بعد ثلاثة أشهر على تكليف الرئيس ​سعد الحريري​ تشكيل الحكومة الجديدة، لاتزال الخلافات على الحصص الوزارية تعوق تشكيلها، مما يزيد من تعقيدات الأوضاع المالية ويُنذر بخسائر قد تصل إلى عدّة ملايين الدولارات شهرياً.

فكل المؤشرات تبيّن بأن الوضع الإقتصادي ما زال ينحدر باتجاه لا يحمد عقباه على كل الأصعدة، كما ان المتغييرات الإقليمية وتسارع الاحداث في المنطقة وضرورة تنفيذ مقررات المؤتمرات الدولية، كلها أمورٌ تحتم على الكتل النيابية العمل على تسريع وتيرة الإتصالات واللقاءات للتعجيل بولادة الحكومة حتى لا نصل إلى الإنهيار الكبير. فهناك العديد من الملفات الملحة التي تحتاج إلى قرارات سريعة ومدروسة، وأبرزها ​النفط​ و​الغاز​ وتنفيذ مشاريع "سيدر" والاصلاحات المطلوبة، إضافة الى ترميم العلاقات ال​لبنان​ية الخليجية وإستعادة السياح الغائبين منذ سنوات.

فهل ستعي الأطراف السياسية المتناحرة خطورة الوضع الراهن وتعمل على وقف هذا النزف ؟ وكم سيصمد الوضع الإقتصادي والإجتماعي قبل الإنفجار الكبير؟ هل تشكيل الحكومة هو بيد اللبنانيين فعلا ام انه مرتبط بالاوضاع الإقليمية الراهنة ؟ وماذا عن ​الوضع المالي​ في البلد؟ وما هو مصير المنح والقروض التي تعهد بها ​المجتمع الدولي​ للبنان في حال إستمرار الخلاف السياسي الحاصل؟

أسئلة كثيرة أجاب عنها الخبير الإقتصادي د. لويس حبيقة في هذه المقابلة مع "الإقتصاد".

بداية، ما هي أثار تأخير تشكيل الحكومة على الإقتصاد الوطني ؟ وما هي الخسائر المباشرة وغير المباشرة لهذه المشكلة؟

لا شك ان كل يوم يمرّ دون تشكيل حكومة يؤثر سلبا على الإقتصاد، والخسارات المباشرة التي يتلقاها الإقتصاد يوميا موجودة، ولكن الخسارات الاكبر هي تلك غير المباشرة والمتمثلة بضياع الفرص البديلة.

فأسباب التأخير في تشكيل الحكومة غير مقنعة، مما ولّد أزمة ثقة لدى الناس، وهذا ما يدفع بالمستثمرين المحليين وحتى الاجانب الراغبين بالإستثمار في لبنان، لتأجيل ​إستثمارات​هم أو نقلها .. وهذه الخسارات اكبر بكثير من الخسائر اليومية التي يتكبدها الإقتصاد بسبب غياب حكومة فاعلة.

والمشكلة في السلطة الحاكمة والأطراف السياسيين، هي ان مصالحهم الشخصية أهم من المشاكل الإقتصادية القائمة، فهم على دراية وعلم بكل المشاكل الموجودة وكل الملفات الملحة، ولكن مصالحهم الشخصية والمكاسب السياسية تعتبر أولوية بالنسبة لهم، وما يسعون لتحقيقه اليوم من مكاسب سياسية في المرحلة الراهنة، قد لا يتمكنوا من تحقيقه في مراحل مقبلة، وهذا يدفعهم للتمسك بارائهم وعدم تقديم أي تنازلات أو تضحيات.

هل تشكيل الحكومة هو بيد اللبنانيين فعلا ام انه مرتبط بالاوضاع الإقليمية الراهنة ؟

لا أعتقد ان موضوع تشكيل الحكومة مرتبط بالتطورات التي تحصل على المستوى الإقليمي، ولا اتفق مع أصحاب هذه النظرية .. فتشكيل حكومة جديدة وفاعلة هو بيد القوى السياسية المحلية، والمطلوب من الرئيس المكلّف تقديم لائحة او مسودّة بالأسماء المطروحة، وإنتظار رد رئيس الجمهورية تمهيدا للتوافق والإتفاق والإعلان عن هذه الحكومة.

كم سيصمد الوضع الإقتصادي والإجتماعي برأيك في حال إستمر الفراغ الحكومي إلى وقت أطول ؟

أولا، لا يجب أن نبالغ بتوصيف الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية بانها متدهورة، كما أنه يجب أن لا نخفف من حجم المشكلة .. التوصيف يجب ان يتناسب مع الواقع، والواقع اليوم اننا نمرّ بمرحلة تعثّر إقتصادي يؤدي لتراجع على المستوى المعيشي وفي القدرة الشرائية للناس.

والصمود على هذه الحال يمكن ان يستمر لفترة طويلة، ولكن هل هذا فعلا ما نريده؟ وهل هذا هو هدفنا للأشهر والسنوات المقبلة ؟

المطلوب اليوم هو إعادة البلد إلى السكة الصحيحة، وهذا يتم من خلال تشكيل حكومة فاعلة، والبدء بتطبيق الإصلاحات المطلوبة، والعمل على الملفات العالقة التي تنعكس بشكل مباشر على حياة المواطنين اليومية.

هناك بعض الأطراف التي تصف الوضع المالي بالسيء في لبنان، وأطراف أخرى تُطمئن بان الوضع المالي ثابت ولا يدعو للقلق .. ما هو رأيك بهذا الموضوع؟

لا يمكن وصف الوضع المالي في لبنان بالجيد، بل هو يعاني منذ سنوات، ولكن بنفس الوقت لا يمكن الحديث عن إنهيار. وأعود واكرر بان التوصيف يجب ان يتناسب مع الواقع، فالوضع المالي غير جيّد، وإقتصادنا متعثّر، ولكن الحلول موجودة بأيدينا. وهذه الحلول تبدأ بتشكيل حكومة متجانسة وفاعلة، مما سيؤدي مباشرة إلى دخول إستثمارات للسوق اللبناني، وستتحرك الأسواق.

فإقتصادنا صغير جداً، وضخ إستثمارات مثلا بقيمة مليار أو ملياري دولار كفيل بتحريك العجلة الإقتصادية، وإنعاش الحركة من جديد.

ما هو مصير المنح والقروض التي تعهد بها المجتمع الدولي للبنان في حال إستمرار الخلاف السياسي الحاصل؟

كلّنا نعلم ان المنح والقروض التي تعهد بها المجتمع الدولي في مؤتمر "سيدر" مربوطة بإصلاحات وخطوات إصلاحية جدية وحقيقية، وهذا لا يمكن أن يتم إلا من خلال تشكيل حكومة. وبالتالي فإن التأخر في تشكيل الحكومة سيؤخر قدوم هذه الأموال، وسيؤجلها إلى أجل غير مسمى.

ولكن برأيي ان لبنان سيتمكن من تشكيل الحكومة، وأعتقد انه على الرغم من وجود طبقة سياسية تبحث عن مصالحها الشخصية، ولكن بنفس الوقت ليس من مصلحتهم ترك البلد على هذه الحال ودفعه نحو السقوط والإنهيار. لذلك فإن الحكومة ستبصر النور قريبا على ما أظن، ونتمنى ان تكون حكومة فاعلة ومتجانسة وقادرة على إتخاذ القرارات اللازمة والضرورية.