نظمت رابطة اصدقاء كمال جنبلاط في مركزها في بيروت ​ندوة​ بعنوان "ازمة السكن في لبنان مشكلة ضاغطة تبحث عن حل"، شارك فيها وزير الشؤون الاجتماعية في حكومة تصريف الاعمال بيار بو عاصي والمدير التنفيذي لمؤسسة الابحاث والدراسات الدكتور ​كمال حمدان​، وأدارتها وشاركت فيها المحامية نايلة جعجع (باحثة قانونية وناشطة اجتماعية)، في حضور حشد من الشخصيات السياسية والاجتماعية والحزبية وممثلين لهيئات نقابية ومهتمين بشؤون الاسكان من مستأجرين ومالكين.

ولفتت المحامية جعجع في كلمتها الافتتاحية الى "غياب الحق بالسكن في الدستور اللبناني، على عكس ما هو وارد في بعض دساتير ​الدول العربية​"، متوقفة أمام "التزام لبنان قضايا ​حقوق الانسان​ وهو ما يعني ضمنا تأمين شروط توفير المسكن، وتحديد السكن الملائم".

وعرضت تواريخ "قانون الاسكان منذ العام 1962 والتطورات التي رافقته لاحقا".

وعرض الدكتور حمدان "لأسباب الازمة السكنية وتداعياتها انطلاقا من طرح مجموعة تساؤلات: لماذا ترك تعاظم الربح العقاري والفوائد المرتبطة به على غاربه على امتداد عقود؟ لماذا انتهت الى السقوط كل الالتزامات التي سبق ان اعلنتها تكرارا الحكومات المتعاقبة؟ واين ما وعدت به الدولة من استثمار للممتلكات العامة والمشاعات وصولا الى تحفيز استخدام الاراضي الوافرة التي تملكها الاوقاف الدينية بهدف تحقيق هذا الغرض الاجتماعي النبيل الذي يشكل اساس الاستقرار المعيشي في البلد".

وأضاف: "ان معظم هذه التساؤلات تجد عناصر الاجابة عنها من خلال الخيارات والسياسات التي تعاقبت الحكومات اللبنانية على اعتمادها في المجال السكني، واعتبار سلعة/خدمة السكن محكومة حصرا بآليات قوى السوق والمنافسة غير المضبوطة بدل اعتبارها حاجة اجتماعية واعطاء الاولوية دائما لمصلحة رأس المال، وهذا الاعتماد الحصري على برامج ال​قروض​ بهدف حل ازمة السكن، يبقى محفوفا بالمخاطر ذات الانعكاسات السلبية على الاحوال المعيشية للاسر المقترضة. والبرهان ان القروض المتراكمة على الاسر منذ العام 2010 بلغت 22 مليار دولار وتترتب عليها خدمة دين سنوي تراوح بين ثلث الدخل المتاح لهذه الاسر أو نصفه".

واعلن ان "الحاجة ماسة الى اعتماد مقاربة شاملة لأزمة السكن تقوم على: العمل على تحرير قطاع السكن تدريجيا من سيطرة عوامل الربح بأشكاله المختلفة، باعتماد مقاربة انمائية لموضوع ترتيب استخدامات الاراضي اللبنانية، وبلورة اجراءات ضريبية تحد من المضاربات ومن انتاج الريع لمصلحة كبار الملاكين و​المطورين​ العقاريين وتصون القيمة الاجتماعية للعقارات. وكذلك من طريق تعزيز فرص تملك المساكن المؤجرة من جانب الاسر ذات الدخل المحدود، وتشجيع سوق الايجار التملكية، وادخال تعديلات على ​قانون الايجارات​ بعد اجراء مسح احصائي دقيق لقدامى ​المستأجرين​ والمالكين بحسب اوضاعهم المعيشية والاقتصادية، وتوجيه خدمات صندوق الدعم للمستحقين منهم".

واعتبر الوزير بو عاصي ان "اشكالية الاسكان ليست الحجر وانما الانسان في ​البيت​ وظروفه"، مشيرا الى ان "السكن ليس سلعة ولا يهدف الى حماية الانسان من عوامل الطبيعة بل هو مرتبط بصحة العائلة وكرامتها واندماجها بالمجتمع، وبالتالي هناك 3 عوامل: "اجتماعية، صحية ونفسية".

