تحتفل المملكة العربية ​السعودية​ بالذكرى 88 لـتأسيسها، ويشهد العالم اليوم على المكانة التي حجزتها ​الرياض​ بين دول العالم والاهمية التي باتت تحظى بها بين الامم نتيجة للدور المؤثر والفاعل الذي تلعبه على الصعيدين الدولي والاقليمي، حيث باتت تتمتع باقتصاد قوي هادفة الى تنويع مصادر الدخل لحماية المملكة من اي هزات او احداث طارئة ممكن ان تتعرض لها ، كما يشهد الاقتصاد تحولات كبيرة على صعيد ​الاستثمارات​ والمشاريع الجديدة لا سيما بعد اطلاق "رؤية 2030 " والتي تؤكد على طموح القائمين على رسم الصورة المستقبلية للبلاد والتي تؤكد على النمو التنموي العام وانسجامه مع تطلعات الشعب.

وعلى الرغم من ​المؤشرات الاقتصادية​ الايجابية التي حققتها المملكة وباشادة من المنظمات والمؤسسات العالمية الا انها وجدت نفسها ومع تجميد طرح ​اسهم​ "​ارامكو​" امام تحدي توفير مصادر ​مالي​ة اخرى لدعم صندوق الاستثمارات والذي اتخذ بدوره خطوة غير مسبوقة في تاريخه في الاسبوع المنصرم ولجأ الى قرض دولي بقيمة 11 مليار دولار بالتعاون مع اكبر ​البنوك العالمية​.

خطوة الاقتراض هذه طرحت العديد من التساؤلات وفتحت الابواب امام العديد من التكهنات، فاعتبر البعض انها اتت لتؤكد على ان المملكة تواجه ازمة في ​السيولة​ مما يعد مؤشرا سلبيا على تفاقم الاوضاع الاقتصادية في المملكة مما سيؤثر على استكمال المشاريع التي تم الاعلان عنها، كما طرح تساؤل حول الجدوى الاقتصادية من الصندوق السيادي الضخم للسعودية ان لم يستطع سد اي عجز مالي محتمل وخاصة ان معدل الفائدة من عملية الاقتراض هذه مرتفعة نسبيا .

هذه التساؤلات وغيرها حملها موقع "الاقتصاد" الى الخبير المالي من ​الاردن​ الاستاذ مازن مرجي :

- ما هي برأيك اسباب عملية اقتراض الصندوق الاستثماري السعودي؟

بداية لا بد من الإشارة إلى أن عملية اقتراض الصندوق السيادي السعودي مبلغ 11 مليار دولار على شكل قرض دولي مجمع لمدة 5 أعوام، وان كان يعتبر القرض الاول للصندوق ولكنه بالتأكيد ليس الاقتراض الأول للملكة العربية السعودية التي بدأت تلجأ لعمليات إلاقتراض الداخلية والخارجية تزامنا مع التراجع الكبير في الإيرادات النفطية منذ منتصف عام 2014 والتي اوصلت أسعار النفط إلى ما دون الثلاثين دولار للبرميل بعد أن كان يتجاوز ال110 دولار للبرميل قبل ذلك بزمن قصير، وعلى سبيل المثال قامت المملكة بتنفيذ إصدار ضخم للسندات بلغت قيمته 17.5 مليار دولار في شهر تشرين الأول 2017 والذي اعتبر الإصدار الأكبر للسندات للأسواق الناشئة.

وهنا تجدر الإشارة إلى أن هذا التراجع في الإيرادات قد تسبب ضمن عوامل أخرى في ظهور مشكلة العجز في ال​موازنة​ العامة للدولة حيث بلغ العجز في أربعة أعوام منذ عام 2014 ما مجموعه 260 مليار دولار منها على سبيل المثال العجز الذي تحقق في موازنة العام الفائت 2017 بما قيمته مبلغ 52.8 مليار دولار، وتزامن ذلك العجز أيضا مع تراجع ضخم في الاحتياطي العام للمملكة من 346.6 مليار دولار مع نهاية عام 2014 إلى أن وصل إلى مبلغ 164.6 مليار دولار فقط مع نهاية تموز من عام 2017.

