يصادف هذا الاسبوع ذكرى اسوأ ازمة مالية في التاريخ الحديث والتي وقعت في العام 2008، ازمة رافقها الكثير من المعاناة وانهيار كيانات مالية كبرى وخسائر حادة في الاسواق ، ولعل ابرز اسبابها تلك الخسائر المسجلة في سوق الرهن العقاري والتي ادت الى انجراف ​الاقتصاد الاميركي​ نحو الهاوية،وانتشرت الازمة كما تنتشر النار في الهشيم فهوت ​البورصات العالمية​ وسادت حالة من عدم الثقة بين المصارف وبدا مسلسل افلاس المصارف والشركات ، واليوم وبعد مرور عقد من الزمن يستذكر العالم الهزة الاقتصادية التي ادت الى انهيار المصارف العالمية الواحدة تلو الاخرى مثل احجار الدومينومع تصاعد احتمالية تكرارها، وسط توقعات بان تسوء الاوضاع في 2020 استنادا الى العديد من المؤشرات ومنها تضخم معدلات ​الدين العام​ والخاص في الدول الاكثر ثراء وتفشي ازمة الديون في معظم الدول ، بالاضافة الى الحرب التجارية العالمية والذي سيكون ​الدولار​ السلاح الاهم فيها حيث ستبدأ حرب عملات ستنال من صادرات اغلبية الدول وستنال من كل الاقتصاديات العالمية حيث رجح مصرف "جي بي مورغان" الاميركي أن يعصف بالاقتصاديات العالمية ازمة مالية كبرى في غضون عامين فقط مستندا الى حال الاقتصاد ونموه والمدة المتوقعة للركود وقيمة الاصول والقوانين الموجودة ومدى الابتكار المالي مما يثير الكثير من المخاوف نظرا الى ان العالم لم يتجاوز بعد اثار ​ازمة 2008​ وتبيعات التراجع الكبير في سيولة الاسواق.

ولكن تصريحات الخبراء في المصرف الاميركي يقابلها تفاؤل المؤسسات المالية العالمية بشان ​النمو الاقتصادي​ وبالاخص الاقتصاد الاميركي اكبر اقتصاد في العالم الذي حقق نتائج مذهلة في نهاية العام 2017، كما عبّر صندوق النقد الدولي عن تفاؤله بمستقبل الاقتصاد حيث يرى الصندوق ان 75% من ​النشاط الاقتصادي​ العالمي قد تحسن خلال العام الماضي .

وفي اطار هذه الاراء المتضاربة واختلاف وجهات النظر بين التفاول والشاؤم ومؤيد لاحتمالية حدوث ازمة مالية عالمية جديدة ورافض لها وتخيم عنصر المجهولعلى المستقبل القريب للاقتصاد العالمي كان لموقع "الاقتصاد"مقابلة مع ​الخبير الاقتصادي​ الاستاذمازن ارشيد لمعرفة توقعاته في هذا الاطار.

- بداية وبعد انقضاء 10 سنوت على الازمة المالية العالمية ما هي ابرز اساباب هذه الازمة؟ ولماذ برأيك كان لهذا هذا الوقع الكبير والخطير على اغلبية الاقتصاديات العالمية ؟

ان ابرز اسباب الازمة المالية العالمية هي الديون التي بدأت في المصارف العالمية والشركات والسوق العقاري والائتمان بين الافراد حيث كانت المصارف لا سيما الاميركية تعطي قروضا للشركات العقارية من دون وجود اي رهن عقاري او سند يمكن الاعتماد عليه،مما ادى الى افلاس الشركات وعدم قدرتها على السداد، كما شهدت الاسواق في العام 2008 تحسن في ​معدلات الفائدة​ نتيجة النمو الكبير في الاقتصاد ولكن مع ارتفاع تكاليف الديون لم تتمكن الشركات العقارية من سداد هذه الاموال مما دفع بالمصارف وعلى راسها "ليمان برازر"الى اعلان الافلاس كما بدأت مرحلة الاندماج بين المصارف وبدأ في ما بعد معاناة الاقتصاد العالمي مع واحدة من اسوء الازمات المالية واشدها ضراوة .

