من الواضح ان ازمة ​منطقة اليورو​ التي كانت نتيجة الازمة العالمية التي اندلعت في العام 2008 لا تزال مستمرة وشبحها ما زال قائما، حيث بات جليا اليوم ان عاصفة اقتصادية ومالية كاملة بدأت تجتمع شتاتها ولكن هذه المرة في ​ايطاليا​، وما لبث ان خرج ​الاتحاد الاوروبي​ من مستنقع الديون اليونانية ليدخل من جديد في ازمة تشغل بال الاوساط العالمية كافة والاوروبية خاصة، حيث سجلت ايطاليا ثاني اسوأ نسبة في منطقة اليورو من حيث معدلات الدين الحكومي التي بلغت 132% من الناتج المحلي اي حوالي 2.3 ترليون يورو والذي تفاقم بسبب سنوات من الركود الاقتصادي ونقص الاصلاحات وضعف المصارف والحكومات الشعبوية المتعاقبة ، كما ان التعهدات من جانب الحكومة بزيادة الانفاق ادت الى عدم الاستقرار في الاسواق المالية.

ازمة ايطاليا المالية تهدد منطقة اليورو

تمر إيطاليا التي تعتبر عضو مؤسس في الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو حاليا بمرحلة اقتصادية وسياسية حرجة تشكل خطرا حقيقيا على منطقة اليورو والتي تتمثل بأزمة الديون والمصارف الضعيفة، وتخفيض تصنيفها الائتماني وحكومتها الشعبوية بحسب وصف الخبراء، في حينلا تزال السياسة الاقتصادية التي تعتمدها الحكومة الإيطالية الجديدة غير واضحة مع إرسالها إشارات متناقضة.

واظهرت بيانات معهد الإحصاء تراجع معدل نمو الاقتصاد الإيطالي خلال الربع الثاني من العام الحالي إلى أقل مستوى له منذ عامين، حيث بلغ معدل نمو الاقتصاد خلال الربع الثاني من العام الحالي نسبة 0.2%، مقارنة بالربع الأول من العام الماضي.

وتستثمر البنوك الإيطالية بغزارة في السندات الحكومية مما يضع البنوك في موقف صعب ويعرضها للخسائر حينما ترتفع الفائدة كما أن المخاوف بشأن الموارد المالية للحكومة تجعل السندات تفقد قيمتها ويتآكل رأس مال البنوك، في حين شهدت البلاد ارتفاع لمعدل الدين الحكومي إلى 132% من الناتج المحلي الإجمالي، وهي ثاني أسوأ نسبة في المنطقة بعد اليونان، ومن المتوقع ان يكبد تباطؤ الاقتصاد المصارف مزيدا من القروض المتعثرة، مما سيدفع بالمشتريين المحتملين لسندات البنوك الى الابتعاد عنها، وبما أن البنوك الضعيفة تصبح أكثر اعتماداً على الحكومة فإن الهيكل المتأكل سيزداد، في حين تصر الحكومة على موقفها الرامي الى ابعاد الاذى عن المقرضين المقصرين أو الدائنين في البنوك الإيطالية، معربين عن امالهم في أن موجة موسعة من انخفاض ​أسعار الفائدة​ ونمو اقتصادي مطرد سوف يؤدي إلى حل أزمات المقترضين والسماح بسداد أموال الدائنين، وهذه الامال يعتبرها البعض مستحيلة في الوقت الراهن وغير منطقية فعلى السلطات الإيطالية أن تستيقظ، فان النضال ضد المضاربين لن يوقف الأزمة، فاقتصاد الدولة وأموالها معرضة للخطر بشكل كبير، نتيجة لفترات طويلة من الخلافات والغيبوبة السياسية.

ويعاني سوق ​السندات الإيطالية​ من تكرار موجات بيعية حادة خلال الآونة الأخيرة مع التوترات السياسية، إضافة إلى رفض ​روما​ قواعد موازنة الاتحاد الأوروبي،وأعلنت وزارة الاقتصاد والمالية في إيطاليا، عن بيع سندات حكومية طويلة الآجل بقيمة 2.250 مليار يورو، بعائد 3.25%، وهو الأعلى منذ كانون الأول 2013، كما طرحت سندات لأجل 5 سنوات، بقيمة 3.750 مليار يورو، بمعدل عائد 2.44%،والعوائد على السندات الحكومية في إيطاليا آخذة في الارتفاع منذ أن شكلت حركة "النجوم الخمسة" وحزب الرابطة اليميني حكومة شعبوية في روما منتصف العام الحالي، الأمر الذي أثار مخاوف المستثمرين.

ومن ناحية اخرى اشارت " رئيس المراقبة المصرفية للمركزي الأوروبي دانيلي نوي ان ايطاليا لديها عدد مبالغ فيه من ناحية عدد البنوك معربة عن ان بعض المؤسسات بكل بساطة يجب تموت بطريقة منظمة"، فمحاولة دمج هذه البنوك في مصارف أقوى ليس كافياً.

تخفيض تصنيف ايطاليا الائتماني يعمّق حدة الازمة الاقتصادية للبلاد:

فاقمت وكالة "​فيتش​" للتصنيف الائتماني من محنة الاقتصاد الإيطالي بخفض تصنيفها الائتماني كما كان متوقعا على نطاق واسع، مشيرة إلى أن الخطط المالية للحكومة الجديدة تخاطر بدرجة من التخفيف المالي.

وغيرت الوكالة توقعاتها الائتمانية للبلاد إلى وضع "سلبي"، بعد أن كانت عند وضع "مستقر"، وأبقت على تصنيفها بشأن الائتمان الخارجي طويل الأجل عند مستوى "بي بي بي"، وهو قرار رحبت به الحكومة الإيطالية، واستشهدت به كدليل على مصداقية برنامجها الاقتصادي، إلا أن النظرة المستقبلية السلبية تنذر بخفض التصنيف مستقبلا.

واشارت وكالة "فيتش" في تقريرها إن مخاطر تراجع الإصلاحات الهيكلية، التي تؤثر بالسلب على أساسيات الائتمان في إيطاليا، زادت قليلا، من وجهة نظرنا، وتتضاعف المخاطر المالية والمخاطر السياسية الأخرى بسبب الدرجة الكبيرة بشكل نسبي من عدم اليقين السياسي.

وكانت وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني قد خفضت في وقت سابق من العام الجاري توقعاتها لنمو الاقتصاد الإيطالي من مستوى 1.5%، إلى 1.2% في عام 2018، ومن 1.2% إلى 1.1% في عام 2019، عازية ذلك إلى زخم أضعف من المتوقع لعجلة النمو.

- ازمة ايطاليا لن تثني أوروبا عن إنهاء خطط التحفيز النقدي

ولا تحاول أوروبا، من جانبها، تحسين الوضع الاقتصادي القاتم في ايطاليا بل تقر به تماماً، لكنها في الوقت ذاته تبحث عن المضي قدماً في مسار النمو، دون أن يعرقلها التعثر الإيطالي.

واشار عضو لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي الأوروبي إفالد نوفوتني الى إن اقتصاد إيطاليا المتباطئ لا ينبغي أن يعرقل خطط إنهاء التحفيز النقدي في منطقة اليورو، والبدء في رفع أسعار الفائدة.

وتحدث محافظ البنك المركزي النمساوي عن تباطؤ النمو في إيطاليا، قائلاً إن ذلك يرتقي إلى درجة الركود، وعن أثر ذلك على الوظائف، كجزء من أسباب عدم الاستقرار السياسي في البلاد.