الإصرار، الجدية، والإرادة الصلبة، هي صفات اجتمعت في رجل يحمل رسالة أو قضية اجتماعية وإنسانية.

شغفه الدفاع عن الحريات، ومهمته الحياتية مساعدة الفئات المهمشة من أجل الوصول الى غد عادل يضم قوانين تحمي حقوق الإنسان. كما أن جميع العوائق والتحديات لم تحبط من عزيمته، ولم تمنعه من استكمال مسيرته.

"الاقتصاد" التقت مع مؤسس "Arab Foundation for Freedoms and Equality"، "المؤسسة العربية للحريات والمساواة"، "AFE"، جورج قزي، للحديث عن رحلته في المجال الاجتماعي:

  • من هو جورج قزي؟ وكيف قررت تأسيس "AFE

تخصصت بالأساس في مجال الهندسة في ​فرنسا​، وبالتالي فإن نشاطي العملي لم يكن له أي علاقة بالجمعيات.

وخلال فترة تواجدي في فرنسا، انخرطت في العمل التطوعي، اذ شعرت أن الجمعيات قادرة على التأثير وتشكيل قوة ضغط، من أجل تحقيق التغيير، خاصة في مجال حقوق الأقليات والصحة الجنسية.

في العام 2004، كنت على تواصل مع مجموعة من الشبان والشابات في ​لبنان​ الذين يرغبون في تأسيس جمعية تعنى بموضوع حساس الى حد ما، وهو حقوق الأقليات وحقوق المثليين.

ومن هنا، لاحظت أنه خلال تلك الفترة، كان التغيير قائما في لبنان، وأن هذه هي فرصتي من أجل العودة وإفادة بلدي الأم؛ وبالتالي أسسنا "TheArab Foundation for Freedoms and Equality"، "AFE".

وفي المرحلة الماضية، كنت أعمل في شركة للهندسة الى جانب عملي في المؤسسة، ولكن مع الوقت بدأت بالتركيز أكثر فأكثر على العمل الاجتماعي حتى تفضيت له بشكل كامل.

  • ما هي أبرز أهداف هذه الجمعية؟

رؤيتناتكمن في بناءمجتمعات يتم فيها احترام بالنشاط الجنسي والنوع الاجتماعي والحقوق الجسدية، والاعتراف بها.

أما مهمة"AFE" فهي دعم النشاط الجنسي للأفراد (مثل المثليين)، واحترام الحقوق الجندرية والحقوق الجسدية في منطقة ​الشرق الأوسط وشمال أفريقيا​، وذلك من خلال بناء القدرات وإنتاج المعرفة والتبادل والأمن والاستجابة لحالات الطوارئ.

وفي الوقت الحاضر، توسعت الأعمال من المستوى المحلي فحسب، الى المستوى الإقليمي؛ اذ نعمل حاليا في 13 دولة عربية.

  • هلا تلاقي"AFE"انتقاداتكثيرة بسبب تركيزها على مواضيع حساسة؟

في البداية، كانت الأمور صعبة للغاية، وحتى أن الهجوم علينا لا زال موجودا ومستمرا الى حد اليوم، وذلك لأن أهداف جمعيتنا لا تتفق عليها كل فئات المجتمع. كما أن المواضيع التي نعالجها، تضم الكثير من التعقيدات المتعلقة بثقافة وذكورية المجتمع، وبالتطرف الديني أيضا.

فالمشاكل متجذرة في البلاد ونحن نحاول كسرها، وبالتالي هناك عدد كبير من الأشخاص الذين يعارضون ما نقوم به، لأن عملنا قد يحرمهم من بعض الامتيازات التي حصلوا عليها لمجرد كونهم رجال مثلا.

لكنني أعتبر أن إرادتنا القوية ستساعدنا حتما على استكمال المسيرة، مهما اشتدت الصعاب.

  • ما هو موقع لبنان بالنسبة الى المواضيع التي تعالجها"AFEبالمقارنة مع الدول العربية والأوروبية؟

وضعنا أفضل من بلدان أخرى في المنطقة، وذلك بسبب وجود عدد كبير من الجمعيات الفاعلة. وقد شهدنا مع مرور السنوات، على تغييرات عدة، كما ربحنا عددا كبيرا من القضايا في المحاكم.

ومن جهة أخرى، إن الإعلام اللبناني الحر والمنفتح يساعدنا الى حد كبير من ناحية الترويج لحقوق الانسان بالإجمال.

لكن المشكلة في لبنان تكمن في أن التغييرات المحققة على صعيد حقوق الانسان، لا تترسخ بقوانين، وذلك لأن البرلمان معطل، كما أنه يتأخر بالعادة من أجل البتّ بالقوانين، وبالتالي فإن أي تقدم محقق، قد يختفي بأي لحظة.