- اليوم وفي ظل وجود العديد من المؤشرات العالمية برأيك هل نحن على ابواب ازمة اقتصادية جديدة ؟

من الممكن ان نكون على ابواب ازمة مالية جديدة، ولكن لا اتوقع ان تكون بالزخم نفسه لازمة عام 2008 نظراالى ان المصارف العالمية الكبرى في واشنطن و​الاتحاد الاوروبي​ قامت بالعدديد من الاجراءات التي من شأنها ان تدعم السيولة بالاضافة الى الاحتياطات المالية الاجبارية ورفع سقف احتياطي العملات من اجل ايجاد علاج لاي مشكلة من الممكن حدوثها ومواجهة اي مفاجآت غير متوقعة .

ولكن هذا لا يعني ان الاوضاع العالمية في حالة جيدة بل على العكس فان ​الاسواق العالمية​ تعاني من مشاكل ولا سيما دول العالم الثالث التي تواجه عملاتها المحلية العديد من الازمات ومنها ​البرازيل​ ​الهند​ ​تركيا​ و​ايران​ ودول اخرى ، وان تراجع العملات المحلية مقابل الدولار واليورو له انعكاسات كبيرة على اقتصاديات هذه الدول حيث تجعل الديون المعطاة بالدولار اكثر تكلفة وهي دول تعاني بالاصل من ارتفاع المديونيةمما ينذر بمشاكل كثيرة في المستقبل .

- برأيك ما هي ابرز مؤشرات حدوث ازمة مالية مرتقبة والمرجحة في العام 2020 ؟

هناك العديد من المؤشرات التي من شانها ان تنذر بوقوع ازمة مالية عالمية ابرزها ضعف العملات المحلية في العالم الثالث، بالاضافةالى زيادة المديونية الموجودة منذ فترة لكن ارتفاع تكاليف هذه المديونية بسبب ارتفاع الفائدة على الدولار الذي يشهد زيادة متتالية والذي يعزز من مكانة الدولار ويضعف العملات الاخرى وبالتالي يزيد تكاليف الديون ويزيد من احتمالية عدم قدرة هذه الدول على السداد، وبرأيي ان هذه مؤشرات خطيرة جدا على اعتبار ان المديونية كانت الشرارة الاولى التي عصفت باقتصاديات الدول الكبرى فما بالنا بالدول الاقل تقدما، كما يوجود مؤشرات اخرى والتي تتجلى بارتفاع تكاليف المعيشة وارتفاع معدلات البطالة في العديد من الدول .

- برايك كيف يمكن للدول عامة والعربية خاصة ان تحصّن نفسها في حال وقوع اي هزة اقتصادية ؟

ان الحل الامثل لهذه المشاكل يكمن في الاعتماد على الذات وعدم الاستدانة من الخارج، ومحاولة الحكومات العربية تقليل النفقات العامة وتخفيض العجز في الموازانات للوصل الى فائض ماليوعدم الاعتماد على الاستيراد من الخارج ووضع الية فعالة لتحصيل الضرائب، ومع الاسف فان اغلبية الحكومات العربية تأثرت بشكل كبير من الازمة العالمية وما زالت تعاني لغاية اليوم كما ان الحكومات النفطية تعاني من جراء تراجع ​اسعار النفط​ .

- في الختام هل ستؤدي الحرب التجارية التي اندلعت مؤخرا بين اميركا والصين الى ازمة اقتصادية عالمية سيكون الدولار السلاح الاهم فيها؟

ان السجال بيناميركا والصين ما زال مستمرا ، وفي حال تصاعد حدة الحرب التجارية بينهما التي تسير ببطء في المرحلة الحالية ولكن لا يمكن التوقع الى ما تؤول اليه الاوضاع سيكون له انعكاسات خطيرة ،على اعتبار انهم اللاعبين الاساسين على الساحة الدولية وبالتالي فان التصعيد ستزيد من تكاليف المواد الخام على جميع الدول ومن بينها دول العام الثالث وستزعزع الثقة بالاقتصاد العالمي ويقلل من معدلات النمو في المستقبل ولو بنسب في الفترة الحالية تبدو ضئيلة ولكن في حال استمرار الفعل ورد الفعل بين الطرفين سيؤدي في نهاية المطاف الى ازمة عالمية غير متوقعة النتائج .