الكل يعرف أن وضع ​الإقتصاد اللبناني​ سيّء ومتردّي، وهناك من يقول أن المسار الإنحداري بات خطيراً، والكل يجيد توصيف الوضع الذي وصلنا إليه. ولكن ما هي الحلول؟ وكيف نحسّن وضع إقتصادنا ونحصّنه ؟

"الإقتصاد" إنطلاقاً من الحس الوطني، والحسّ بالمسؤولية، تعرض سلسلة أفكار أو إجراءات إتُخذت أو يمكن إتخاذها من قبل مسؤول او وزير، أو من قبل الحكومة مجتمعة، من شأنها أن تحسّن الوضع الإقتصادي تدريجياً، أو على الأقل تساهم في وقف المنحى الإنحداري الذي يسلكه الإقتصاد اللبناني.

مؤسسات وشركات حكومية صغيرة يمكن نقلها من مستنقع الخسائر نحو الربحية.

هناك العديد من المؤسسات و​الشركات الصغيرة​ شبه الحكومية، التي تعمل ضمن عدد من المرافق العامة، والتي تعاني من مشاكل كبيرة على مستوى الهيكلية، وعدد الموظفين، وطريقة العمل وغيرها من الأمور الأخرى.

ومن هذه الشركات على سبيل المثال، الشركة المشغلة لإهراءات ​القمح​ في ​مرفأ بيروت​، وهي شركة وضعها القانوني هجين، بحيث أنها لا تصنّف كشركة خاصة، ولا تصنّف كشركة تابعة للدولة، لكن لها قرار خاص من ​مجلس النواب​.

وبما ان مراقبة عمل إهراءات القمح يندرج ضمن مهام وزارة الإقتصاد، إتبعت الوزارة خلال العهد الحالي سياسة تهدف إلى إصلاح هذا المرفق، خاصة أن الشركة المشغلة كانت تتكبد خسائر سنوية كبيرة، أضف إلى ذلك ان طريقة العمل لا تتناسب مع قوانين ​سلامة الغذاء​ بسبب طريقة تفريغ القمح التي تعتمد على الغرف. فكلّف الوزير المسؤول شركة "Price Water House" (PWC)، لتقييم عمل الشركة المشغلة والهيكلية الإدارية للموظفين، وسلّمت "PWC" تقريرا مفصّلا عن وضع الإهراءات للوزارة، وتبين ان هناك أكثر من 100 موظف في الإهراءات في حين أن العدد المطلوب لتشغيل الإهراءات لا يتخطى الـ 60 موظفاً، فأجرى الوزير إعادة هيكلية جديدة للشركة، وصرف عدد من الموظفين غير المنتجين، كما حوّل طريقة التفريغ التي كانت تعتمد على الغرف من خلال الآلات، إلى طريقة الشفط المباشر من البواخر إلى الإهراءات دون تدخّل بشريّ. وألزم الشركة تعقيم وتنظيف الشاحنات التي تنقل القمح إلى المناطق بشكل دوري. ومن خلال هذه الإجراءات تمكنت الشركة من تحويل خسائر سنوية تقدّر بـ 1.5 مليون دولار، إلى أرباح سنوية تفوق المليون دولار، بالإضافة إلى تحسّن مستوى سلامة الغذاء في الإهراءات.

وما قام به وزير الإقتصاد على هذا الصعيد، يعتبر إنجازاً يجب تعميمه على كافة مؤسسات وشركات الدولة. فيجب التوقف عن التعامل مع الدولة ومؤسساتها على أنها مصدر لا ينبض من المال، وإستغلال المرافق العامة لتوظيف أشخاص تابعين لأحزاب وتيارات، بهدف تحقيق مكاسب سياسية ورشوة الشعب اللبناني من أجل الإنتخابات المقبلة .. فهذه السياسات الفاسدة أوصلت حجم ​القطاع العام​ إلى 40% من حجم الإقتصاد، في حين ان حجم هذا القطاع لا يجب أن يتخطى الـ 20% من حجم الإقتصاد، لأنه سيصبح عبئاً كبيراً.

فهذا نموذج يمكن على كل الوزارات الأخرى ان تحتذي به، وان يترافق ذلك بقرار حكومي جدّي ليس فقط لوقف التوظيف في القطاع العام، بل لتصغير حجم هذا القطاع أيضاً التخفيف من عبئه على الإقتصاد الوطني، وإعادة هيكلة الإدارات العامة من جديد، حيث هناك إدارات تعمل وفقاً لهيكلية وضعت قبل 70 عاماً وهذا أمر غير مقبول.

وبهذا الإجراء لا يكون الهدف صرف الموظفين من القطاع العام إلى الشارع، بل يهدف إلى دمجهم في القطاع الخاص من خلال تقوية القطاعات الإنتاجية من صناعة وزراعة، وهذا الأمر لا يحصل في يومٍ وليلة، بل على مراحل متعددة.

يتبع ...