وإذا أخذنا بعين الاعتبار العقود الهائلة التي التزمت بها المملكة لصالح الولايات المتحدة الأمريكية أثناء زيارة رئيسها ترامب إلى السعودية والتي قدرت بما يزيد عن 450 مليار دولار والتي ترافق بالإعلان عن مشروع "نيوم" العملاق لتطوير سواحل البحر الأحمر في كل من السعودية و​الأردن​ و​مصر​ ضمن رؤيا ولي العهد 2030 ثم وصولا إلى قرار الملك سلمان بإيقاف خطة إدراج إسهم شركة "أرامكو" السعودية العملاقة في ​الأسواق العالمية​ والتي كان المتوقع أن تدر دخلا لا يقل عن 100 مليار دولار نتيجة عملية بيع ما نسبته 5% من أسهمها.

- هل تشير هذه الخطوة الى وجود ازمة سيولة في المملكة من شأنها ان تعيق تنفيذ رؤية 2030 المقررة؟

كل الاسباب الذي جرى ذكرها سابقا تقودنا إلى استنتاج واحد إلا وهو أن نقصا في السيولة المتوفر لدى المملكة يشكل سببا رئيسا للجوء الصندوق السيادي السعودي إلى الاقتراض من تجمع للبنوك العالمية ( 14 بنك)، كما أرى بأن هذا القرض وغيره من القروض وخاصة الخارجية منها ربما يكون هدفه أن يربط الصندوق السيادي والذي يعتبر ثالث أكبر صندوق سيادي في العالم بثروة بقيمة (695.9 مليار دولار) ويأتي بعد كل من الصندوق السيادي النرويجي بثروة بقيمة (818 مليار دولار) والإماراتي بثروة بقيمة (773 مليار دولار)

كما ارى بأن مجموعة الإجراءات والخطوات التي ذكرنا بعضها مضافا لها اسباب سياسية محلية و​الإنفاق​ الهائل على الحرب في ​اليمن​ و​سوريا​ وأيضا احتمال نشوب صراع عسكري جديد في الخليج مع ​إيران​ تدق له ​أميركا​ طبول الحرب وأيضا الطموح الزائد الذي ربما يكون فيه الكثير من الخيال المقترن بالرؤيا ومشروع "نيوم " العملاق قد لا تسمح بتحقيق إنجازات حقيقية.

- برأيك لماذا لجأت المملكة الى الاقتراض بدلا من تسييل اصول الصندوق بالوقت الحالي وخاصة ان هذا القرض سيكون بفوائد مرتفعة ؟وما هو اثر تأجيل طرح اسهم "ارامكو" على اقدام الصندوق السيادي على عملية الاقتراض ؟

لا أعتقد بأن إدارة الصندوق السيادي السعودي تفكر في الانكماش أو تسيل بعض أصولها لتغطية النقص بالسيولة اللازمة وكما اسلفت سابقا فان تأجيل طرح أسهم "أرامكو" في الأسواق المالية العالمية ولأجل غير مسمى قد لعب دورا هاما في كبح جماح المشاريع المستقبلية الكبيرة التي يخطط للاستثمار فيها الصندوق السيادي السعودي وبالتالي دفع باتجاه اللجوء إلى الاقتراض الخارجي وخاصة مع تراجع مستويات الثقة والتعاون بين الإدارة السياسية لولي العهد محمد بن سلمان وكبريات الشركات والبنوك والمؤسسات الاستثمارية السعودية التي اعتقل قادتها وروادها وتم احبارهم على التبرع أو التنازل عن جزء من أموالهم للدولة السعودية، اما قضية الاقتراض من الخارج بفوائد عالية فهو أمر يبدو أنه لا مناص منه حيث اعتقد ان هناك التزامات مسبقة وربما عقود موقعة تلزم الصندوق بالاستمرار فيها ولكن بكلفة أعلى مما كان متوقعا في الاصل.