الركود هو سيد الموقف، والأزمات الاقتصادية والاجتماعية وصلت الى مستويات خطيرة، وذلك إثر استمرار التعثر في تشكيل الحكومة، الأمر الذي يؤدي الى تفاقم ​الوضع الاقتصادي​ الداخلي، السيء بالأساس، وغياب القدرة على تحريك عجلة النمو، وزيادة تعقيدات الأوضاع المالية وتكبد خسائر قد تصل إلى ملايين الدولارات شهرياً.

ف​لبنان​ يعاني منذ 24 أيار الماضي، أي منذ حوالي أربعة أشهر، من تحديات اقتصادية وسياسية واسعة، بعد تأخر تأليف الحكومة واستمرار العوائق في توزيع الحصص، وتترقب القطاعات كافة انتهاء هذه المهمة الشاقة التي ستشكل حجر الأساس لإصلاحات اقتصادية ومالية طال انتظارها، خاصة وأن الملفات الاقتصادية الموجودة على الساحة ضاغطة، ولا تحتمل التأجيل.

ولكن لا توجد أي بوادر في الأفق اليوم حول تشكّل الحكومة في أي وقت قريب، ويستبعد الجميع أن يكون الانفراج وشيكا. فمع العلم أننا اعتدنا على تأخير الحكومات، والتي تطلب بعضها من 8 الى 10 أشهر للتشكيل، هل أن الوضع الاقتصادية والمعيشي مختلف اليوم وأكثر تأزما بالمقارنة مع الفترات الماضية؟

وفي حين يبقى الوضع النقدي ثابتا في ظل الفوضى المحيطة به، بسبب احتياطات مصرف لبنان من ​العملات​ الأجنبية ما يجنب ​الليرة اللبنانية​ خطر الانهيار، لا بد أن نسأل هل يكفي أن يكون وضع الليرة بخير في حين أن حالة المواطن قد وصلت الى الحضيض؟

كان لـ"الاقتصاد" مقابلة خاصة مع الخبير المالي والاقتصادي د. كمال حمدان للإجابة على هذه الأسئلة وغيرها:

ما هي تداعيات التأخر في تشكيل الحكومة على الوضع الاقتصادي الراهن؟

تركيبة القوى الحاكمة في لبنان هي من النوع الذي لا تعطي قيمة أو أهمية لعامل الوقت، فقد خسرنا فرص استثمارية كثيرة، كما أضعنا فرص الشروع في عملية تطوير مرافق البنى التحتية والخدمات العامة مرات عدة، وذلك بسبب مناكفات ونزاعات بين أطراف القوى الحاكمة.

وفكرة الوقت تكلفنا مئات ملايين الدولارات، وهذا الأمر ينطبق على العشرات من المشاريع المتعلقة بالبنى التحتية وأبرزها موضوع الكهرباء، والذي تأجل مرارا وتكرارا.

فالسياسيون لا يجدون أي أعذار عندما يتعلق الأمر بمنافع زبائنية وبتوظيفات عشوائية أو إنفاق غير مجدي، ولكن عندما نتكلم عن مستقبل بلد ومصير شعب، يصبح فن إضاعة الوقت منتشرا.

وبالتالي عندما يكون الوضع على ما هو عليه، أي أن مركز القرار لا يولي عامل الوقت أهميته، من أجل خلق فرص العمل والحد من هجرة الشباب وتحسين مستوى مداخيل الناس وغيرها، فمن الطبيعي أن نشهد على تأخير في تأليف الحكومة.

ولا بد من الاشارة الى أن الاقتصاد في حالة من الانكماش، وللسنة السابعة على التوالي يسجل النمو نسبة ما دون الـ1% أو 1.5%، مقارنة مع 7% و10% سنويا خلال الفترة الممتدة ما بين 2007 و2010. وكل المؤشرات التي لها علاقة بالحسابات الخارجية تقرع جرس الإنذار والخطر.

ففي ميران ​العجز التجاري​ القياسي، نحن لا نغطي في صادراتنا أكثر من 12% من مستورداتنا، مقابل 40% و50% عشية الحرب الأهلية. فضلا عن استمرار العجز في ميزان المدفوعات للسنة السابعة على التوالي رغم التصحيح التقني المؤقت الحاصل في أوائل العام 2017 كنتيجة للهندسات المالية للعام 2016. مرورا وانتهاءا بالعجز في ​الحساب الجاري​ أي محصلة دخول وخروج العملات الأجنبية.

فنحن للأسف نشهد على الخفة واللامسؤولية في التعامل مع المواضيع الداخلية، في ظل غياب من يحاسب ويضبط ويترقب آثار التداعيات الحاصلة، والزيادات الحاصلة في الرواتب على سبيل المثال.

كما أن المواطن الذي يعاني ويدفع فاتورتين للمياه والكهرباء والهاتف، يصبح مذنبا أيضا، وذلك حين يتوجه الى مراكز الاقتراع خلال الانتخابات النيابية من أجل اختيار الأشخاص نفسهم.

هل أن اقتصادنا لا زال قادرا على الصمود أم أنه يتجه نحو الانهيار؟

لولا وجود نوع من الحماية المعنوية العربية والدولية التي نحصل عليها، والتي لا تزال نائية بنفسها عن ما يحصل في الساحة اللبنانية، لكانت العوامل والمؤشرات قد وصلت الى حافة الانهيار.

ومن هنا لا أقول أن الانهيار سيحصل يوم غد أو بعد شهر أو شهرين، ولكن كل المؤشرات تفيد بأنه اذا استمرينا بهذا النهج المتعمد والذي يتغنى بإضاعة الوقت والفرص ومن دون أي حس بالمسؤولية، فسوف نشهد حكما في أوائل عام 2019، على أزمة من النوع غير المسبوق.

لقد اعتدنا في لبنان على التأخر في تأليف الحكومات، ولكن هل أن الوضع اليوم مختلف عن ما كان عليه في الماضي؟

في السابق كانت الحكومات تتأخر في التشكيل ولكن كان محيطنا العربي في حالة طبيعية، وكانت صادراتنا تصل الى وجهاتها بسهولة نسبيا، كما أن صادرتنا من الخدمات بشكل خاص مثل ​السياحة​ و​العقارات​ وغيرها، كانت تسهم في تحسين أوضاعنا.

ولكن عند إخضاع لبنان لنوع من العقاب من قبل بعض الدول العربية، من خلال منع تدفق السياح و​الاستثمارات الأجنبية المباشرة​، شهدنا على تراجع في التدفقات، حتى أنها وصلت الى مرحلة الانقطاع، وذلك بفعل الأوضاع السياسية في المنطقة.

وبالتالي لا مجال اليوم للدلع واللهو وتضييع الوقت، لأن وضعنا يتجه من سيء الى أسوأ، وعجزنا يزيد، وكلفة ديننا العام ترتفع، في حين أن ​معدلات النمو​ تنخفض.

هل يكفي اليوم أن يكون الوضع النقدي بخير؟

أعتقد أن كل الأمور مرتبطة ببعضها البعض، والوضع الاقتصادي بالنسبة الى معدلات النمو ليس بخير أبدا. فنحن لم نصل بعد الى حافة الانكماش، بمعنى انخفاض ​الناتج المحلي​، وهذا الأمر لا يكفي وحده، اذ لدينا ضغوطات مالية عدة، مرتبطة بالعجز وبإدارة الإيرادات والنفقات العامة، ولا أحد يعلم "يد مين بجيبة مين".