ومن هنا تجدر الاشارة الى أن وضعنا أفضل من غيرنا، ولكن لا توجد ثقة بأن هذا الوضع سيبقى قائما وثابتا، بل من الممكن أن يتراجع في أي وقت كان.

  • على الصعيد الشخصي، ما هي الصفات التي ساعدتك على النجاح والتقدم في مجال العمل الاجتماعي؟

أولا، لا أشعر أن نشاطي في الجمعية هو بمثابة عمل أو وظيفة أو واجب، بل أتعامل بطريقة مباشرة مع جميع القضايا التي نعالجها.

ثانيا، تعلمت أنه من أجل تحقيق النجاح، يجب العمل مع أشخاص يتوافقون معي من ناحية الأهداف الاجتماعية، لكنهم قد يختلفون بالآراء السياسية أو الاقتصادية مثلا. ومن هنا تعلمت تقبل الاختلاف والآراء المتنوعة، من أجل خدمة قضية واحدة.

ثالثا، جمعت من حولي أشخاص أذكياء ومبتكرين، يقدمون الأفكار الجديدة. اذ مهما كان الشخص يتحلى بخطط ومشاريع، لن يتمكن مع الوقت من الاستمرار، ما لم يكن محاطا بأفراد يسهمون بتغذية عقله.

  • هل شعرت بالتقصير تجاه حياتك الخاصة والعائلية بسبب عملك في الجمعية والتوسع الذي طال 13 دولة؟

هذا العمل يضم مخاطر عدة، مثل الاعتقالات والملاحقات القانونية، وذلك بسبب تركيزنا على مواضيع حساسة، وبالتالي سيؤثر حتما على التزامي تجاه العائلة.

ومع الوقت تعلمت كيفية التنسيق بين الجانبين من حياتي، لكنني أعي تماما أن عائلتي بأكملها بخطر بسبب عملي.

  • ما هو الإنجاز الأكبر الذي حققته الى حد اليوم؟

شاركت في تأسيس ثلاث جمعيات، كل واحدة منها كانت الأولى من نوعها؛ مثل أول جمعية تهتم بالصحة الجنسية بطريقة شامل وواضة، وأول جمعية تعمل على حقوق المثليين.

وأعتقد أن قدرتي على إفادة أكبر عدد ممكن من الناس، من خلال تلك الجمعيات، هو الإنجاز الأهم بالنسبة لي، والذي أفتخر به الى أقصى الحدود.

فأنا أستيقظ يوميا بحماس ونشاط من أجل ممارسة عملي، ولم أشعر يوما بالملل أو التعب أو اليأس منه، لأنني أحب ما أقوم به.

  • ما هي الصعوبات والتحديات التي تواجهك في عملك في لبنان؟

أولا، يمكن في أي لحظة أن يتوقف نشاطنا، بسبب تدخل بعض الجهات المحافظة. وبالتالي نشعر دائما أن هناك من يحاول إغلاق الأبواب في وجهنا.

ثانيا، الدولة اللبنانية لا تقدم أية مساعدات لجمعيات مشابهة لنا، وبالتالي نحن مضطرون للسعي الى العمل مع الأفراد أو الممولين العالميين من أجل الاستمرار.

ثالثا، هذا العمل ليس سهلا أبدا، لأننا نحاول يوميا تخطي المصاعب والاستمرار بنشر رسالتنا.

  • ما هي مشاريعك وطموحاتك المستقبلية؟

أسعى دائما الى تقديم الأفكار الجديدة من أجل توسيع أعمال الجمعيات، كما أتمنى الوصول الى مرحلة نكون فيها بعيدين كل البعد عن أي ضغط سياسي، لكنني لم أكتشف بعد طريقة تنفيذ هذه الخطة!

  • ما هي رسالة جورج قزي الى جيل الشباب في لبنان؟

أولا، أشعر بانزعاج كبير عندما أسمع من الناس عبارة "شو بدك بهالشغلة، وما رح توصل لمحلّ"، ولهذا السبب أقول أن الصعوبات كثيرة لكن الإنجازات أكثر.

ثانيا، اليأس هو عدونا الأكبر، لذلك علينا الابتعاد عنه قدر الإمكان، ومهما اشتدت الصعاب.

ثالثا، يجب أن نتعلم التعاون مع بعضنا البعض كفريق واحد. فاللبناني يبرع حتما بمفرده، لكنه قد يواجه بعض الصعوبات في العمل كمجموعة، بسبب عدم اعتياده على العمل الجماعي؛ وهذا ما يجب التركيز عليه في المستقبل.