تصدّرتالمبادرة الروسية لإعادة ​اللاجئين السوريين​ إلى ديارهم، العناوين والأخبار على الساحة الداخلية في الأسابيع الماضية، على ان تبدأ الخطوات العملية لهذه الخطّة بعد تلقي الأجوبة الدولية والعربية من بيروت وعمّان ودمشق وأنقرة وواشنطن والدول المانحة وكذلك المفوضية السامية للاجئين.وقد تكون هذه المبادرة امل ​لبنان​ الوحيد في التخفيف من هذا العبء في ظل الإنقسام السياسي الداخلي الكبير حول الكثير من الملفات الإقتصادية والإجتماعية العالقة، ومن ضمنها ملف عودة النازحين، والعلاقات السياسية مع دمشق .. فالوصول إلى حل داخليلهذا الملف، أو إطلاق مبادرة محلية يعتبر شيئاً من المستحيل.

لذلك يجب على لبنان العمل على توحيد الموقف الداخلي تجاه المبادرة الروسية، والاستفادة من هذه الفرصة الدولية المؤاتية لحلّ أزمة اللجوء، وعودة الجزء الأكبر من النازحين إلى ​سوريا​ بطريقة آمنة وسريعة.

وتشير أرقام وإحصاءات نُسِبت إلى البنك الدوليّ ومؤسسات دولية اخرى، الى أنّ الناتج المحلّي اللبناني انخفض من 8% عام 2011 الى 1% مع نهاية 2017، وقد كلّفت الأزمة السوريّة الاقتصاد اللّبنانيّ حوالي  18 مليار دولار من عام 2011 وحتّى نهاية العام الماضي، وفاقت اليد العاملة للنازحين 384 ألفا، وأصبحت نسبة ​البطالة​ وفق الاحصاءات عند اللّبنانيين 30%، وزادت نسبة الفقر 53% في شمال البلاد، 48% في الجنوب و30% في البقاع.

فماذا سيكون مصير المبادرة الروسية المطروحة ؟ وهل ستؤدي إلى نتائج ملموسة على أرض الواقع؟ هل الأرقام المتداولة عن تأثيرات النازحين على لبنان واقعية ام مبالغ بها ؟ وهل من المنطق تحميل النازحين السوريين فقط مسؤولية تردي الأوضاع الإقتصادية والمالية في البلاد ؟ .. أسئلة كثيرة اجاب عنها الخبير الإقتصادي د. ​إيلي يشوعي​ في هذه المقابلة مع "الإقتصاد".

  • برأيك ماذا سيكون مصير المبادرة الروسية المطروحة من أجل عودة النازحين ؟ وهل ستؤدي إلى نتائج ملموسة على الأرض ؟

حتى الأن المبادرة الروسية مازالت مجرّد كلام، وإقتصرت فقط على إجتماعات لوزراء الخارجية في ​موسكو​ وفي بيروت، وليس هناك أي إتفاقات خطية ورسمية موقعة بهذا الخصوص.

وفي هذا السياق هناك اسئلة كثيرة مطروحة وعلى رأسها، هل ستقوم روسيا بإلزام الحكومة السورية بإستقبال النازحين من أجل إرضاء لبنان ؟ وماذا عن الأشخاص الذين شاركوا في المعارك ضد الدولة السورية وتلقوا تدريبات عسكرية ؟

يجب ان نعلم في البداية ان النازحين السوريين في لبنان لن يعودوا كلهم إلى بلادهم، وهناك جزءا كبيرا سيبقى في لبنان بإتفاق بين الدول الإقليمية الكبرى من أجل إبقاء نوع من التوازن السياسي والطائفي على الساحة اللبنانية. فلو حصل تغيير كلي أو حتى جزئي في النظام السوري، يمكن الحديث عندها عن عودة الجميع إلى سوريا، ولكن في ظل بقاء النظام الحالي، لن يستطيع جزءا كبيرا من السوريين المعارضين وخصوصا المشاركين في القتال ضد النظام من العودة إلى سوريا.

