أقرت اللجان النيابية المشتركة في جلستها الاخيرة يوم الخميس الماضي مشروع قانون تعزيز الشفافية في قطاع ​النفط​ و​الغاز​ في لبنان ، ومن المنتظر ان يكون هذا المشروع على جدول اعمال اول جلسة تشريعية ل​مجلس النواب​.

بقدر ما هي فرحة اللبنانيين بوضع هكذا قانون لانه من ناحية المواطن يعزز الثقة ويحفظ له  حق الوصول إلى المعلومات ، ومن ناحية الدولة يرسخ ثقافة الشفافية والإصلاح.،بقدر هذه الفرحة يبرز التوجس الازلي لدى الناس من ان يكون القانون وروحه في واد والمسؤولين عن تطبيقه في واد آخر ، فينضم القانون الجديد الى سلسلة قوانين الحبر على ورق ، لا تطبق ، واذا حصل يتم التطبيق منتقصا ومجتزأ ومشوها .  

"المبادرة اللبنانية للغاز والنفط " رحبت باقرار المشروع في اللجان ودعت في بيان مجلس النواب الى اقراره في اقرب فرصة ، نظرا الى اهمية القانون بما فيه من فائدة للمواطن والدولة اللبنانية من جهة، و تطوير الإستثمارات في قطاع الغاز و النفط من جهة أخرى. واعتبرت القانون في غاية الاهمية ومن الأولويات التي يجدر مقاربتها قبل استكمل تطوير ​قطاع النفط​ والغاز في لبنان.

ومن ناحية ثانية فان الشفافية تشجع الإستثمارات اذ يتصدر لبنان حاليا مرتبة حرجة على قائمة مؤشر مدركات ​الفساد​ (143/180)  وذلك وفق ​منظمة الشفافية الدولية​، مما يعني أن على لبنان أن يعمل على وضع تشريعات تساعده على تحسين صورته أمام الرأي العام في ما يتعلق بالفساد المستشري داخل مؤسساته و قطاعاته المختلفة. هذه الخطوة من شأنها أن تعزز مناخ الاستثمار وبالتالي أن تؤثر ايجابا على المناخ الاقتصادي.

ولا بد من ان الذكر أن من أهم التزامات مؤتمر سيدر تطبيق الشفافية للحد من الفساد وإنعاش ​الاقتصاد اللبناني​، وبالتالي فإن إقرار قانون يمكن الدولة اللبنانية من إتخاذ خطوات فعلية للحد من الفساد كما من شأنه أن يؤكد للمجتمع الدولي مدى جدية لبنان في معالجة آفاته وتحسين وضعه.

اذا هي فرصة للبنان للالتحاق بمسار الشفافية العالمي التي بدأت في الدول المتطوّرة منذ عام 2003 عند تأسيس الـEITI. ثم صدر قانونDodd Frank Act الأميركي عام 2010 الذي ألزم الشركات الأميركيّة بالإفصاح عن بياناتها الماليّة لكلّ مشروع بترولي، ولحقها قانون ​الاتحاد الأوروبي​ عام 2013 الذي عزّز الشفافيّة في هذا القطاع.

وفي العام 2013  التزمت مجموعة الدول الصناعيّة الثماني (مجموعة الثماني) – التي تشمل ​كندا​ و​فرنسا​ و​ألمانيا​ و​إيطاليا​ و​اليابان​ و​روسيا​ و​المملكة المتحدة​ و​الولايات المتحدة​ الأميركيّة -  في اجتماع قمّة ، بثلاثة إجراءات أساسية. فبالإضافة إلى تعزيز التجارة وتحسين فاعلية النظم الضريبيّة، اتّفقت هذه الدول أيضًا على الارتقاء بالشفافية، ولاسيّما فيما يتّصل بالشركات والاتفاقيات القانونية في قطاع النفط والغاز.

تعتبر كارول نخله, مديرة كريستول إنرجي (المملكة المتحدة) والباحثة المشاركة في المركز اللبناني للدراسات أن الخوف من سوء إدارة قطاع النفط والغاز في لبنان وتبديد الإيرادات المحتملة مشروع في لبنان، الذي لا يحقق نتائج مشرفة في المؤشر العالمي لمدركات الفساد.

وتوضح أن ​صناعة النفط​ والغاز تتميز ببعض السمات الخاصة، بما في ذلك القدرة على در ريوع اقتصادية كبيرة، والمشاركة الحكومية على مستويات رفيعة، والعمليات المعقدة فنيا وبنيويا ، بالإضافة إلى تعقد الاتفاقيّات المالية والقانونية والتجارية وطولها. وتسهل هذه السمات التلاعب بتدفقات الإيرادات لتحقيق مكاسب سياسية أو شخصية، ما يذكي بدوره لعنة الموارد.

وتضمّ هذه ​الصناعة​ أيضا آلاف الشركات التي تشارك بشكل مباشر أو غير مباشر في مجموعة واسعة من النشاطات ، من صناعات المنبع، مرورا بالصناعات الوسطى، فصناعات المصب، بالإضافة إلى مختلف الخدمات والوظائف الداعمة، من الأعمال المصرفية والتجارية حتى خدمات المطاعم.

