدتك على التقدم في مسيرتك المهنية؟

أنا قادم من خلفية عملية في مجال الأقمشة، ولهذا السبب أركز دائما على اتباع آخر الصيحات والاتجاهات؛ والاتجاه العام كان واضحا في لبنان والعالم، اذ لا نستطيع أن نكمل طريقنا في الاتجاه الذي نسير فيه، أي هدر الموارد.

ومن هنا يمكن القول أن إحدى مهاراتي هي اتباع آخر الصيحات من أجل تحقيق التغيير الإيجابي في المجتمع. وأعتقد أيضا أنني قادر على ربط النقاط مع بعضها البعض من أجل الوصول الى أفضل النتائج؛ فقد دخلت في مجال ذات مستقبل زاهر في لبنان والمنطقة، لأن ​الطاقة النظيفة​ هي المستقبل.

ما هي الصعوبات التي واجهتك في مسيرتك؟

لدينا كفاءات متنوعة في لبنان، ولكن عانينا في الماضي من مشكلة غياب الكفاءات في مجال الطاقة المتجددة؛ اذ كنا نجد مهندسين ممتازين، لكنهم لا يمتلكون أي فكرة عن الطاقة المتجددة، لأن التوعية غائبة والتأهيل مفقود.

لهذا السبب، عملنا داخليا على إيجاد ​المهندسين​ اللازمين من ناحية الكفاءة، والذين يريدون تعلم هذا المجال. في حين أن اليوم تغير الوضع، وبات هذا التخصص موجود بكثرة.

ما هي النصيحة التي تود إيصالها الى جيل الشباب اللبناني؟

أولا، أنصح كل شخص أن يختار مجالا جديدا، تكون استمراريته مضمونة في المستقبل، وأن يبتعد عن المجالات التقليدية.

ثانيا، الأيام الصعبة موجودة حتما، ولكن يجب التركيز على الهدف، والتحلي بالإرادة من أجل تحقيق التغيير.

ثانيا، ​الشركات العالمية​ الكبرى لم تعد تعطي الأهمية الكبرى للشهادة الجامعية، لأنها لا تكفي وحدها، بل يجب أن تترافق مع الخبرة والمهارات الشخصية. لهذا السبب، يجب أن يختار الشخص المجال الذي يناسب مهارته وقدرته وموهبته، لأن الله خلق ​مهارة​ معينة داخل كل شخص.