إستنادا إلى كل ذلك، نستنتج أن هذا الطرح الروسي هو طرح سياسي بالدرجة الأولى، ويندرج ضمن خطتها التوسعية في المنطقة ككل، وتحاول من خلاله طمأنة مسيحيي لبنان وأقلياته بأن النازحين السوريين لن يشكلوا خطرا على مناطقهم، بغض النظر عن الحل الذي ستتوصل إليه الأطراف المتنازعة.

  • ألا تعتقد أن الخلاف والإنقسام الداخلي حول هذا الملف يعتبر من الأسباب الرئيسية في تأخر الحلول؟

لا شك ان الخلاف القائم حول هذا الملف وحول العلاقة مع الحكومة السورية هو من العوائق الكبيرة التي تقف بوجه التوصل إلى حلول. فجلوس الحكومتين على طاولة واحدة ومناقشة المشاكل الذي يسببها النزوح السوري، يساهم بدون شك في التوصل إلى حلول، وفي تقريب وجهات النظر، ولكن إستمرار الخلاف يجعل من الإستحالة حلّ هذا الملف من خلال مبادرة داخلية.

ومن جهة اخرى ليس هناك قرارا دوليا جديا بعد من أجل حل أزمة النازحين السوريين في بلاد النزوح، خاصة ان هذه ورقة ضغط سيتم إستخدامها عند نضوج الأزمة والعمل على إيجاد الحل النهائي لها.

*النازحون السوريون لن يعودوا جميعاً إلى وطنهم

  • هل تعتقد أن الأرقام المتداولة عن تأثير الازمة السورية وملف النازحين على لبنان هي أرقام واقعية ام مبالغ بها ؟

كل الأرقام التي تم الحديث عنها في السنوات الماضية هي عبارة عن تخمينات، فلم يتم إجراء أي دراسة او تحقيقات ميدانية حقيقية، لتحديد الأرقام الدقيقة وحجم تأثير الأزمة السورية والنازحين على ​الإقتصاد اللبناني​.

فتحديد هذه الأرقام يتم من خلال دراسات مفصلة في كل المجالات، ومن ضمنها تأثر النازحين على إستهلاك الكهرباء والمياه، وتأثيرهم على البنى التحتية وشبكة الطرقات، والمنافسة الإقتصادية مع اللبنانيين في كل القطاعات، ومساهمتهم في رفع مستوى البطالة بين الشباب .. وغيرها من الأمور الأخرى.

لذلك أعتقد ان الأرقام التي يتم تداولها ليست أرقاماً حقيقية، ولو أرادت الدولة فعليا تحديد هذه الأرقام، فهي تمتلك كل الإمكانات اللازمة للقيام بذلك.

  • هل من المنطق تحميل النازحين السوريين فقط مسؤولية تردي الأوضاع الإقتصادية والمالية في البلاد ؟

في السابق، تحجّجت الحكومات المتعاقبة بعجز كهرباء لبنان من أجل تفسير الإرتفاع الهائل الذي حصل في الدين العام، واليوم تحاول بعض الأطراف التحجج بالنازحين السوريين، لتفسير الحالة الإقتصادية المتردية التي وصل إليها البلد.

فهذا الكلام الذي يتم تداوله هو مجرّد عذر غير واقعي وغير منطقي، لتفسير الحالة التي وصلنا إليها. ويجب على الجميع ان يعرف بان حل أزمة النزوح لن يكون سوى كبسولة دواء مخدّرة قد تنعش الإقتصاد لفترة وجيزة، ولكن الوضع العام سيبقى كما هو، فسياسة البنك المركزي غير صحيحة، والسياسة الإستثمارية غير صحيحة، وسياسة الخدمات العامة غير صحيحة، والإتفاقات التجارية مع الخارج مجحفة، والسياسة البيئية كارثية .. وكل السياسات على مختلف الأصعدة هي سياسات آنية لا تستند إلى رؤية واضحة .. وهذه هي الأسباب الحقيقية والرئيسية التي أوصلتنا إلى هذه الحال.