وبالتالي، فإذا كان لا بدّ من تعزيز الشفافية بشكل جدي، يتعين تطبيقها في جميع قطاعات الاقتصاد – بما فيها على سبيل المثال لا الحصر تلك التي تشارك بشكل مباشر في عمليّات صناعة المنبع.

قد يقول البعض أنّ إقرار قانون الصندوق السيادي المحتمل، بالإضافة إلى قانون الشفافية في قطاع النفط والغاز، من شأنهما أن يمنعا حالات الفساد وسوء استخدام الموارد. وكدليل على ذلك، يكفي النظر إلى أكثر صناديق الثروة السيادية نجاحا وشفافية في العالم ، مثل صندوق التقاعد الحكومي ​النرويج​ي، الذي تحاول دول كثيرة ومنها لبنان تقليده او استنساخه.تقول كارول نخلة في هذا الصدد : "ان نجاح هذا الصندوق لا يمكن أن يُعزى إلى تشريع واحد دون غيره؛ بل يُردُّ إلى نقاط القوة التاريخية التي تتحلى بها النرويج، بما فيها الإطار المؤسسي الأوسع نطاقا المتين والشفاف، والشامل للاقتصاد بشكل عام، وليس فقط لقطاع النفط والغاز".

ماذا عن المؤسسات في لبنان ؟ وماذا عن تاريخ الشفافية ؟ وماذا عن الاطر القانونية التي تلزم الدولة بتطبيق قوانين وضعتها بنفسها ؟

للاسف الاجابة عن هذه الاسئلة سلبية للغاية ، وخير مثال على ذلك قطاع الكهرباء الذي يحرق ملياري دولار سنويا من الخزينة بسبب عدم احترام القوانين وتطبيق الخطط وتنفيذ القرارات الحكومية.

لقد حدد القانون رقم 462 تاريخ 2/9/2002 القواعد و​المبادئ​ والأسس التي ترعى قطاع الكهرباء، بما في ذلك دور الدولة في هذا القطاع، والمبادئ والأسس التي تنظمه وقواعد تحويل القطاع المذكور أو تحويل إدارته كلياً أو جزئياً إلى القطاع الخاص.

ولكن هذا القانون لم يوضع موضع التنفيذ، وأهم بنوده (المادة 12 )  إنشاء الهيئة الناظمة "هيئة تنظيم قطاع الكهرباء"، ومن صلاحياتها إصدار وتجديد وتعليق وإلغاء التراخيص والأذونات.

لقد استشرف القانون في العام 2002 الوضع المستقبلي للكهرباء ، اذ جاء في اسبابه الموجبة : "لما كان بعض المستثمرين يرغب في الاستثمار في مجال إنتاج وتوزيع ​الطاقة​ الكهربائية. ولما كان ربط تراخيص الاستثمار في مجال الإنتاج والتوزيع بتعيين أعضاء الهيئة الناظمة ووضع أنظمتها، من شأنه إغلاق الباب أمام الاستثمار في تلك المجالات التي يحتاج إليها قطاع الطاقة في لبنان في ظل المشاكل التي يعانيها.

ولما كان لا بد من إيجاد حل لهذه المعضلة، بانتظار تعيين أعضاء هذه الهيئة ووضع أنظمتها، بتكليف جهة إدارية قائمة تتولى إعطاء تراخيص وأذونات الإنتاج.

ولما كانت الجهة الصالحة لإعطاء هذه التراخيص والأذونات هي ​مجلس الوزراء​ بناء على اقتراح وزير الطاقة و​المياه​.

لذلك، أعدت الحكومة مشروع القانون المرفق وهي إذ تحيله إلى المجلس النيابي الكريم ترجو إقراره".

لم تشكل الهيئة واستمرت الفوضى والعشوائية تضرب هذا القطاع الحيوي ، وبعد 12 سنة من اقراره وبدلا من المبادرة الى ​اصلاح​ هذا الخلل البنيوي عملت الطبقة السياسية في العام 2014 الى تعديل القانون بافراغه ، عمليا ، من مضمونه ، فاقر مجلس النواب التعديل التالي: "بصورة مؤقتة، ولمدة سنتين، ولحين تعيين أعضاء الهيئة واضطلاعها بمهامها، تمنح أذونات وتراخيص الإنتاج بقرار من مجلس الوزراء بناءً على اقتراح وزيري الطاقة والمياه والمالية".

هذا التعديل عنى شيئا واحدا ، وهو اقامة ​توازن​ سياسي – طائفي قد يسهل أو يعرقل اي تطوير لقطاع الكهرباء ، وجاءت النتيجة كما يعرفها كل اللبنانيين ، التعطيل الكامل. وصار الموقت دائما كما هو الحال دائما .

اليوم نحتاج هذا القانون بصيغته الاصلية ، اي بوجود الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء فينتفي النقاش حول البواخر المستأجرة ، وينتهي الجدال حول اشراك القطاع الخاص في ​انتاج الكهرباء​، وتحل نهائيا المعضلة المفتعلة والوهمية بشان بناء معامل انتاج جديدة.

ونحتاج أكثر من اقرار قانون تعزيز الشفافية في قطاع النفط والغاز ، الى ارادة سياسية يفرضها المجتمع المدني والقوى الحية في البلد ، كي لا يلقى القانون المقر في اللجان النيابية قبل ايام مصير قانون الكهرباء  رقم 462.

تفاءلوا بالخير ... لعلكم تجدوه.