واشار الى ان "الاشكالية ليست فقط في السكن والاسرة، بل بأمور حيوية اخرى، منها البنى التحتية والطرقات و​المياه​ والصرف الصحي وغيرها، ما يعني ان بيئتنا مهددة"، متوقفا عند تلوث ابار المياه في بعض المناطق "بسبب غياب البنى تحتية والصرف الصحي".

وركز على ان "السياسة الاسكانية يجب ان تكون شمولية"، موضحا انه "علينا التوجه الى فئات ثلاث في هذه السياسة وهي: الاسر الاكثر فقرا، والتي تحتاج الى التفاتة خاصة، ذوو الدخل المحدود وذوو الدخل المتوسط".

اضاف: "مساعدة الدولة للمواطن كي يتملك في لبنان باتت ثابتة في ثقافتنا الاجتماعية، أي ان المواطن اعتاد على ان تدعم الدولة القروض كي يتملك منزلا، وهذا امر متجذر، على رغم ان هذه الفكرة غير موجودة في معظم دول العالم". 

وتوقف عند تفاعل هذه الازمة بين الناس "اذ بات هذا الحديث مدار بحث بين جميع اللبنانيين، وشرح المشكلة بالقول: "​مصرف لبنان​ توقف عن دعم القروض السكنية في ​المصارف​"، معتبرا ان "مهمته الحفاظ على الاستقرار النقدي فقط ما ادى الى كسر النظام القائم. المشكلة التي ادت الى ما نحن عليه اليوم هي عدم وجود ضوابط وجهاز رقابي، ما ادى الى اعطاء قروض لغير مستحقيها من دون أي حسيب".

وشدد على ان "غياب الرقابة امر خطير، اذ قد تفشل من خلال التنفيعات والمحسوبيات كل سياسة كبرى للبلد ذات هدف نبيل"، معتبرا ان "المسألة يجب ان تكون معكوسة وعلينا البدء بوضع جهاز حازم للرقابة ومحاسبة المخطئين".

وعن الحلول المطروحة، قال: "الحل الاول يكون بعودة مصرف لبنان عن قراره ما هو مستبعد حتى الآن، ولمست ذلك خلال اجتماعي مع حاكمه لعرض الافكار وطرح الحلول. اما الحل الثاني فيقضي بادخال ملف الاسكان في سياسة الدولة وموازنتها، الا ان هذا الامر تراكمي وتصاعدي. ويبقى الحل الثالث الذي كنت قد طرحته على رئيس الحكومة المكلف ​سعد الحريري​ و​وزير المال​ علي حسن خليل، ومن الممكن ان يكون مدخلا للحل من خلال اشراك القطاع الخاص في هذه العملية، أي تقوم المصارف باعطاء فوائد متدنية في وقت تعوض لها الدولة ذلك".

ولفت الى انه "اجتمع مع رئيس جمعية المصارف لعرض هذا الحل، وقد ابدى استعدادا مبدئيا، والتقى عددا من المعنيين ووزير المال، مركزا على الاشكالية التي تحيط بهذا الحل، وهي عدم التزام المصارف عملية الشراكة، وذلك يرتبط بجزئه الكبير بحجم الفائدة، كما ان استدامته مرتبطة بالمصارف ايضا".

وتحدث عن الاقتراحات التي قدمتها الكتل النيابية، لافتا الى ان "الروحية نفسها تجمع بين اقتراحات "المستقبل" و"لبنان القوي" و"الجمهورية القوية".

وتابع: "في الاقتراح الذي تقدمنا به، سنتفق مع المصارف ان تعطي القروض بفوائد متدنية، وفي المقابل نعوض لها من خلال اعفاءات ضريبية. هو امر معقد اتخذ اشهرا لدرسه والتنبه لأمور ثلاثة، وهي: عدم كسر شمولية ​الموازنة​، عدم جواز تخصيص ​الواردات​ وعدم كسر المقاصة في المال العام".

وعبر عن قلقه من استمرار هذه المشكلة، "اذ كان للمواطن امران يساعدانه: الاول مراكز الخدمات التابعة للوزارة والمستوصفات والثاني ​القروض المدعومة​ التي تساعده على امتلاك منزل ليتجذر في أرضه ويسهل حياته".

وختم بالاشارة الى ان "الحل الاسهل يبقى بعودة "مصرف لبنان" عن قراره لان هذا لا يحتاج الى قانون"، مكررا دعوته الى "ايجاد حلول لهذه الازمة التي ترتبط بثقة المواطن، وتحديدا ذوي الدخل المحدود".